مشروع أكاديمي لبناني لإعداد جيل طلابي قادر على ريادة المشاريع

معتمدا استراتيجيات أممية في التنمية المستدامة لإدماجه بالمناهج التربوية

رئيسة المركز التربوي اللبناني للبحوث والإنماء د. ليلى فياض أثناء شرحها المشروع («الشرق الأوسط»)
TT

يجمع التربويون في لبنان منذ سنوات على أهمية موضوع الريادة وأهمية تربية النشء عليه، وهو أمر ساهم بقوة في الانطلاق بمشروع تجريبي طموح لدمج مفهوم «ريادة الأعمال» في المناهج التربوية اللبنانية؛ سواء ما قبل الجامعي أو التعليم المهني والتقني، من خلال إدخاله ضمن مواد تعليمية كمادة الاقتصاد والتكنولوجيا، ليلقى ترحيبا مبكرا.

وأعلنت الدكتورة ليلى مليحة فياض، رئيسة المركز التربوي اللبناني للبحوث والإنماء، في 30 يناير (كانون الثاني) الماضي خلال لقاء تعريفي، عن أن المركز يسعى بالشراكة مع جمعية التنمية للإنسان والبيئة (DPNA) على العمل في المشروع. وأضافت فياض أن «هذا المشروع تجريبي لمدة سنة دراسية واحدة، حيث سيجرى تدريب مدرسين ومتابعتهم خلالها، ومن ثم تقييم التجربة وتصويبها - إذا لزم الأمر - وبالتالي أخذ القرار باعتماد هذا النموذج التجريبي أو رفضه».

وفي تقرير صادر عن المركز أخيرا، حول النظرة الشاملة لكيفية إدماج المفهوم في مناهج التعليم، هناك تأكيد أن «للريادة دورا في صقل وعي الطلاب وتنمية حسهم الاجتماعي والاقتصادي، وهي تسهم في إعداد جيل جديد من الطلاب قادر على ريادة المشاريع الجديدة وتأسيسها».

ولعل ما يضفي بريقا أكثر على المشروع أن وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية بمديرياتها ليست وحيدة، بل يشترك معها فيه كل من «المؤسسة الأوروبية للتدريب»، ومنظمتا «العمل الدولية» و«اليونيسكو»، و«المجلس الثقافي البريطاني»، وعدد من الجمعيات الأهلية. حيث يتنوع العمل مع الشركاء بحسب تخصصهم، والتقديمات، ومراحل التنفيذ، علما بأن المهمة ربما تبدو صعبة في ظل مشاركة الطلاب أهلهم مشكلات الحياة اليومية والصعوبات المعيشية التي يواجهونها.

وما يدفع بهذه الجمعيات، ومنها جمعية التنمية والبيئة، إلى السير بالمشروع هو أنه يصب في خانة الاقتصاد الوطني ومنع هجرة الشباب من خلال تعزيز الريادة في أوساط التلامذة. ما يمكّن الطلاب من فهم الواقع الاقتصادي وكيف ينشئون ويديرون مشاريع خاصة وصغيرة ومتوسطة قبل دخولهم إلى الجامعات، وهو ما يترافق عادة مع دخولهم سوق العمل.

ويؤكد رامي شما، مدير المشروع في الجمعية، أن «الأهم اليوم هو أن تعزز هذه الثقافة تنمية اقتصاد الريف، لأن الأكثرية الساحقة للأعمال تصب في العاصمة بيروت وتصل نسبتها إلى 91 في المائة، بينما تتوزع الأعمال بنسبة قليلة جدا في كل من البقاع (3 في المائة)، والشمال (3 في المائة) والجنوب (3 في المائة)».

والاستراتيجيتان الأبرز اللتان وضعهما المركز تتلخصان في المشروع الثنائي الكامل؛ «التعليم للريادة وريادة المجتمع». حيث ترى فياض أنه «إذا كان المطلوب من المدرسة أن تهتم بموضوع التعليم للريادة، فالمطلوب من المجتمع والمهتمين بالموضوع تشجيعه وتكثيف العمل في محيطهم لدعمه للوصول إلى تحقيق مستقبل أفضل لأبنائنا».

