تشجيع كليات القمة الأميركية على أن تكون أقل أرستقراطية وأكثر جدارة

أمهرست وهارفارد الأعلى تجاوبا بين «الجامعات الانتقائية»

TT

من المفترض أن يكون التعليم المحرك الأساسي في الحراك الاجتماعي بالولايات المتحدة الأميركية، ولكن التفاقم المتنامي في عدم المساواة الاقتصادية انعكس بشكل كبير على كليات القمة. إذ يفوق عدد الطلاب الأثرياء (أولئك الذين أتوا من أغنى ربع اجتماعي واقتصادي من مجمل عدد السكان) عدد الطلاب المحرومين اقتصاديا (أولئك القابعون في الربع الأدنى) بنسبة 14 إلى 1 في أكثر 193 كلية وجامعة يجري اختيارها على مستوى البلاد.

ولتسليط الضوء على هذه القضية، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» أخيرا مؤشرا جديدا عن الكليات التي يقع عليها اختيار الطلاب، ويقيس المؤشر التزامهم بإيجاد تنوع اجتماعي واقتصادي. حققت بعض الجامعات، مثل أمهرست وجامعة هارفارد، تقدما كبيرا في فتح أبوابها أمام الطلاب ذوي الدخل المنخفض، في حين أن جامعات أخرى لم تحقق الكثير في هذا المجال.

وبالطبع تعد جامعتا أمهرست وهارفارد، اللتان تعدان من الجامعات الغنية، أكثر ثراء بكثير من الكثير من كليات النخبة الأخرى. ويشير إداريون في بعض من هذه الكليات الأخرى إلى هذه النقطة عند سؤالهم عن التنوع الاجتماعي والاقتصادي في جامعاتهم، إذ يجادلون بأن: الجامعات الغنية يمكنها تحمل زيادة التنوع الاجتماعي والاقتصادي، بينما لا تقدر الجامعات الأخرى على القيام بذلك، وفقا لحجتهم.

وتأتي جامعة أمهرست من بين كليات النخبة التي حققت تقدما في قبول الطلاب ذوي الدخل المنخفض، في حين اعتادت الكليات الانتقائية تقديم أعذار بأنه لم يكن هناك ما يكفي من الطلاب المؤهلين أكاديميا من ذوي الدخل المنخفض حتى يجري قبولهم، إلى أن أكدت كارولين هوكسبي من جامعة ستانفورد، وكريستوفر أفيري من جامعة هارفارد، أن هناك 35 ألف طالب على الأقل من أولئك الذين يحققون نتائج عالية جدا من الطلاب ذوي الدخل المنخفض، معظمهم لا يذهبون الآن - أو حتى يقدمون – في الكليات الانتقائية.

ومع ذلك هناك وسيلة عادلة لقياس مدى التزام جامعة ما بتعزيز التنوع الاقتصادي، وذلك من خلال النظر في نسبة الطلاب الذين يحصلون على المنحة الفيدرالية القائمة على أساس الحاجة والمعروفة باسم منحة بيل في سياق المنح التي تقدمها المؤسسة لكل طالب. (ويشتق رقم المنح المقدمة لكل طالب بقسمة المنح التي تقدمها مؤسسة ما على عدد الطلاب الإجمالي).

وتضمنت الورقة التي نشرتها الـ«تايمز» رسما بيانيا يقارن المنح وتمثيل بيل. وأتت الرسالة واضحة. تعمل بعض الكليات أفضل بكثير من غيرها في فتح الأبواب أمام الطلاب المحرومين على الرغم من أن لديهم منحا متساوية تقريبا لكل طالب. وفي الواقع، تستثمر بعض من أغنى الجامعات والكليات القليل من مواردها من أجل تحقيق هذا الهدف، في حين أن بعض المؤسسات الأقل ثراء تضخ المزيد من مواردها المحدودة من أجل موازنة الفرص الاجتماعية والاقتصادية.

وتراوحت جامعات القمة في تحليل الـ«تايمز» ما بين جامعات بها تنوع من الناحية الاقتصادية (25 في المائة من الطلبة حاصلون على منح بيل) إلى جامعات متجانسة إلى حد ما (6 في المائة حاصلون على منح بيل). وعلى الصعيد الوطني، حصل 36 في المائة من الطلاب في العام الدراسي 2012 - 2013 على منح بيل، وهو برنامج المساعدات الطلابية الفيدرالي الرئيس للطلاب محدودي الدخل والطبقة العاملة. ويقبل ثلثا الحاصلين على منح بيل في كليات وجامعات حكومية لمدة سنتين و4 سنوات. ويذهب البقية لمؤسسات خاصة، بما في ذلك عدد قليل من الذين يحضرون الكليات الهادفة للربح، الذين أصبح سوء استخدامهم للإعانات الفيدرالية مثار جدل.

