كتاب أميركي يستعرض أسس الفكر التعليمي الإسلامي

البروفسور كوك استفاد من تربيته في السعودية وسنواته في المنطقة العربية

TT

يشترك البروفسور برادلي كوك، رئيس سابق لكلية أبوظبي للبنات، والآن نائب رئيس جامعة ولاية يوتا، في مناقشات أميركية عن العلاقات بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة. ويستفيد كوك من السنوات التي قضاها في الدول العربية، حيث تربى في السعودية، كون والديه كانا معلمين، ودرس في الجامعة الأميركية في القاهرة، بالإضافة إلى سنواته في أبوظبي، وزياراته لكثير من جامعات المنطقة محاضرا ومستشارا في الشؤون التعليمية.

سلطت هذه المناقشات الأضواء على الكتب والتقارير التعليمية للبروفسور كوك. وأخيرا، أصدر كتابين هما «مصر والإسلام والجامعة» و«أسس الفكر التعليمي الإسلامي».

في الكتاب الأخير، ساعده الدكتور فتحي ملكاوي، وهو أستاذ جامعي أميركي أردني حاصل على دكتوراه في التعليم العلمي من جامعة ميتشيغان ستيت عام 1984.

ويركز الكتاب على إطلاع الأميركيين، وخاصة المعلمين والمعلمات، على دور التعليم في الثقافة الإسلامية. ويبدأ بالقول: «دائما، ظل التعليم مسعى من مساعي الإسلام. وطلب النبي محمد من أتباعه أن يبحثوا عن العلم ولو في الصين. وتأسست فلسفات التعليم الإسلامي عبر القرون، خاصة بواسطة المتعلمين المتجولين الذين كانوا يتبادلون المقررات الدراسية بالمأوى والأكل.. وتأسست مراكز تعليمية عليا في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وبغداد، ودمشق، والقاهرة. وفي وقت لاحق، مع زيادة الفتوحات الإسلامية، في أماكن بعيدة مثل القيروان وإشبيلية غربا، وأصفهان وشيراز شرقا».

ويقدم الكتاب نماذج لفلسفات التعليم الإسلامية، مثل مؤلفات الغزالي، وابن خلدون، وابن سحنون. ويشمل المؤلفات التي ربما خرجت عن الطريق الوسطي. وركز الكتاب على طرق تعليم وانتشار الفلسفات، كنوع من أنواع انتشار المعرفة الإسلامية.

ويؤكد الكاتب في كتابه أن «المعرفة تحتل مكانة هامة في الإسلام. ويوجد في القرآن الكريم أكثر من ثمانمائة إشارة لكلمة (علم)، مثل: (وقل رب زدني علما)»، موضحا أن قوة الدفع التعليمي الإسلامي استطاعت أن تصل وتؤثر وتتفوق على فلاسفة التعليم الغربيين خلال عصور النهضة الإسلامية. وشمل هذا الدفع مواضيع مثل: المقررات، والنظام، والأخلاق، والعلاقة بين الأستاذ والطالب، والمؤسسات التعليمية، وعلم النفس الطفولي.

ويركز الكتاب، الذي يخاطب الغربيين، على أن التعليم الإسلامي لا يهمل حاجيات العالم المعاصر الذي تطور كثيرا في مجالات العلم والتكنولوجيا، غير أن الكتاب يتحدث عن تناقضات موجودة في الدول العربية والإسلامية بين التعليم الإسلامي والتعليم الغربي. ويقول إن هذا التناقض يمكن أن يتحاشى في الدول الغربية، وذلك بسبب التقدم التعليمي العلمي والتكنولوجي في الغرب، وبسبب التراث التعليمي الغربي الغني، وبسبب الانفتاح الفكري (الذي ينعكس على الانفتاح التعليمي).

لكن الكتاب يشير إلى أن المعلمين في الدول العربية والإسلامية، بسبب تأثيرات الحضارة الغربية وبخاصة أساليبها التعليمية، يجدون أنفسهم في أوضاع معقدة، إن لم تكن مستحيلة؛ فهم في جانب يريدون بالطبع الالتزام بالمقررات الإسلامية والعربية، وفي الجانب الآخر يريدون الاستفادة من آخر تطورات الفلسفات التعليمية والأساليب التكنولوجية في الغرب.

وقال الكتاب إن هذه التناقضات ليست جديدة، وإنها بدأت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مع زيادة التوسعات الغربية في المناطق الإسلامية والعربية. وبينما حاولت الدول الغربية الاستعمارية ألا تؤذي أو تسيء إلى النظريات التعليمية الإسلامية، لم تتردد في اعتبار نظرياتها وممارساتها التعليمية هي الأفضل. أضف إلى هذا أن النظريات التعليمية الغربية لم تنقل بمفردها إلى الدول العربية والإسلامية، ولكنها نقلت بصفتها جزءا من نظريات الحكم، ونظريات الاقتصاد، ونظريات الإدارة.

وانتقد الكتاب نظريات العلمانية التي جاءت مع هذه التغييرات، وقال إنها أثرت على متانة وقوة النظريات والممارسات التقليدية، بما في ذلك التعليمية. وأشار إلى هز قواعد العائلة التقليدية، وخاصة علاقة الآباء والأبناء، وأيضا علاقة المدرسين والتلاميذ. ويشير الكتاب إلى أن السياسات التعليمية الاستعمارية خلقت طبقة من المعلمين الإسلاميين والعرب المتأثرين بالأساليب التعليمية الغربية، وبينما تعمدت الدول الاستعمارية خلق هذه الطبقة، لتكون حلقة وصل بينها وبين عامة الشعب، استغلت هذه الطبقة لنشر ثقافتها، وخاصة أساليب التعليم فيها؛ ولهذا تنعكس في الوقت الحاضر التناقضات على المعلم الذي يريد اللحاق بموكب التطور التعليمي في الغرب، وفي الوقت ذاته يرفض التنازل عن الهوية العربية والإسلامية.