ويحرص المركز على أن يكون إدخال مفهوم الريادة في المراحل التعليمية المتعدّدة متدرّجا، عبر مقاربة الموضوع من خلال أنشطة حول المبادئ العامة والأساسية في المرحلة المتوسطة، والتركيز على المهارات الحياتية في المرحلة الثانوية، وصولا إلى تعمّق أكبر في المفهوم ضمن المرحلة الجامعية.

وتشير الدراسات المرتبطة بالمشروع إلى أنه جرى إنجاز الكثير من الخطوات، منها إنشاء لجنتين له، عليا وتنفيذية، وإقامة عدد من ورش عمل للتعريف بالمشروع شملت الكثير من المناطق اللبنانية، إلى جانب اختيار مدارس من التعليم العام ومن التعليم المهني لإجراء المرحلة التجريبية، وتحضير المناهج وتنفيذ دورة تدريبية لـ20 أستاذا مختارا من التعليم العام، يقابلهم 20 آخرون من التعليم المهني والتقني.

ومن المؤشرات المشجعة التي يكشف عنها أسامة غنيم، رئيس قسم التعليم المهني والتقني في المركز، أنه «حتى اليوم، وافق ما يزيد عن 30 مؤسسة خبيرة في المجتمع الريادي على التعاون في سبيل إنشاء نوع من التكتل قبل نهاية العام الحالي، على أن تكون مهمة هذا التكتل الأساسية توزيع الاهتمامات بشكل متوازن في كل المناطق اللبنانية، وعلى جميع الفئات العمرية وفقا للمستوى الفكري».

ورغم أن المشروع لا يزال في بداياته، فإن المركز حريص على أن يشمل التعاون أيضا قطاع التربية، والقطاعين الأهلي والخاص، فضلا عن التنسيق مع القطاع الإعلامي، كل ذلك بهدف رفع مستوى الوعي لدى المجتمع حيال المشروع، خصوصا بعد الترحيب به من قبل الكثير من المؤسسات المجتمعية والمصارف والشخصيات الاقتصادية اللبنانية.

وانطلاقا من إيمان الدكتورة فياض بشعار المركز «بالتربية نبني معا» وتعزيز الشراكة مع المجتمع المدني، فإن التأثير المباشر لدمج الريادة ضمن المناهج التعليمية يتجلّى في قدرة الطلاب على تحويل الأفكار إلى أفعال ودفعهم إلى خوض الأخطار المحسوبة، وكذلك تحفيز الإبداع والابتكار، إضافة إلى القدرة على التخطيط وإدارة المشاريع.

وتنسجم هذه الأهداف مع ما تضمنه عقد الأمم المتحدة من أجل التنمية المستدامة (خلال السنوات العشر بين عام 2005 وعام 2014) من «تعزيز وتحسين إدخال التربية من أجل التنمية المستدامة في كافة مستويات التعليم وقطاعاته في كافة مناطق العالم، عبر اعتماد استراتيجيات التعليم والتعلم التي تساعد الطلبة على تحقيق مجموعة واسعة من المهارات والمعرفة والأهداف القيمة للتعليم من أجل مستقبل مستدام».

ومن أبرز هذه الاستراتيجيات الأممية المعتمدة في تنفيذ المشروع: التعلم بالتجربة، وسرد القصص، والتربية القيمية، والتعلم بالاستقصاء، والتقييم المناسب، وحل المشكلات المستقبلية، والتعلم اللاصفي، وحل المشكلات المجتمعية.

ورغم صغر حجم لبنان، فإن مقاربة المركز لـ«المجتمع الريادي» تختلف من حيث الشكل والمحتوى عما هي عليه في الكثير من البلدان الأوروبية، لدرجة أن بعض البلدان العربية بدأت تستعين بخبراته في هذا المجال.

ومن جهته، يشدد غنيم على أن هذا المشروع هو «صناعة لبنانية»، كاشفا عن المباشرة بالتحضير لـ«اليوم الوطني للتعليم للريادة» في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، حيث من المتوقع العمل على إصدار تشريع خاص من قبل المعنيين، على أن يسبق ذلك إنشاء موقع خاص للمشروع على شبكة الإنترنت.