ولتوضيح المستويات المختلفة للجهود التي تبذلها الكليات التي لديها منح متساوية تقريبا، يجب الأخذ في الاعتبار أفضل 50 كلية من كليات الفنون الليبرالية، حسب تصنيف مؤسسة يو إس نيوز آند وورلد ريبورتز (US News & World reports). تتراوح قيمة المنح المقدمة لكل طالب في هذه الكليات بين أقل من 100 ألف دولار أميركي وأكثر من مليون دولار. وعدد منح بيل المقدمة للطلاب يتراوح بين 8 و24 في المائة بشكل عام.

ووقعت ضمن هذه العينة 3 جامعات، وهي أمهرست وبومونا وسوارثمور، بين الجامعات التي تحصل على منح لكل طالب بنحو مليون دولار، ولكن بذلت جامعة أمهرست جهدا أكبر في خلق التنوع الاجتماعي والاقتصادي، وذلك باستخدام المنح في إنشاء فصل يضم نحو 20 في المائة من الطلبة الحاصلين على منح بيل. وتصل نسبة تمثيل الطلبة الحاصلين على منحة بيل في جامعة بومونا إلى 18 في المائة، بينما في جامعة سوارثمور وصلت النسبة إلى 15 في المائة فحسب.

وبالنظر إلى الكليات التي تحصل على منح بمستويات متوسطة - أي نحو 500 ألف دولار – نجد جامعة سميث التي تصل نسبة الطلاب الحاصلين فيها على منح بيل إلى 23 في المائة، وكلية بودوين لديها 13 في المائة، وكليرمونت ماكينا بنحو 11 في المائة واشنطن آند لي بنحو 10 في المائة فحسب.

أفضل 50 كلية تحصل على منح منخفضة نسبيا – بما يساوي أو يقل عن 200 ألف دولار لكل طالب – إذ توزع مجموعة منح بيل بالنسب التالية لجامعة أكسيدنتال (20 في المائة) وجامعة ويسليان (18 في المائة) وجامعة جيتيسبيرغ (13 في المائة) وجامعة كينيون (8 في المائة).

وتشير هذه الأرقام التي تتفاوت تفاوتا كبيرا بين الكليات التي تدخل ضمن مرتبة مماثلة في الحصول على المنح التي تقدم لكل طالب إلى مستويات مختلفة إلى حد كبير من الالتزام. ففي عهد الرئيس السابق لجامعة أمهرست أنتوني ماركس، على سبيل المثال، قدمت الجامعة التزاما قويا بشأن التنوع الاجتماعي والاقتصادي. وفي جامعة أكسيدنتال، ظل هناك التزام طويل الأمد، بالعودة إلى الرئيس جون بروكس في الثمانينات، لتعزيز التميز والمساواة، والذي انعكس في ترتيب الكلية الثابت بين المؤسسات من حيث أعلى نسبة قبول للطلاب الحاصلين على منح بيل.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو أي نوع من السياسات العامة التي قد تشجع الكليات على رفع التزامهم بتكافؤ الفرص. هناك فكرتين رئيستان على الأقل للقيام بذلك.

أولا، الكليات والجامعات، التي تتلقى مزايا ضريبية هائلة لأنها تهدف لخدمة المصلحة العامة، يمكن أن توضع على مستوى الحد الأدنى من الجهود الرامية إلى قبول وتخريج طلاب من ذوي الدخل المحدود ومن الطبقة العاملة المؤهلة للحصول على منح بيل. ويمكن أن يختلف المعيار وفقا لحجم المنح.

لا تفرض الحكومة الفيدرالية ضرائب على دخل المنح الذي يأتي من الكليات والجامعات وتسمح للأفراد الأثرياء بإلغاء التبرعات الموجهة لمؤسسات التعليم العالي غير ربحية، لأن الكليات تلتزم بتقديم خدمات للأغراض العامة. ويقدر الاقتصادي ريتشارد فيدر أن الدعم العام لهذه الإعفاءات الضريبية تكلف الحكومة نحو 45 ألف دولار لكل تلميذ بجامعة برينستون في شكل ضرائب مفقودة.

وقال السيناتور تشارلز غراسلي، النائب الجمهوري عن ولاية أيوا، منذ عدة سنوات: «فلان الفلاني يدفع ضرائب. وجون دير تدفع ضرائب. لكن جونز هوبكنز لا تدفع». وأضاف أنه مع هذا الوضع الضريبي الاستثنائي تأتي التزامات استثنائية.

ثانيا، يمكن مع إتباع أسلوب الترغيب، الاعتماد أيضا على الترهيب. تكافح الكليات والجامعات اليوم لتوفير إمكانية قبول الطلاب ذوي الدخل المحدود والطبقة العاملة، نظرا لأن الحكومة خفضت الدعم الممنوح للجامعات الحكومية وبسبب أن منحة بيل الفيدرالية فشلت في مواكبة ارتفاع تكاليف حضور الكليات.

في العام الدراسي 2012 - 2013 غطى الحد الأقصى لمنحة بيل 31 في المائة من تكلفة حضور كلية عامة لمدة 4 سنوات دراسية، بانخفاض ما بين 69 في المائة و84 في المائة عن عقد السبعينات. وفي الكليات الخاصة، يصل الحد الأقصى لمنحة بيل الآن 14 في المائة فحسب من قائمة أسعار الرسوم الدراسية ورسوم السكن والطعام. ونتيجة لذلك، يجب على الكليات تدعيم المساعدات الفيدرالية بمواردها الخاصة إذا كانت تريد أن يكون لديها طلاب من ذوي الدخل المنخفض في حرمها الجامعي.

