الصراع على المدرسين الأكفاء ينتقل إلى أروقة المحاكم في كاليفورنيا

«الحصانة الوظيفية» تجعل من الصعب للغاية فصل المعلمين السيئين

مجموعة من الطلاب الذين يقاضون ولاية كاليفورنيا نظرا لسوء حالة المدرسين (نيويورك تايمز)
TT

حاول الكثيرون في ولاية كاليفورنيا الأميركية تخفيف إجراءات تثبيت المدرسين في مناصبهم من خلال المباحثات الخاصة بالعقود والهيئات التشريعية بالولاية، ولكنهم أخفقوا في هذا الأمر. ولذلك، انتقلت الآن مجموعة من النجوم الصاعدة من الحركة المنادية بإجراء إصلاحات في عملية التوظيف في مجال التعليم لكي تعرض قضيتها في ساحات المحاكم.

وفي إحدى قاعات المحاكم الصغيرة الموجودة هنا، نجد تسعة طلاب من إحدى المدارس العامة يطعنون ضد النظام الذي يحظى بالتحصين فيما يخص تثبيت المدرسين في ولاية كاليفورنيا. وقال الطلاب إنه جرى انتهاك حقهم بالحصول على تعليم جيد بسبب الحصانة الوظيفية التي تجعل من الصعب للغاية فصل المعلمين السيئين من وظائفهم. بيد أننا نجد وراء هؤلاء الطلاب أحد أقطاب التكنولوجيا في وادي السليكون، الذي يمول تلك القضية، فضلا عن فريق على أعلى مستوى من المحامين، يضم ثيودور أولسون، النائب العام السابق للولايات المتحدة الأميركية.

وقال ديفيد ويلتز، المتعهد في مجال الاتصالات: «للأطفال الحق في الحصول على تعليم جيد على أيدي مدرسين أكفاء بصرف النظر عن ظروفهم».

وجدير بالذكر أن ويلتز أنفق الملايين من ماله الخاص لإنشاء منظمة «ستيودنت ماتر (Students Matter)» التي تدعم الدعوى القضائية. وتصف هذه المجموعة نفسها بأنها مجموعة وطنية غير هادفة للربح تكرس نفسها لرفع الدعاوى القضائية من هذا النوع، وستتمثل النتيجة في أن كاليفورنيا ستكون أول مؤشر لمعرفة ما إذا كان هذا الأمر يمكن أن ينجح أم لا.

تشتمل قضية تثبيت المدرسين هذه على مجموعة من القواعد التي توفر توظيفا دائما للمدرسين في كاليفورنيا بعد مرور 18 شهرا من العمل بوظائفهم، مما يتطلب اتخاذ إجراءات مطولة لفصل أي مدرس، فضلا عن إرساء نظام الأقدمية بحيث يكون آخر المدرسين المعينين حديثا هم أول من تشملهم عملية الفصل في حال حدوث تسريح للموظفين.

من جانبها، اكتفت نقابة المعلمين، التي تحظى بنفوذ قوي بين المشرعين في هذه الولاية، بالقول إن هذه الحصانة ضرورية لضمان عدم فصل المدرسين بصورة غير عادلة. وتقول النقابة بأن هذه الوظيفة لن تستقطب مدرسين جددا من دون وجود هذه الحماية.

وفي بيانه الافتتاحي في المحكمة هذا الأسبوع، يقول جيمس فينبرغ، أحد المحامين عن نقابة المعلمين في كاليفورنيا: إن «تثبيت المدرسين في وظائفهم يعد من المميزات مثلها مثل الراتب والإجازة، بحيث يسمح للمقاطعات بجلب المدرسين والاحتفاظ بهم على الرغم من ظروف العمل الصعبة، مع الوضع في الاعتبار أن الراتب الذي يتقاضونه لا يتواكب مع التغييرات في وقتنا الحاضر، ناهيك عن بذل مجهود كبير داخل الفصول مقارنة بتلك الرواتب».

