درس في التغذية.. من المزرعة إلى الكافتيريا

الطلاب يقومون بتربية الماشية وزراعة المحاصيل لدعم الإبداع

مدير مدرسة هاغرزتاون ويليام رويرينغ أمام إحدى المواشي في المدرسة (نيويورك تايمز)
TT

خلف كومة من القش، بعد موقع أول منافسة لتحكيم التربة في ولاية إنديانا الأميركية، سار طلاب المرحلة الثانوية في هذه البلدة، الصغيرة الواقعة في الشرق، إلى أسفل منحدر عشبي للوصول إلى أحدث مكان يقام به صف دراسي: حقل محاط بسور ترعى وسطه مجموعة من الأبقار.

بداية من العام الأكاديمي المقبل، سوف يقوم الطلاب الذين التحقوا بفصل العلوم الزراعية بإطعام الماشية التي وصلت في الشهر الماضي وتحمل أسماء، مثل: «غرواند راوند» و«هاني بير». وعندما تصبح الأبقار سمينة بما يكفي، سوف يجري إعادتها إلى رعاتها - في صورة شطائر لحم على مائدة الغداء.

تشبه بلدة هاغرزتاون، التي يبلغ عدد سكانها 1769 نسمة، الكثير من المجتمعات الريفية التي تتكبد تكلفة انخفاض عدد السكان ومخاوف من اختفاء الصلة مع الزراعة المحلية. لذلك، بدأت مدارس البلدات الصغيرة في جميع أنحاء البلاد تنظيم فصول للتدريب العملي على الزراعة التي تورد غذاء أقل سعرا وأكثر فائدة لمطاعمها. في مدرسة ثانوية بمونتيغو في ولاية ميشيغان، يقوم الطلاب بتربية الدجاج الموجود بقائمة الطعام المقدم في الكافتيريا. وتقدم كافتيريا بمدرسة أخرى في ويليتس بكاليفورنيا لحم خنزير تجري تربيته في المدرسة. ويعمل الطلاب في مقاطعات أخرى بمنطقة وسط غرب الولايات المتحدة في زراعة محاصيل أو حدائق من أجل الحصول على الدرجات الدراسية قبل أن يتناولوا ثمار عملهم عندما يدق جرس الغداء.

تقول ستيفوني سبستيان، اختصاصية التعليم في جمعية وطنية للتربية الزراعية تعرف باسم «مزارعو المستقبل الأميركيون» التي تدعم مثل تلك المشروعات: «يستمر تخفيض الميزانيات، ونحن مستمرون في البحث عن طرق مبدعة». وتضيف: «توشك البرامج الخاصة بالزراعة على التوقف، والآن نحن نعدها وسيلة لإتمام العمل في المدارس».

تزداد الصعوبات بالبلدات الريفية الصغيرة في فترة ما بعد الركود كما تنتشر صفوف الذرة، حيث بدأت المهن المتعلقة بالزراعة وصناعاتها بالاختفاء. وبدأ السكان يبتعدون عنها بوتيرة ثابتة ومنهكة. في حين يعود عدد قليل فقط للعمل بها.

خسرت مدارس بلدة هاغرزتاون، التي تبعد عن شرق إنديانا بوليس بمسافة 60 ميلا، ما يكفي من الطلاب منذ عام 2010، مما أسفر عن انخفاض كبير في التمويل الذي تقدمه الولاية لكل طالب. وجرى تسريح المعلمين، وألغي برنامج الإعداد لدراسة الهندسة. كما جرى إفراغ حمام السباحة بالمدرسة الثانوية في الربيع والصيف لتوفير نفقات التدفئة والمواد الكيماوية، بدلا من غلقه على الدوام.

يقول مسؤولو المدرسة، إنه من المتوقع أن يوفر برنامج تربية الماشية في هاغرزتاون – الذي يعرف باسم غير رسمي هو «أين اللحم البقري؟» - 2000 دولار على الأقل من تكاليف الكافتيريا ويوسع من أنشطة التدريب المهني.

يقول مارك تشايلدز، المدير في مدرسة هاغرزتاون الثانوية التي سوف تبيع ما يفيض عن حاجتها من اللحم البقري: «سوف نحصل على لحم يفوق قدرتنا على الاستهلاك. وسنعمل على توريد اللحم الذي نستخدمه».

ووفقا لتقرير صادر عن وزارة الزراعة الأميركية الشهر الحالي، توجد زيادة بسيطة فيما بين عامي 2007 و2012 في أعداد المزارعين الجدد تحت عمر 35 سنة، ولكن في الإجمالي انخفض عدد المزارعين بنسبة 20 في المائة تقريبا. كما انخفض إجمالي عدد المزارع بما يزيد على 10.000 مزرعة، في حين توسع منتجو الأغذية وارتفعت أسعار الأراضي، مما يلقي مزيدا من الضغط على مزرعة الأسرة الصغيرة. لعل هاغرزتاون تقدم نموذج جيدا لمكان يقاوم الاتجاه السائد. وصل إليها مزارعو الألبان الأميش من بنسلفانيا في السنوات الأخيرة، وكثيرون غيرهم في الطريق إليها. ومن جانبهم، يرعى المعلمون في المدرسة الثانوية، التي تقدم دروسا في الزراعة منذ عام 1934، المحاصيل والحيوانات إلى جانب عملهم للحصول على دخل إضافي. ويرتدي بعض الطلاب سترات عليها شعار «مزارعو المستقبل الأميركيون» كأنهم يرتدون زيا مدرسيا؛ ويتحدثون بفخر عن فريق تحكيم التربة المحلي الذي أوشك على التأهل إلى المسابقة الوطنية في العام الماضي.