وقد أعرب بعض صناع السياسة عن قلقهم من أن تكون المساعدات المالية الفيدرالية قد لعبت دورا في رفع تكاليف الكليات. إننا لا نرى أدلة محكمة تدل على صحة هذه الفكرة ونعتقد أن زيادة منح بيل سيفيد الطلاب. ولكن رفع المستوى العام للمساعدات الفيدرالية والحكومية ليست الخيار الوحيد.

يمكن للحكومات أيضا أن توفر مكافآت مالية جديدة تستهدف الجامعات التي تلتزم بزيادة التنوع الاجتماعي والاقتصادي التي تحول أموالها من منح الجدارة من الطلاب غير المحتاجين إليها للطلاب الذين هم في حاجة فعلية لها. والآن، تجعل حوافز السوق القوية المؤسسات توجه المساعدات المالية للطلاب الأثرياء الذين لا يحتاجون إليها. وعلى وجه الخصوص، تتنافس الكليات على تصنيفات مؤسسة يو إس نيوز آند وورلد ريبورتز (US News & World reports) التي تكافئ الطلاب الحاصلين على درجات عالية، بحافز لتحويل المال إلى مساعدات الجدارة.

ويمكن أن تكون الحوافز المالية الفيدرالية الحكومية الممنوحة للمؤسسات، التي تخدم المستفيدين من منح بيل، موازنا مؤثرا. وتعتقد كاثرين بوند هيل - خبيرة اقتصادية ورئيسة كلية فاسار، التي أصبحت واحدة من أكثر كليات النخبة تنوعا اجتماعيا واقتصاديا - أن ذلك ممكن.

وبالمثل، يمكن لصانعي السياسات أن ينظروا في سبل تشجيع المؤسسات المعفاة من الضرائب على إعطاء الأولوية للاستثمار في الجامعات والكليات التي تظهر التزاما بتعليم الطلاب ذوي الدخل المنخفض. ويمكن أيضا تشجيع المتبرعين من القطاع الخاص - الذين عادة ما يقصرون مساهماتهم الفردية والعائلية على الكليات أو الجامعات التي اعتادوا في السابق الذهاب إليها – على التبرع للكليات التي تسير في هذا الطريق عندما يتعلق بالأمر التنوع الاقتصادي.

يمكن أن يكون لهذه السياسات تأثير كبير، وخصوصا في ظل الضغط القانوني الجديد الذي يشجع المؤسسات على استخدام بدائل للأفضلية العرقية في السعي نحو التنوع العرقي. ففي قضية فيشر ضد جامعة تكساس، حكمت المحكمة العليا العام الماضي بأن الجامعات «تتحمل العبء الأكبر في إثبات أن البدائل القابلة للتطبيق المتاحة والمحايدة من الناحية العرقية لا تكفي، قبل النظر في التصنيفات العرقية».

وأيا كانت نظرتنا إلى هذا الحكم، فمن الواضح أن القرار يعد بمثابة نافذة لتشجيع الجامعات على وضع تأكيد جديد على العمل الإيجابي للطلاب المحرومين اقتصاديا من جميع الأجناس كوسيلة لتعزيز التنوع العرقي بشكل غير مباشر.

من بين أفضل 50 كلية من كليات الفنون الليبرالية في البلاد، تملك تلك المؤسسات التي تتزعم فتح الأبواب لذوي الدخل المنخفض وكذلك الطلاب من الطبقة العاملة بشكل عام نسب أعلى من الطلاب المحليين من ذوي البشرة الملونة أكثر من المؤسسات التي لديها طلاب أقل من الحاصلين على منح بيل. على سبيل المثال، ففي أعلى 15 كلية انتقائية من كليات الفنون الليبرالية التي تحصل على أعلى نسب من منح بيل لموظفين الجدد، وطلبة بالسنة الثانية الجامعية، والطلاب في الصفوف الأولى والمراحل النهائية، كان 31.7 في المائة من الطلاب من المحليين من ذوي البشرة الملونة، بينما في أقل 15، كان الرقم 20.3 في المائة.

ومع أخذ هذه الخطوات والتدابير معا - التي تقوم بها كليات وجهات مانحة فردية – قد تساعد مؤسسات النخبة في البلاد التي لديها آفاق عالية من الناحية التعليمية على أن تبدو أقل أرستقراطية وأكثر جدارة، وهو الأمر الذي من المفترض أن تقوم بتجسيده.

* بيتر درير هو أستاذ العلوم السياسية في كلية أكسيدنتال، وهو مؤلف كتاب «أعظم 100 شخصية أميركية في القرن العشرين»

* ريتشارد كالينبيرج هو زميل بارز في مؤسسة «ذا سينشري فاونديشن» للأبحاث، وهو مؤلف كتاب «العلاج: العِرق، والنظام الطبقي، والعمل الإيجابي»

* خدمة «نيويورك تايمز»