تعد تلك القضية التي تصل مدتها إلى شهر واحد بمثابة اختبار لإحدى الحالات الوطنية التي يجري مراقبتها عن كثب فيما يخص قوانين التوظيف للمدرسين، التي تعد واحدة من أكثر الأمور المثيرة للجدل في مجال التعليم. ويشير الكثير من مديري المدارس والمحامين عبر البلاد إلى هذه القوانين على أنها مضرة وغير مناسبة للعصر الحالي، كما أنها تسببت في وجود ضغط على مدار العقد المنصرم لتغييرها مع تحقيق نجاح محدود. وجدير بالذكر أنه جرى إلغاء نظام تثبيت المدرسين في وظائفهم في ثلاث ولايات، وكذلك في واشنطن العاصمة، كما أن هناك عددا ضئيلا من الولايات تحظر استخدام نظام الأقدمية كأحد العوامل المؤثرة في تسريح المدرسين. بيد أن الجهود المبذولة مرارا وتكرارا لإحداث مثل هذه التغييرات في الهيئات التشريعية قد باءت بالفشل في الكثير من الولايات الكبيرة - التي تضم مجمعات مدارس في المناطق الحضرية، بما في ذلك كاليفورنيا ونيويورك.

وفي حين أن الكثير من الدعاوى القضائية المطالبة بتوفير المزيد من الأموال للمدارس حققت نجاحا عبر البلاد، تعتبر قضية كاليفورنيا واحدة من أهم التحديات القانونية التي توضح أن الطلاب يتضررون من قوانين توظيف المدرسين. وتعتمد القضية أيضا على إحدى الحجج المنصوص عليها في القوانين المدنية والتي لم يجر اختبارها حتى الآن، حيث لا يحصل الطلاب من طبقة الفقراء والأقليات على نفس الحق في التعليم بسبب زيادة احتمالية تعرضهم للتعلم على يد مدرسين «غير أكفاء، وذوي مستوى أداء سيئ للغاية».

من جانبه، سيقرر القاضي رولف مايكل تريو، أحد قضاة المحكمة العليا بمقاطعة لوس أنجليس، الأمور الخاصة بهيئة المحلفين. ومن المؤكد أن القرار الصادر عنه سيجري استئنافه في الغالب أمام المحكمة العليا بالبلاد. ومن المتوقع أن يقوم الكثير من الشهود بشرح افتراضاتهم الأساسية بشأن كيفية وجود مدارس ذات مستوى تعليمي جيد.

وكان الشاهد الأول لدى المدعين هو جون ديسي، مدير مجمع المدارس الموحد في لوس أنجليس، وواحد من أشد المعارضين لقواعد تثبيت المدرسين واتباع مبدأ الأقدمية فيما يخص فصل المدرسين من وظائفهم. وقال ديسي إن محاولات فصل المدرسين غير الأكفاء من مناصبهم يمكن أن تؤدي إلى تكبد تكاليف تتراوح ما بين 250 ألفا إلى 450 ألف دولار أميركي، فضلا عن استغراقها سنوات من الطعن والاستئناف والإجراءات القانونية. وأوضح أنه غالبا ما يضطر مجمع المدارس إلى القول إن عاملي الوقت والمال سيكونان كثيرين للغاية للإنفاق على قضية غير معلوم نتيجتها بشكل جزئي؛ نظرا لأنه يمكن للمجلس الحاكم المستقل أن يعيد تثبيت المدرسين مرة أخرى. وقال ديسي في شهادته أمام المحكمة إن مثل هذه القواعد تتسبب في استحالة تجنب وجود مدرسين غير أكفاء في المدارس التي تعاني معدلات فقر مرتفعة.

وفيما يخص سياسية تسريح الموظفين، قال ديسي «لا أؤمن على الإطلاق بأن تلك السياسة هي الأفضل للطلاب بأي شكل من الأشكال. يجب اتخاذ قرار بضرورة أن يكون الشخص الذي يدرّس للطلاب هو الأكثر كفاءة، في حين أن هذه القوانين تحظر وضع هذا الأمر في الاعتبار. وبناء على ذلك، فلا يمكن أن يكون ذلك جيدا بالنسبة للطلاب».

وفي المقابل، زعمت نقابة المعلمين أن إجراءات الحماية هذه المتعلقة بالتوظيف تساعد المدارس على الاحتفاظ بأفضل المدرسين، مع جلب مدرسين جدد في الوظائف التي غالبا ما تكون منهكة وصعبة وبرواتب متدنية. وأمام المحكمة، قال فينبرغ، المحامي عن نقابة المعلمين، إن الحقيقة التي مفادها أن ديسي كان سببا في زيادة فصل المدرسين غير الأكفاء من عملهم - حيث وصل عددهم إلى حوالي 100 شخص من إجمالي 30 ألف مدرس يعملون بمجمعات المدارس، تشير إلى أن هذه القوانين مفيدة ويجري تطبيقها.

