مدرسة أميركية في حي فقير تدرج «الطموح» في مناهجها الدراسية

يشجعون الطلاب على تبني أفكارهم الخاصة والتواصل مع «الآخر»

ديون ترنر مع طلابه في الصف الدراسي الثاني الإعدادي في أكاديمية موت هول بريدجيز في بروكلين (نيويورك تايمز)
TT

لا يبعد بين مشروع الوحدات السكنية الذي يقيم فيه كريم باتلر ومدرسة «موت هول بريدجز أكاديمي» التي يدرس بها في الصف الثاني الإعدادي سوى بضع بنايات. وقد حصل باتلر على لقب طالب الشهر ويلعب ضمن فريق كرة السلة بالمدرسة. مع ذلك قد تكون المسافة التي تمثلها تلك البنايات الـ3 في براونزفيل في بروكلين، أكثر الأحياء فقرا في مدينة نيويورك الأميركية، وهي مرتع للعصابات والمخدرات والعنف.

وبينما كان كريم يغادر المدرسة بعد ظهيرة أحد الأيام، أخذ يتطلع يمنة ويسرة في الشارع قبل توجهه إلى منزله في مساكن فان دايك. ويتذكر كيف تعرض له صبيان من مدرسة مجاورة خلال الربيع الماضي، وطرحوه أرضا وداسوا عليه بالأقدام رغم أنه لم يفعل ما يثير حنقهم على حد قوله. وقال كريم، الذي يبلغ من العمر 12 عاما ويتسم باللين، وهو يرتدي قميصا رياضيا أزرق وبنطالا رماديا: «أريد مغادرة براونزفيل فهي تشهد الكثير من أعمال العنف. أشعر أن الحصول على حياة أفضل أمر في الإمكان».

وتعد مدرسة «موت هول بريدجز» بالنسبة إلى كريم أكثر من مجرد مكان لتلقي علوم الجبر والتاريخ، فهي مدرسة إعدادية حكومية تراها كثير من الأسر مكانا آمنا في حي يعجّ بالجريمة وبوابة تنفتح أمام المحرومين للخروج من الفقر. تقريبا كل طلبة المدرسة البالغ عددهم 191 طالبا في الصفوف الإعدادية من السود أو من ذوي الأصل الإسباني، في حين أن أكثر من 85 في المائة من الطلبة فقراء إلى درجة تجعل من حقهم الحصول على وجبة غداء بسعر منخفض أو مجانا.

تفتخر المدرسة بتبنيها مبدأ، تطلق عليه نادية لوبيز «النهج الكوني» في تعليم الأطفال الذين لا يأخذون شيئا على أنه حق مكتسب. ويترأس العاملون في المدرسة مجموعات خلال فترة الظهيرة كل يوم اثنين للوقوف على أي مشاكل قد تواجه الطلبة سواء في المنزل أو المدرسة ويحاولون تعليمهم استراتيجيات التكيف. على سبيل المثال فحصوا في شهر سبتمبر (أيلول) حقائب الطلبة لمعرفة ما الذي يحملونه معهم داخل الصفوف الدراسية. وفي حي لم يذهب الكثير من سكانه قط إلى مانهاتن، يحاولون تقديم خيار جديد يمكن أن يطمح إليه الأطفال وهو استكشاف الحياة خارج براونزفيل.

قالت لوبيز: «تصوروا الحياة في مانهاتن حيث ناطحات السحاب والعقارات التي يصل سعرها إلى ملايين الدولارات، بينما أنتم هنا في براونزفيل حيث لا ترون سوى مشروعات لبناء ناطحات. هذا ليس عدلا، لا يوجد أي شيء هنا ولا توجد مساواة. لا يوجد ما يذكرنا بأن الغد يحمل معه الأفضل».

وفيما أصبح تقليدا خلال فصل الخريف، يعبر طلاب الصف الأول الإعدادي وهم متشابكو الأيدي جسر بروكلين متجهين إلى مانهاتن كرمز لعلاقتهم بالعالم. وانضم طلبة الصف الثالث الإعدادي إلى صف دراسي مع مستشار للتعرف على المدارس الثانوية التي توجد في المدينة والمقارنة بين البرامج ورسوم التقديم والوقت الذي تستغرقه الرحلة من وإلى المدرسة. وسجل 72 طالبا من إجمالي 75 خلال فصل الربيع الماضي أسماءهم في مدارس ثانوية خارج براونزفيل.

