كتاب: رؤساء جامعات أميركية «خارج المسار»

50 منهم تركوا مناصبهم في عامي 2009 و2010

جامعة اميركية وفي الاطار غلاف الكتاب الأميركي
TT

صدر أخيرا كتاب «بريزيدنسيز ديريلد Presidencies Derailed» (رؤساء ينحرفون عن المسار)، وهو ليس عن رؤساء الولايات المتحدة، أو رؤساء بنوك أو شركات أو مؤسسات حكومية أو خاصة، ولكنه عن رؤساء الجامعات الأميركية. وخلال السنوات القليلة الماضية، صار رؤساء الجامعات الأميركية يتغيرون مثل مدربي فرق كرة القدم أو كرة السلة، والأسباب تتعلق بفضائح (مباشرة أو غير مباشرة)، أو فشل أكاديمي في مستوى الجامعة، أو فشل إداري في علاج مشكلة، أو فساد مالي، أو إساءات إلى أساتذة أو طلاب أو جماعات عرقية أو دينية أو وطنية أو إقليمية؛ أحيانا ما يكون بعضها مجرد «زلة لسان».

وطبعا، فإن رؤساء الجامعات ليسوا مثل السياسيين أو رجال الأعمال والمستثمرين، لأن فضائح الواحد منهم تسيء إلى سمعة جامعته، وتعرقل علاقتها بخريجيها، وتدمر الروح المعنوية في الحرم الجامعي، ويمكن أن تكلف ملايين الدولارات.

وعلى سبيل المثال، فخلال عامي 2009 و2010، استقال - أو فصل - خمسون رئيس جامعة أو كلية أو شبكة تعليمية أو أكاديمية في الولايات الأميركية المختلفة.

في الماضي، كان رؤساء الجامعات «رموزا» عصية على التغيير، حتى إذا فشلوا أو أفسدوا. لكن، مع الانفتاحات في الاتصالات والمناقشات، ارتفعت أصوات الطلاب والأساتذة والآباء، وتسربت معلومات ما كانت توجد وسائل لتسريبها في الماضي.

الآن، تفحص التعيينات الجامعية على نحو متزايد من قبل أعضاء هيئة التدريس والإداريين والخريجين ووسائل الإعلام. وبسبب مزيج من الموارد المحدودة، وتعيين رؤساء جامعات من خارج الأوساط الأكاديمية، زادت التوترات بين مجالس إدارة الجامعات ورؤساء الجامعات. ولأن أغلبية أعضاء مجالس الإدارة من رجال الأعمال ورؤساء البنوك (لأن الجامعات تريد تبرعاتهم لها)، توجد دائما أسباب سياسية، وأحيانا شخصية.

وبسبب زيادة قوانين كشف المعلومات الحكومية للمواطنين، وزيادة كشف الأسرار في الإنترنت، لم تعد عقود تعيين رؤساء الجامعات كلها سرية، ولم تعد محاضر جلسات مجالس الإدارة سرية. وانكشفت مشاكل رسمية وشخصية، ليس فقط بين الرؤساء ومجالس الإدارة، ولكن أيضا داخل مجالس الإدارة.

يتكون هذا الكتاب من إسهامات من رؤساء جامعات سابقين. وأصدره ستيفن تراكتينبيرغ، رئيس سابق لجامعة جورج واشنطن (في واشنطن العاصمة)، واشترك معه آخرون. ووضع الاسم الفرعي للكتاب، وهو: «لماذا يفشل قادة الجامعات؟ وكيف يمكن منع ذلك؟»، وكتب في الكتاب أن الذين في قمة المؤسسات الأكاديمية يتحملون مسؤولية معالجة المشاكل قبل تخرج عن نطاق سيطرتهم.

وفي الكتاب تفاصيل مشاكل في جامعات كبيرة، مثل ما حدث في السنة الماضية في جامعة فرجينيا. حيث بدأت ضجة هائلة عندما قادت رئيسة مجلس الإدارة حملة ضد رئيسة الجامعة. وتطورت الحملة، وأدت إلى فصل الرئيسة. وتظاهر الطلاب، وقدم الأساتذة مذكرات احتجاجا. وأعيدت الرئيسة بعد أن كشفت وثائق سربت من داخل اجتماعات مجلس الإدارة وجود كراهية (وحسد) من جانب رئيسة مجلس الإدارة نحو الرئيسة.

