الجامعة الأميركية في بيروت تستعد لتطويرخدماتها الطبية والبحثية بفضل «رؤية 2020»

تلقت «هبة» تبلغ 32 مليون دولار هي الأكبر منذ تأسيسها قبل 147 سنة

مخطط مشروع «رؤية 2020»
TT

تلقت «الجامعة الأميركية» ببيروت أكبر منحة تقدم لها منذ تأسيسها قبل 147 سنة، وتبلغ قيمتها 32 مليون دولار من رجل الأعمال جمال دانيال، وهو ما سيتيح لها تحقيق قفزة نوعية في المجال الطبي والبحثي، وتوسعة المستشفى الخاص بها، ضمن مشروع يحمل اسم «رؤية 2020».

ويستقبل «مستشفى الجامعة الأميركية» في بيروت، وهو الأشهر في المنطقة، ما يقارب 365 ألف مريض خلال العام الواحد، يفدون إليه للعلاج من مختلف البلدان العربية، كما أنه يضم 350 سريرا. ومع بدء تنفيذ مشروع «رؤية 2020»، تغير اسم المستشفى ليصير «المركز الطبي في الجامعة الأميركية»، نظرا لأن مباني ملحقة بالمستشفى الأساس - وفي محيطه الجغرافي - جرى افتتاحها، كما سيجري في السنوات المقبلة تدشين المزيد من الملحقات التي يعمل عليها حاليا.

مشروع «رؤية 2020» سيسمح بزيادة عدد طلاب كلية الطب إلى 120 طالبا كل سنة، بينما الرقم الحالي هو 90 فقط. وسيرتفع بذلك أيضا عدد الأطباء المداومين والزملاء. ويجري السعي للحصول من مجلس الاعتماد للتعليم الطبي العالي، على الاعتماد الدولي لبرامج التعليم الطبي العالي للدراسات العليا في الجامعة. وهذا يسمح بإبقاء عدد أكبر من الأطباء للعمل في المركز عوض أن يسافروا إلى الخارج. ومعلوم أن الجامعة الأميركية تدرب طلاب كلية الطب، في المستشفى الخاص بها، ومن ثم فإن تطوير المركز الطبي، سيعني بشكل مباشر النهوض بالتعليم، حيث يلتحق بالجامعة سنويا طلاب من جنسيات عربية مختلفة.

وسيجري إنشاء خمسة مراكز للامتياز مزودة بأحدث المنشآت، لتسهيل البحث. هذه المراكز هي لكل من: بيولوجيا السرطان، علوم القلب والأوعية الدموية، الجينات، علوم الأعصاب، أبحاث الخلايا الجذعية. ومع الانتهاء من المشروع يصير بإمكان المستشفى استقبال 550 ألف مريض زائر سنويا، بينما سيصل عدد الأسرة إلى 600 سرير.

ويشرح المكتب الإعلامي في الجامعة الأميركية لـ«الشرق الأوسط»، أن «الطموحات كبيرة، وعدد المرضى يتزايد، والمبنى القديم لم يعد يكفي لسد الاحتياجات، خاصة أن آخر مرة جرت فيها توسعة المستشفى كانت في الستينات من القرن الماضي، وقد حان الوقت لاتخاذ خطوات جديدة، خاصة أن زيادة المساحات، لا تعني فقط افتتاح مبان، وإنما تحسين الخدمات، والاهتمام باختصاصات مستجدة، وشراء أحدث المعدات الطبية، والتركيز بشكل أكبر على البحث العلمي، وتدريب الخريجين من كلية الطب».

وهذا المشروع هو أكثر مشاريع الجامعة طموحا منذ إنشاء المركز الطبي في عام 1902، خاصة أن تطوير مستشفى الجامعة الأميركية وتحويله إلى مركز كبير وفعال، مع زيادة كفاءته العلمية والطبية أمر يعود بالخير ليس على لبنان وحده، وإنما على المنطقة العربية جمعاء.

وجدير بالذكر أن عميد كلية الطب في الوقت الحالي، ونائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت للشؤون الطبية الدكتور محمد الصايغ كان قد عاد من «جامعة هارفارد» إلى لبنان عام 2009 خصيصا، ليشرف على تنفيذ مشروع «رؤية 2020». وقد تمكن الدكتور الصايغ، من إعادة عشرات الأدمغة المشهود لها في المجال الطبي، من مهاجرها إلى لبنان خلال هذه الفترة، للمشاركة في المشروع الذي يفترض أن يحقق قفزة نوعية للبنان في المجال الطبي. ويقدر البعض عدد الاختصاصيين الذين عادوا بثمانين، وهم من ألمع الأطباء في اختصاصهم.