ولكن حتى هنا، يفقد السكان صلتهم بالأرض. وفقا لبيانات فيدرالية، فقدت مقاطعة واين، التي تضم هاغرزتاون، 89 مزرعة فيما بين عامي 2007 و2012، وهي تمثل نحو عشر نشاطها.

تقول ماسي فيلتون، الطالبة في السنة النهائية بالمرحلة الثانوية: «معظم الطلاب يأتون من البلدة. يمكنهم التعرف على البقرة، ولكنهم لا يعرفون كيفية التعامل معها».

في منطقة تعليمية بها نحو 1000 طالب، كان خروج 66 طالبا من هاغرزتاون منذ عام 2010 ضربة لميزانية المنطقة. قرر المشرف ويليام دورينغ أن يحد من الفجوة في الإنفاق منذ سنتين، داعيا إلى تخفيض النفقات بمبلغ 350.000 دولار – فخسر خمسة معلمين وظائفهم – وطالب العاملين بالوصول إلى أفكار لتوفير المال.

كان ناثان ويليامسون، مدرس ميكانيكا الزراعة، الذي عرض فكرة تقديم فصل الماشية أمام مجلس المدرسة في العام الماضي. وفي حين يتعلم الطلاب أشياء مثل أساليب الزراعة والطب البيطري، يوفر التدريب ما يكفي من اللحم لتسديد نفقاته، ثم أخبر السيد ويليامسون المجلس بأن ذلك سيحل محل 5000 رطل من شطائر البرغر التي كانت إدارة المنطقة التعليمية تشتريه بمبلغ 3.30 دولار للرطل.

وقال ويليامسون في لقاء أجري معه أخيرا: «في الوقت الحالي، ترتفع أسعار اللحم البقري. ونحن نوفر المال في كل يوم نرعى فيه هذه الماشية هنا في الخارج».

وفي موقع الفصل الدراسي، أقام الطلاب سورا حول عشرة أفدنة من أرض المدرسة. وما زالت الإدارة تبحث تعيين مدرس جديد لإدارة فصل الماشية، الذي سوف يكون متاحا لطلاب السنة الثانية والثالثة والرابعة. وإذا سار الأمر كما هو مخطط، فسوف يجري ذبح أول قطيع مكون من ستة أبقار أغنس وبقرة هيرفورد – الذين جرى شراؤهم بتبرعات من البنوك المحلية وأفراد في المجتمع – في فصل الخريف الحالي بمساعدة جزار تبرع بتخزينها مجمدة لصالح المدرسة. وسوف يجري بيع اللحم الزائد، وتخصص الإيرادات لشراء مزيد من الماشية.

يقول غاريت بليفينز، طالب في السنة الثالثة متحمس للالتحاق بالصف، إن الطلاب المرتبطين بتوريد غذائهم على الأرجح أن يختاروا أعمالا تتعلق بالزراعة. لم يكن غاريت، الذي تعمل والدته ممرضة ووالده نجارا، يملك أي خلفية عن الزراعة عندما انضم إلى فريق «مزارعو المستقبل الأميركيون» في العام الدراسي الماضي. يقول غاريت: «الآن أصبحت حياتي»، وهو يأمل دراسة علم الحيوان في جامعة بوردو.

وأضاف قائلا: «هناك أطفال لن يخوضوا تجربة الزراعة حتى ينضموا إلى تلك البرامج. وبمجرد أن يفعلوا سوف يفتح أمامهم الباب إلى عالم كامل جديد».

ولكن حتى مؤيدي المشروع يعترفون بأن الخطة قد تأتي بنتائج عكسية. ماذا لو انطلقت الأبقار بعيدا أو نفقت؟ ماذا إذا انخفض سعر اللحم البقري؟ ماذا لو ارتبط الطلاب بعملهم ولم يعودوا يستطيعون رؤية حيوانهم المفضل بين شطيرتي البرغر؟

استهجن الطلاب في هاغرزتاون الأمر عندما سئلوا ما إذا كان البرنامج قد يجعلهم نباتيين. أما السيد ويليامسون، الذي يزرع 400 فدان من المحاصيل في منزله عندما لا يعمل في التدريس، فأجاب عن تلك المخاوف قائلا إنه لا توجد خطة دراسية تتعلق بالزراعة لا تحمل مخاطرة.

* «نيويورك تايمز»