إيران تخفف القيود على العلاقات الأكاديمية مع الغرب

روحاني يعتمد «الدبلوماسية العلمية» وينأى عن منهج «التطهير»

مظاهرة طلابية في طهران عام 2008 ضد سياسات الرئيس حينذاك محمود أحمدي نجاد للمطالبة بمزيد من الحرية (وكالة الصحافة الفرنسية)
TT

عقب نحو عشر سنوات من فرض قيود قاسية على التعليم العالي والتبادل الطلابي خارجيا، تشهد إيران ما يشبه الربيع الأكاديمي. وقام حسن روحاني، رجل الدين المعتدل نسبيا والذي انتخب رئيسا للبلاد العام الماضي، برفع بعض القيود المفروضة على جامعات إيران وشجع إقامة مزيد من التعاون مع الأساتذة الأجانب. وفي نفس الوقت، إشارة على تحسن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، خفف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من أجل السماح للكليات بإقامة شراكات مع نظرائهم الإيرانيين.

كان العلماء الأميركيون يتمكنون من زيارة إيران على مر السنوات لأغراض أكاديمية محدودة، ولكن في ظل التغيرات الأخيرة هناك آمال بتوطيد التبادلات الدولية وزيادة الحرية الأكاديمية في إيران.

وقال كيفان هاريس، المدير المساعد بمركز مظفر رحماني لدراسات إيران والخليج العربي في جامعة برنستون: «أنا جزء من هذا الانفتاح». يذكر أن السيد هاريس لعب دورا في تنسيق الزيارة رفيعة المستوى لإيمانويل والرشتاين، عالم الاجتماع الأميركي، لإيران في مارس (آذار).

حاضر والرشتاين أمام حشد من الجماهير بجامعة طهران وتحدث بمركز إيران للبحوث الاستراتيجية، الذي ساهم السيد روحاني في تأسيسه. والسيد والرشتاين هو أحد كبار الباحثين بجامعة ييل. وكتب والرشتاين عن عدم المساواة الاقتصادية العالمية، وتطرق إلى موضوعات نادرا ما تجرى مناقشتها في الجامعات الإيرانية مثل حقوق المرأة.

وقال السيد والرشتاين في أحد الحوارات: «أؤكد لكم أنني لست بصدد تغيير السياسة الإيرانية الداخلية بمجرد مجيئي إلى هنا». ولكنه أضاف أنه يرى أن هناك سببا للتفاؤل. وأضاف بأن «المفكرين الذين قابلتهم حريصون جدا على إقامة تواصل طبيعي بين الكليات خارج إيران، ويشعرون بالإحباط الشديد لانعزالهم».

ورغم ظهور مثل تلك العلامات التي تدل على تجدد العلاقات الأكاديمية، يخشى بعض المراقبين الإيرانيين الإعلان عن بدء حقبة جديدة من الانفتاح، حيث يقول البعض إن السيد روحاني أمامه الكثير ليفعله من أجل إزالة القيود التي فرضها سلفه المحافظ، محمود أحمدي نجاد، على التعليم العالي.

ويؤكد تقرير صادر هذا الشهر عن منظمة العفو الدولية على كم ما ينبغي القيام به لإزالة الأحكام الأكثر تقييدا. وصرح بهارة ديفيس، الباحث في منظمة العفو الدولية في إيران ومؤلف التقرير الصادر تحت عنوان «تكميم الأفواه والطرد والسجن: قمع الطلاب والأكاديميين في إيران»، بأنه «جرى بالقطع إدخال بعض التحسينات، بيد أن القضية أنه تلك التحسينات غير كافية ولم تعالج الأسباب الجذرية للانتهاكات».

ظلت الجامعات الإيرانية موضوعا يثير التوترات بين الفصائل المحافظة والإصلاحية منذ السنوات الأولى للجمهورية الإسلامية تحت ولاية آية الله الخميني. حيث نظر القائد الديني إلى الجامعات باعتبارها معقلا من معاقل الأفكار الغربية، التي تبقى بظلالها في أوقات حاسمة من تاريخ البلاد. وتمثل ذلك فيما حدث أثناء الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في عام 2009 تحولت الجامعات إلى ساحات لصراعات على مستوى المجتمع.

وخلال فترة رئاسة السيد أحمدي نجاد التي استمرت لثماني سنوات، ابتداء من عام 2005، جرى طرد الطلبة الذين أيدوا المعارضة السياسية تأييدا فعالا، وظلت الأقليات الدينية، مثل الطلبة البهائيين، مستبعدة من التعليم العالي بصورة كبيرة. وجرى اعتبار بعض المواد والبرامج الدراسية على أنها تتنافى مع الإسلام، مثل دراسات المرأة، التي جرى إلغاؤها، كما جرى تعديل محتوى العلوم الإنسانية الأخرى، وبرامج العلوم الاجتماعية لتعكس المبادئ الإسلامية.

