معلمو بريطانيا يقررون الإضراب عن العمل في يونيو المقبل

الوزارة تؤكد أن المسلك ربما يدمر سمعة التعليم.. والمدرسون يبحثون عن حقوقهم

جانب من مظاهرة لآلاف المعلمين البريطانيين في وسط لندن نهاية شهر مارس الماضي (موقع ديموتيكس)
TT

في قرار لم يكن مفاجئا بقدر ما هو صادم، قرر الاتحاد الوطني البريطاني للمعلمين مطلع الأسبوع الحالي تنفيذ إضراب عن العمل في المدارس بحلول يوم الاثنين 23 يونيو (حزيران) المقبل، وهو القرار الذي ربما يؤدي إلى إغلاق المدارس في إنجلترا وويلز لفترة غير معلومة، وربما يتسبب في عرقلة الفصل الدراسي الأخير من العام.

وخلال اجتماع عقده الاتحاد في مدينة برايتون الساحلية، صوت الأعضاء على قرار الإضراب، وذلك في إطار احتجاجاتهم وحملتهم المستمرة على زيادة أعباء العمل التي يتحملها المعلمون بالتزامن مع قلة الدخل. كما قرر الاتحاد المضي قدما في استشارة المعلمين حول طرق أخرى يرونها للتصعيد، ربما يجري تفعيلها خلال الفصل الأول من العام الدراسي المقبل.

ورغم تعليق وزارة التعليم البريطانية بالقول إن «الإضراب سيدمر سمعة مهنة التعليم»، والذي نقلته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عقب الإعلان عن تفعيل القرار، فإن كثيرا من المعلمين أنفسهم يدعمون حملة الاحتجاج بشكل موسع، وشارك بعضهم خلال الاجتماع، الذي ربما يسفر عن إلغاء فصل دراسي كامل، بالهتاف «غوف يجب أن يرحل» (في إشارة إلى وزير التعليم البريطاني مايكل غوف). ويتزامن ذلك مع تهديد آخر للنقابة الكبرى الأخرى في المجال التعليمي، وهي «الرابطة الوطنية لاتحاد مديري المدارس من المعلمات» (NASUWT)، والتي تدرس بدورها اتخاذ إجراءات حاسمة في هذا الصدد بينما تستعد لإجراء الانتخابات العامة لها العام المقبل. وخلال اجتماع برايتون، أكد أعضاء النقابة أنهم بصدد التخطيط لـ«إضراب وطني» خلال الفصل الدراسي الأخير هذا العام، في حال فشلت المفاوضات الجارية مع الحكومة في تحقيق «تقدم كبير» في مجال التوافق على تحسين الأجور بما يمكنه «تعويض التخفيضات في الأجور التي عانى منها قطاع المعلمين منذ عام 2010». وتشير تلك المطالب الحاسمة إلى أنه من المتوقع «تصعيد» الصدام بين الحكومة والمعلمين، الذين لن يرضيهم مجرد «زيادة بسيطة في الراتب»، بل ويتشاورون مع أعضاء النقابات حول خطط التصعيد خلال العام المقبل بأكمله إذا فشلت المفاوضات.

ومن بين خطط التصعيد، دعا المؤتمر إلى دعم واسع لـ«مظاهرة وطنية»، والسعي لتشكيل «جبهة برلمانية ضاغطة»، وكذلك حملة موسعة تتحدى سياسة التعليم الحكومي. لكنه رفض مقترحا صداميا أكثر تشددا، بتنفيذ إضراب «شامل» لمدة أربعة أيام مطلع الفصل الدراسي. وعلقت آن ليمون، إحدى العضوات التنفيذيات للنقابة، بقولها «هذه هي المرحلة التالية في معركتنا ضد هذه الحكومة. يجب أن تصل رسالتنا قوية وبصوت مرتفع وواضح»؛ لكنها أردفت أنه «إذا وصلنا لاختيار بين التراجع أو تصعيد الإضراب، فقد صوت الأعضاء على التصعيد».

وبدوره أكد جيري غليزير، وهو عضو تنفيذي آخر للاتحاد، أن المدرسين في حاجة لوضع «أقصى الضغوط الممكنة» على الحكومة الائتلافية البريطانية من أجل إحداث «تغيير جذري لسياساتها المدمرة تجاه التعليم». ومن المعروف أن هناك امتحانات مهمة لشهادة «GCSE»، و«A-level»، من المقرر إجراؤها خلال الأيام الثلاثة الأولى التي يعتزم فيها المعلمون تنفيذ إضرابهم في نهاية يونيو المقبل.

لكن الأمينة العامة للاتحاد، كريستين بلوور، أكدت أن الإضراب «لن يعطل الامتحانات»، مشددة على أن أي معلم مضطر للإشراف على امتحان سيعفى من المشاركة في الإضراب. وقالت السيدة بلوور إن وزير التعليم، مايكل غوف، ينبغي أن يشرك الاتحاد في ما يخص «سياسات التعليم، وبخاصة ما يتعلق بحجم العمل والمساءلة، وأجر المعلم بما في ذلك الأجور المرتبطة بالأداء (الحوافز)، وأجور التقاعد غير العادلة». وتابعت في حزم «إذا حدث الإضراب.. سيكون خطأ مايكل غوف». وتشير الدراسات إلى أن الروح المعنوية للمعلمين في انحسار بصورة تشكل خطرا على المهنة، وأن ضغوطا من قبيل الأجر المنخفض ومعاشات التقاعد القليلة وساعات العمل التي تفوق نحو 60 ساعة أسبوعيا، تسهم في خروج الكثيرين خارج إطار سوق العمل. ووفقا لهيئة الرقابة المستقلة على التعليم في بريطانيا «Ofsted»، فإن اثنين من بين كل خمسة معلمين في بريطانيا تخلوا عن الاستمرار في المهنة في خلال خمس سنوات من بدء العمل فيها. لكن الجانب الحكومي ربما لا يرى المشكلة بذات الصورة، وأكدت متحدثة باسم وزارة التعليم لهيئة الإذاعة البريطانية أنه لا حاجة إلى الإضراب، منوها بأن هناك قدرا كبيرا من المرونة يمارس مع المعلمين ومديري المدارس. وقالت المتحدثة إن «وزراء اجتمعوا مع ممثلي الاتحاد الوطني للمعلمين، ونقابات أخرى، كثيرا في القترة الأخيرة.. وسوف نواصل تلك اللقاءات» في مسعى مستمر لحل المشكلات.

وأضافت المتحدثة أن «مزيدا من الإضراب سيؤدي فقط إلى مزيد من الصعوبات والتعطيل لحياة أولياء الأمور، وتعطيل تعليم الأطفال، والإضرار بسمعة المهنة. نحن نعلم أن الغالبية العظمى من المعلمين وقادة المدارس لدينا هم من المهنيين، ويعملون بجد وتفان.. وهذا هو السبب في أننا نعطي المعلمين المزيد من الحريات بأكثر من أي وقت مضى.. ونقوم بتقليص الأوراق والإجراءات البيروقراطية غير الضرورية». وترى المتحدثة أنه «في الواقع، لم يكن التدريس أبدا بأكثر جاذبية مما هو عليه الآن، ولا أكثر شعبية أو أكثر جدوى»، مؤكدة أن «عددا قياسيا من الخريجين يقدمون الآن أوراق التحاقهم ليصبحوا معلمين، ولم يكن هناك على الإطلاق مثل هذه الأعداد من المعلمين في إنجلترا.. لقد ازدادوا تسعة آلاف في العام الماضي فقط».