وقد حظي نهج المدرسة بالثناء من أولياء الأمور والتربويين في المدينة بمن فيهم موجهة المدارس كارمن فارينا، التي زارت المدرسة عدة مرات. وتثبت مدرسة «موت هول بريدجز أكاديمي» أن أي مدرسة في أي منطقة بإمكانها تقديم مستوى تعليم جيد لطلابها على حد قول كارمن.

وحصلت المدرسة في آخر تقييم لإدارة المدينة التعليمية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) على تصنيف «كفء» من حيث مناهج التعليم وكفاءة طاقم التدريس بها وعملية التعلم. وقد تفوقت المدرسة في إرساء ثقافة تعلم رسخت الطموح في نفوس الطلبة وأسرهم ومعلميهم. مع ذلك لا يزال أداء المدرسة في اختبارات الرياضيات واللغة الإنجليزية على مستوى الولاية متدنيا مقارنة بالمعدل المتوسط في المدينة رغم أنه في تحسن مستمر.

وطالما مثّل اهتمام أولياء الأمور، الذي يعد من أسس نجاح أي مدرسة، تحديا، ففي الوقت الذي يبدي فيه بعض أولياء الأمور اهتمامهم، لا يلقي كثيرون بالا ولا يهتمون بحضور اجتماعات مجلس الآباء التي يتم توزيع تقارير مستوى الطلبة الدراسي خلالها. وتضطر المدرسة إلى إرسال التقارير بالبريد على عنوان المنزل مرفق به خطاب يؤكد أهمية التواصل مع الآباء. وأوضحت لوبيز قائلة: «هناك آباء لم أرهم قط» في إشارة إلى والدة فتاة في الصف الثالث الإعدادي التي لم تتعرف عليها وسألتها من تكون عندما رأتها في ردهة المدرسة خلال العام الحالي. وفي صباح أحد الأيام بينما لوبيز تتمشى في ردهة المدرسة الطويلة الضيقة التي تشغل الطابق الأول من مبنى ذي 3 طوابق يضم مدرستين أخريين. وكانت بعض الصور التي رسمها الطلاب لأنفسهم معلقة على جدران المدرسة.

وكان هناك في إحدى الغرف طالبة في الصف الثاني الإعدادي تستعرض مقارنتها بين مزايا «بيتزا هت» و«بابا جونز». وقال ديون ترنر، معلم الصف، إن النهج المتبع في هذا المشروع بالنسبة إلى طلبة الصف الثاني الإعدادي يشجع الطلاب على تبني أفكارهم الخاصة بينما يضعون خطط عمل في منافسة تتم داخل الصف الدراسي. وحصل الفائز العام الماضي على فرصة تقديم خدمة لمحبي الكلاب وحيواناتهم الأليفة في منتجع «هاندز أند بوز». وأوضح ترنر قائلا: «ما معنى ذلك بالضبط؟ لقد خلقنا هنا بيئة تمنحهم فرصة اكتشاف شغفهم».

وقت الغداء نزلت لوبيز الدرج متجهة نحو الكافتيريا، وملأت صحنا بسلطة الخضراوات وحملته باتجاه طاولة يجلس عليها طلبة الصف الثالث الإعدادي. وشرعت في تناول الطعام بينما يتحدث الطلبة عما فعلوه في الصباح. وقالت إنها بدأت تتناول الغداء يوميا في المدرسة لأن كثيرا من الطلبة كانوا يقولون لها إنهم لا يأكلون وجبات مجانية، في إشارة إلى وجبات المدرسة التي يحق لهم الحصول عليها مجانا.