وعلاوة على ذلك، أُنهي السماح باستقلالية الجامعات في اختيار قادتها، إذ لعبت الحكومة دورا أكثر صراحة في توظيف أعضاء هيئة التدريس، وجرى رفت كثير من الأساتذة أو إجبارهم على التقاعد المبكر ممن اعتبروا أن توجههم علماني أو غربي.

وقال علي كاديفار، الذي حصل على البكالوريوس ودرجة الماجستير في جامعة طهران وهو مرشح للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة كارولينا الشمالية بمدنية تشابل هيل، إن التعليم العالي أصبح هدفا لما أسماه «التطهير السياسي والفكري».

وقال السيد هاريس: «اليوم تأرجح البندول لصالح الإصلاحيين، وكثير من الإيرانيين يرغبون في رؤية السيد روحاني يفي بالوعود التي قطعها على نفسه خلال الحملة الانتخابية بشأن الانفتاح». وأضاف: «يرجع أغلب الفضل في ذلك للطلاب ولأعضاء هيئة التدريس في إيران، الذين روجوا لمشكلاتهم جيدا».

وفي بادرة على حدوث تغييرات ملموسة، شكلت الحكومة المنتخبة حديثا لجنة داخل وزارة العلوم، التي تشرف على الجامعات، لاستعراض شكاوى مقدمة من أكثر من 500 طالب وطالبة وأعضاء هيئة التدريس الذين جرى منعهم من دخول الجامعات أو رفتهم في عهد أحمدي نجاد.

وفي أغسطس (آب) من العام الماضي قالت الوزارة إن 126 طالبا ممن جرى حظرهم سمح لهم بالعودة إلى الحرم الجامعي مرة أخرى. وجرى إعادة فتح باب التحاق الطلاب ببعض البرامج التي ألغيت أثناء ولاية السيد أحمدي نجاد.

واستشهد مهدي نوربخش، أستاذ مشارك في الشؤون الدولية في جامعة هاريسبورغ للعلوم والتكنولوجيا في ولاية بنسلفانيا، ببعض الإشارات الإيجابية مثل إقالة رؤساء الجامعات الذين عينوا في فترة رئاسة أحمدي نجاد بعد تولي روحاني السلطة بفترة قصيرة وإعادة توظيف أعضاء هيئة التدريس الذين أجبروا على التقاعد. وقال السيد نوربخش في إشارة إلى روحاني «إنه يحاول الدفع إلى الأمام حتى وإن كان الطريق أمامه طويلا».

ويرى نوربخش أن أوراق اعتماد السيد روحاني الأكاديمية - والدكتوراه التي حصل عليها من جامعة غلاسكو كالدونيان في اسكوتلندا - دليلا على أن الرئيس الجديد يدرك كيف يجب أن تعمل الجامعات في مجتمع ديمقراطي. وأضاف السيد نوربخش أن «كل شيء يتغير». ويؤكد بأن «البيئة المحيطة تتغير بشكل جذري، ويبدو الآن وكأن الجامعات تحررت بالفعل. المناظرات ازدادت بصورة كبيرة، وطلبة الجامعات أصبحوا أكثر نشاطا».

يذكر أن السيد روحاني دعا إلى إقامة روابط أكاديمية أوثق مع الغرب. ففي أكتوبر (تشرين الأول)، خلال زيارته لجامعة طهران، حث «الأجهزة الأمنية» على ألا تمنع الأساتذة من المشاركة في المؤتمرات الأكاديمية الدولية، واصفا تلك المؤتمرات بـ«الدبلوماسية العلمية».

ومن الجانب الأميركي، قال الدكتور الآن جودمان رئيس معهد التعليم الدولي في تصريح كتابي بأن المنظمة «تراجع فرص استئناف التعاون الأكاديمي بين الولايات المتحدة وإيران».

وقال علي الأنصاري، مدير معهد الدراسات الإيرانية في جامعة سانت أندروز في اسكوتلندا، إنه كان «متفائلا بحذر» بشأن إمكانية توطيد العلاقات الأكاديمية بين البلدين. بيد أنه قال إن تلك الجهود قد تخرج عن مسارها بسرعة، مؤكدا: «يجب علينا إدراك أن حجم التوترات، والشد والجذب القائمة بكل أنواعها».

* خدمة «نيويورك تايمز»