ومشروع «رؤية 2020»، الذي أطلقته الجامعة الأميركية عام 2010 بتكلفة 400 مليون دولار، الهدف منه «ترسيخ مكانة المركز الطبي التابع للجامعة، وتغيير وجه التعليم والأبحاث والعناية الطبية في المنطقة ورفعها إلى مستويات غير مسبوقة»، كما يشرح المعنيون. و«يتضمن المشروع بناء منشآت علاجية وأكاديمية رئيسة جديدة ومراكز امتياز علاجية وبحثية، وتزويد المركز بأحدث التجهيزات، واستقدام خبرات طبية وتمريضية عالية، وإرساء شراكات إقليمية ودولية». ورغم الأوضاع الأمنية المتردية في المنطقة، لم يتردد جمال دانيال، الأميركي من أصول سورية، في تقديم هبة سخية جدا، للمساهمة في هذا المشروع، عبر مؤسسة «ذي ليفانت فاونديشن» (The Levant Foundation) التي أنشأها في هيوستن بولاية تكساس الأميركية، وهو ما ترى فيه الجامعة «نفحة أمل قوية وعفية».

وجمال دانيال هو من كبار رجال الأعمال في العالم، وله خبرة طويلة في إدارة الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز، وفي قطاعات الاتصالات والتكنولوجيا المتطورة والإعلام والصناعة والعقارات. أما «ذي ليفانت فاونديشن» (The Levant Foundation)، فهي تتعاون مع الجامعات ومعاهد الفنون الجميلة والمؤسسات الدينية والبحثية لدعم برامج فنية وأكاديمية وتعليمية. وهي مؤسسة خاصة غير ربحية ملتزمة بإغناء المعلومات حول ثقافة الشرق الأوسط وتاريخه والعلاقات بين الديانات التوحيدية الثلاث التي نشأت في المنطقة.

وعن دوافع تبرعه بهذا المبلغ الكبير، قال جمال دانيال إن «علاقة عائلتي بالجامعة تعود إلى أواخر أربعينات القرن الماضي حين درس والدي حليم دانيال وعمي الراحل عاطف دانيال في هذه المؤسسة العريقة. وتبعهما من الجيل التالي أخي رمزي وزوجتي رانيا اللذان - ولحسن حظهما - اكتسبا خبرة من الجامعة واستفادا من تعليمها وبيئتها الرائعين. ويشرفني أن تسنح لي الفرصة بتعزيز تاريخ عائلتنا الطويل مع هذا الركن الأكاديمي في المشرق».

وستطلق الجامعة اسمي والدي جمال دانيال على مبنى طبي رئيس جديد ما زال قيد الإنشاء. وسيعرف المبنى باسم «مركز حليم وعايدة دانيال الأكاديمي والعلاجي». ويتوقع أن ينتهي العمل في هذا المبنى في عام 2016. ويتألف من أربع عشرة طبقة ليشكل أحدث المباني الطبية في لبنان ويضم مجموعة متنوعة من العيادات الخارجية ومراكز أكاديمية رئيسة للتعليم والأبحاث السريرية في مجالات الطب النفسي والسرطان وطب العيون وطب القلب والشرايين وطب الأنف والأذن والحنجرة. ويضم المبنى أيضا مركزا لجراحات اليوم الواحد وآخر للتعليم بالمحاكاة، بالإضافة إلى مساحة للعرض في الطبقة الأرضية وقاعة مؤتمرات. وستحمل مساحة العرض وقاعة المؤتمرات اسم «المونيتور».

جمال دانيال عضو رفيع المستوى في المجلس الاستشاري الدولي للجامعة الأميركية في بيروت. ويحتل مناصب قيادية عدة، من بينها رئاسة مجلس الموقع الإعلامي الإلكتروني «المونيتور» ومقره واشنطن العاصمة، وعضو فخري في مجلس أمناء جامعة البلمند في لبنان. شغل سابقا مناصب مختلفة فكان عضوا في مجلس إدارة جامعة ببردين في ماليبو بولاية كاليفورنيا، وعضوا في مجلس أمناء معهد كونراد هيلتون لإدارة الفنادق والمطاعم في هيوستن بولاية تكساس.

وتأسست الجامعة الأميركية في بيروت عام 1866. ولها اليوم أكثر من 700 أستاذ متفرغ، وعدد طلابها يصل إلى 8500 طالب. توفر أكثر من مائة برنامج خاص بشهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه والدكتوراه في الطب. افتتح المستشفى الذي عرف باسم «مستشفى الجامعة الأميركية» عام 1902، ويأتي مشروع «رؤية 2020» بمثابة لحظة تحول تريدها الجامعة استثنائية لقسمها الطبي الذي ذاع صيته في المنطقة العربية كلها.