لقد ترعرعت لوبيز في كراون هايتس وكانت الابنة الوحيدة لامرأة من غواتيمالا كانت تعمل مساعدة ممرض ورجل هوندوراسي كان يعمل مصورا فوتوغرافيا. وقالت: «أريد أن يعلم الأطفال أنني لا أختلف عنهم، فلم يكن والداي من الأثرياء، واعتقدا أن من حقي الحصول على مستوى جيد من التعليم».

بدأت لوبيز، المعلمة ومساعدة المدير السابقة، العمل في مدرسة «مونت هول بريدجز» في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2010 في ظل التركيز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات. وتمت تسمية المدرسة باسم مدرسة إعدادية مميزة أخرى في حي هارلم والتي أصبحت نموذجا يُحتذى به لعدد من المدارس الناشئة. ورسب جميع طلاب الصف الأول الإعدادي البالغ عددهم 45 في أول صف لهم، كذلك كان يعاني كثيرون من مشكلة في الالتزام على حد قول لوبيز. ولا تنظر المدرسة في طلبات الالتحاق بحسب الكفاءة، بل تستخدم نظام الاختيار العشوائي وبلغ معدل الملتحقين حاليا نحو 3 ملتحقين لكل مقعد دراسي. ونحو 28 في المائة من المسجلين في المدرسة من ذوي الاحتياجات، وهي نسبة أعلى عنها في أي مدرسة أخرى.

انتقل كريم، وهو الأصغر بين إخوته الـ9. من مدرسة حكومية أخرى في براونزفيل التي كانت درجاته بها متدنية وكان كثيرا ما يتورط في شجارات كما تروي والدته ديبورا لي التي سمعت عن مدرسة «موت هول بريدجز» من أحد الآباء وقدمت طلب التحاق لابنها بها. ومنذ ذلك الحين وكريم لا يعاني من أي مشاكل في الالتزام وارتفعت درجاته لأن المدرسة لم تكن ستسمح له باللعب في فريق كرة السلة إذا رسب دراسيا. وأعرب كريم عن أمله في احتراف كرة السلة. وقالت لي البالغة من العمر 48 عاما وتعمل مساعدة طبية في المنازل: «إنهم يظهرون للأطفال أنهم مهتمون بهم. إنهم يقومون بكل ما في وسعهم لضمان أنهم يسيرون على الطريق الصحيح». وتوضح المدرسة للطلبة أنهم موجودون في المدرسة من أجل العمل والجد، لذا إذا ذهبوا من دون ارتداء القميص الرسمي الأرجواني اللون، يتم إرسالهم إلى المنزل لتغيير ملابسهم. وفي خطوة لضمان انتباههم يتعين على الطلبة في نهاية كل صف دراسي ملء استمارة خروج يكتبون فيها ما تعلموه وإلا فلن يغادروا الحجرة الدراسية.

وتقسو لوبيز على نفسها وعلى طاقم العمل بالمدرسة المكون من 30 شخصا 18 منهم معلمون. وتعمل طوال أيام الأسبوع، وتذهب يوم الأحد بعد حضور القداس في الكنيسة مع ابنتها كيني ذات الـ13 ربيعا. ومن لا يبدي قدرا من الالتزام مثلها لا يبقى طويلا في المدرسة، فقد تم نقل 14 من أفراد طاقم العمل إلى مدارس أخرى.

قالت مادلين مارتنيز، الطالبة في الصف الثالث الإعدادي والتي تقيم في مساكن فان دايك، إن المدرسة منحتها ثقة في نفسها فيما يتعلق بمحاولة القيام بأنشطة خارج الصف الدراسي. وأجرت مادلين، التي ترى نفسها خجولة، لمجلة المدرسة مقابلة مع الموجهة فارينا وتغني مع جوقة المدرسة على المسرح. ورغم أنها نادرا ما تغادر الحي، قررت مؤخرا تقديم طلب التحاق بمدرسة فيوريللو لا غوارديا الثانوية في مانهاتن التي يتطلب الذهاب إليها يوميا ركوب مترو الأنفاق. وقالت مادلين: «أريد استكشاف العالم ومعرفة المزيد عنه. أنا في الـ14 من العمر ولم أذهب إلى مانهاتن سوى 4 مرات».

* خدمة «نيويورك تايمز»