وفي كلية سانت ماري (بولاية ماريلاند)، التي تسمى «ليتيل جيم Little Gem» (الجوهرة الصغيرة) لأنها صغيرة الحجم، لكنها ناجحة جدا، أجبر رئيسها على الاستقالة لتدني نسبة القبول. ولم يكن ذلك مفهوما لكلية تتمتع بكل هذه السمعة الطيبة.

وفي وقت سابق، اضطر عدد من رؤساء الجامعات إلى الاستقالة، بينهم رؤساء جامعة ولاية بنسلفانيا، وجامعة ولاية ويست فرجينيا، وجامعة ماري واشنطن في ولاية فرجينيا. وأخيرا، شكلت رابطة مجالس إدارة الجامعات والكليات الأميركية لجنة لمراجعة ما حدث، ولتقديم التوصيات. وقال رئيس الجمعية: «نحتاج إلى نظرة عميقة في كيفية إدارة الجامعات والكليات».

وهناك خطة أعلنها أخيرا الرئيس الأميركي باراك أوباما لدراسة الجامعات والكليات بهدف خفض الرسوم الدراسية. ويمكن أن تشمل الدراسة المشاكل الأخرى.

يتكون الكتاب من عشرة فصول. ويعالج الفصل الأول ما يسميه «انحراف القطار»، إشارة إلى أن فشل رئيس جامعة لا يقل عن انحراف قطار عن الخط الحديدي. عندما ينحرف القطار، تنحرف بعده العربات، وتحدث الكوارث، حتى إذا نجا سائق القطار. (يشير هذا إلى مشكلة أخرى، وهي أنه - أحيانا - يفصل مجلس الإدارة رئيس الجامعة، لكن يعطيه مكافأة بملايين الدولارات).

ونشرت صحيفة «واشنطن تايمز» تصريحات من رؤساء جامعات سابقين وحاليين تعليقا على الكتاب. وقال أحدهم، في خليط من مزح وجدية: «ليكن الكتاب أول مرجع في كليات التربية في الجامعات». وأثنوا كلهم على المعلومات الكثيرة جدا في الكتاب. وقالوا إن الكتاب مفيد للرؤساء ومجالس الإدارة والخريجين والأساتذة والطلاب والآباء، وأيضا «ليختبر رئيس كل جامعة وضعه قبل أن يقع الفأس على الرأس».

واحد من فصول الكتاب هو عن «تجارب مباشرة لرئيس خرج عن مساره: الدروس المستفادة من الخروج عن القضبان الحديدية»، ويتنازل كل الفصل ويليام فراولي، رئيس جامعة ماري واشنطن (ولاية فرجينيا)، الذي اعتقلته الشرطة مرتين بتهمة قيادة سيارة وهو ثمل. وكشف عن أنه يعاني مشاكل طبية وعاطفية، وكان لا بد أن يستقيل، فاستقال. لكن على حساب سمعته، وسمعة الجامعة، وهي مثل جامعة سانت ماري (في ولاية ماريلاند) «ليتيل جيم» (جوهرة صغيرة) في ولاية فرجينيا؛ صغيرة لكنها ناجحة.

ورغم أن الكتاب أكاديمي، وعن موضوع أكاديمي، وكتبه أكاديميون عمالقة.. فإنهم لحسن الحظ كتبوه بأسلوب مبسط. وقالوا إنهم يأملون أن تستفيد من الكتاب، ليست فقط جامعات أميركية، ولكن جامعات خارج أميركا. وقالوا إن هذه الأخيرة تواجه مشاكل أكثر، بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة التي تعيش فيها.

وفي نهاية الكتاب، كتبوا النصائح الثلاث الآتية: «يجب على القادة الحقيقيين أن يعرفوا أنفسهم أولا. ثم، يجب أن يكونوا بارعين في فهم العالم الذي حولهم. ثم يجب أن يقرأوا - مسبقا - السيناريو لأي مسرحية سيكونون ممثلين فيها».

وكما كتب جون غيريني، الصحافي في صحيفة «واشنطن تايمز»: «لا يحتاج تنفيذ النصائح الثلاث السابقة إلى علماء فضاء، ولا إلى رؤساء جامعات.. أي شخص عادي يفهمها».