ولا يضم الفريق القانوني للمدعين، من شركة غيبسون ودن وكروتشر للمحاماة - ثيودور أولسون، الذي عمل كنائب عام للولايات المتحدة الأميركية بإدارة الرئيس جورج دبليو بوش، فحسب، بل أيضا ثيودور بتروس، محامي مؤسسة «أبل» في قضيتها الخاصة بمحاربة الاحتكار فيما يتعلق بتسعير الكتب الإلكترونية. وعلاوة على ذلك، فإن أنطونيو فيارايجوسا، العمدة السابق لمنطقة لوس أنجليس، من بين أبرز المتضامنين بشكل واضح مع المدعين، حيث انضم إليهم في أحد المؤتمرات الصحافية التي عقدت خارج أروقة المحكمة هذا الأسبوع.

وفي نفس السياق، يقول مايكل رهي، المدير السابق لمدارس واشنطن: «من المحتمل أن يكون لهذه القضية آثار مهمة على نطاق واسع، وليس في كاليفورنيا فحسب. وفي العالم الواقعي، نحتاج إلى إقرار السياسات وتمريرها من خلال الهيئة التشريعية، ولكن في كاليفورنيا لا يوجد مثل هذا التحرك». وفي الوقت الحالي، يدير رهي مجموعة «ستيودنتس فيرست (Students First)»، وهي إحدى المجموعات التي تعمل لانتخاب القادة الداعمين لمسألة تغيير قوانين توظيف المدرسين.

وبذلت نقابات المعملين في جميع أنحاء البلاد جهودا لمواجهة تغيير قوانين التوظيف، حيث زعمت أنه يجب حماية أعضائها من المديرين المتقلبين أو الانتقاميين. وعلاوة على ذلك، تسعى نقابات المعلمين في ولاية كولورادو، حيث أدى أحد القوانين الصادرة في عام 2010 إلى تكوين نظام جديد لتقييم المدرسين، لرفع دعوى بشأن أحد النصوص التي تسمح للمديرين باتخاذ القرار لاستقدام مدرسين ذوي خبرة عالية، والذين فقدوا وظائفهم بسبب تقليص الميزانية أو انخفاض نسبة القيد بالمدارس.

وفي مقابلة هاتفية، قالت راندي وينغارتن، رئيسة الاتحاد الأميركي للمعلمين، إن قضية كاليفورنيا تثير صدى الصراع الذي واجهته حينما كانت تترأس نقابة المعلمين في نيويورك، وقالت إن هذه الدعوى القضائية تعتبر «أسوأ من وصفها بالمزعجة والمسببة للمشكلات».

وتابعت حديثها قائلة «تعد تلك القضية بمثابة مثال آخر على محاولة إيجاد كبش فداء بدلا من التشمير عن ساعديك والتعامل مع المشكلة. لا يحاول الأشخاص الذين أقاموا الدعوى أن يقاضوا بشأن التمييز أو التمويل أو أنظمة الضرائب العقارية، حيث تعتبر جميع هذه الأشياء فعلا من الضروريات التي يحتاجها الشخص لكي يحصل الأطفال على حقوقهم على قدم المساواة مع الآخرين، بل إنهم يريدون حرمان المعلمين من أي حق يجعل صوتهم مسموعا».

ووفقا للتقرير الصادر منذ أيام عن المجلس القومي لمراقبة جودة أداء المدرسين، تتغير قوانين التعليم عبر البلاد، وتستخدم مجمعات المدارس في 29 ولاية مدرسين ذوي كفاءة أقل لاستغلال ذلك عند فصلهم. ويعتبر هذا المجلس مؤسسة بحثية تتخذ من واشنطن مقرا لها حيث يتتبع السياسات الخاصة بالمدرسين. وتقول كيت وولش، المديرة التنفيذية للمركز، إنه «منذ خمس سنوات لم تكن الولايات تسمح بأن يوضع في الاعتبار مسألة أداء الطلاب عند تقييم المدرسين، بينما تطلب الآن 20 ولاية ضرورة وجود مثل هذه البيانات الخاصة بالطلاب».

وفي المقابلة التي جرت معها، تقول وولش «نشهد الآن فعلا وجود تحركات في بعض الأماكن، حيث يؤدي هذا الاتجاه إلى وجود طرق مفيدة في البلاد لتقييم المدرسين واستخدام هذا التقييم لاتخاذ قرارات بشأن التثبيت في الوظائف». واختتمت حديثها قائلة: «بيد أنني لا أعتقد أن هناك أي شخص قد حاول توضيح كيفية تنفيذ هذا الأمر بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»