الوثائق السرية البريطانية 1975 (5) ـ لأول مرة منذ أيزنهاور هناك إدارة أميركية تحاول أن تجعل إسرائيل تقوم بشيء لا تريد القيام به

إعداد: حسن ساتي

TT

- التاريخ: 18 أبريل 1975 - من: أم. أس. وير - الى: وكيل الخارجية الدائم، سري للغاية - الموضوع: علاقات كيسنجر واسرائيل

* الخطاب المرفق من السير بي ليدويدج سيكون أكثر إثارة للاهتمام أكثر مما هو مرتبط بقضية الصراع العربي الاسرائيلي وحده، ولكنه أيضا محبط أكثر من أي شيء آخر لأنه أتى من تل أبيب وحدها.

ليس لديّ شك بأن للإسرائيليين كمية من أراضي الشكوى من كيسنجر على خلفية إساءته تمثيل موقفهم، وأنه قد نفس عن حساسياته على حساب عنادهم، ولا شك أنه قد فعل ذلك في كل مناسبة قابلته فيها، فيما أعتقد في المقابل بأن الإسرائيليين قد أساءوا فهمه. ومعه مجمل سياسة كيسنجر معتبرين أنها مدفوعة بعداء وحقد شخصي منه تجاه اسرائيل. وقد يكون هذا الخطأ من جانبهم بالطبع متعمدا. فعليهم أن يكونوا على وعي بان الرئيس فورد يشاركه في آرائه.

والحقيقة هي أنه ولأول مرة منذ أن أجبر أيزنهاور اسرائيل للتراجع عن سيناء عام 1957، فنحن أمام إدارة أميركية تحاول أن تجعل اسرائيل تقوم بشيء لا تريد أن تقوم به. ومن وجهة نظر اسرائيل يكون هذا دليلا على افتقاد «الموضوعية»، ونقدا للأسلوب الكلي لدبلوماسية المكوك (رغم أن الاسرائيليين لم يعترضوا عليها في دورتها الأولى، حينما كان لهم أنفسهم مصلحة في فك الاشتباك من الضفة الغربية لقناة السويس). لمن ينظر لهذا الأمر من الخارج، يبدو من الواضح أن «التعويض» الحقيقي الذي يقدمه كيسنجر لانسحاب اسرائيل «الجزئي»، بالإضافة الى تنازلات السادات، هو تجنب حرب أخرى ستدمر اسرائيل كليا والغرب أكثر مما ستفعل مع العرب. وبالقدر الذي تقبل به الاسرائيليون هذا الطرح، يكون من حق كيسنجر أن يشعر بأنه قد تعرض لخيانة. فالحقيقة هي أن ملاحقة هذا الهدف الأساسي، ووجهة النظر الذاهبة الى أن تسوية شاملة ستشمل اسرائيل التي تكون قد سلمت معظم الأراضي التي تحتلها، يمكن رؤيته، أي الهدف، كأمر شخصي برغم خلفية الهوة التي تفصل تفكير اسرائيل عن تفكير العالم الخارجي. ولكن، وحتى بالنسبة لمن هو ليس إسرائيليا في تل أبيب، فكيسنجر يمكن أن يبدو مثل هالدمان/ اهرليشمان ربما لا يدهشنا شيء. وستكون هناك بلا جدال ردود فعل مبكرة من واشنطن والمواقع الأخرى، وأرى أن ننتظر ردود الأفعال تلك قبل أن نقدم ردنا.

* توقيع إم. إس. وير الخارجية ـ لندن

* رأى في 1948 أن دولة اسرائيل غير قابلة للبقاء.. ثم غير رأيه بعد حرب 1967

* وثيقة رقم : 144 - التاريخ : 16 أبريل 1975 - من : دبليو. جي. ليدويج رئيس القسم القنصلي ـ تل أبيب - الى : ام . اس . وير، الخارجية ـ لندن ، سري للغاية .

* عزيزي مايكل ..

1 ـ في خطابي بتاريخ 8 أبريل الى «ألن ارويك»، قدمت خطوطا عريضة لدفاع الإسرائيليين ضد اتهامات كيسنجر لهم بأن تعنتهم وإزدواج معاييرهم هما المسؤولان عن فشل مهمته الأخيرة للشرق الأوسط.

2 ـ ومنذ أن قدمت ذلك العرض تضاعفت الإشارات الى حد دخلت معه العلاقات بين كيسنجر واسرائيل الى مرحلة تكون فيها سيئة جدا وبصورة أكبر من سوء العلاقات بين اسرايل والإدارة الأميركية. ومن هنا أعتقد أنه سيكون من المفيد الآن فحص علاقات كيسنجر واسرائيل كأمر منفصل.

3 ـ نبرة الصحافة الاسرائلية الآن تجاه كيسنجر تتميز بعدم الثقة ، وهذا واضح من تشجيع تصريحات القادة الاسرائيليين لذلك. وكانت لديّ أدلة أكثر في الأيام القليلة الماضية لجهة شعور رابين وبيريز تجاه أداء كيسنجر منذ رحلته الأخيرة للمنطقة .

4 ـ دليل توجه رابين جاء من اللورد جالفونت الذي كان هنا كما تعلم بين 10 و14 أبريل بغرض تقديم برنامج للـ«بي بي سي» عن رابين، فيما كانت لجالفونت أحاديث متعددة مع رابين في عطلة الأسبوع. والى ذلك أخبرني أن رابين كان شديد النقد لمجمل منهج كيسنجر في مناقشة اتفاقية مؤقتة بين اسرائل ومصر، وأن هدفه ظل دفع الاسرائيليين لإعادة ممرات سيناء وحقول النفط للسادات بدون تعويضات مصرية. وفي لحظة محورية في غضون دبلوماسيته المكوكية، وجه كيسنجر إنذارا لرابين بصورة خاصة بأن عليه أن يواجه حقيقة أنه وإذا ما كان لصفقة أن تتم، فالسادات سينكر خلال أسابيع قليلة، وعلنا، أنه لم يقدم تنازلات لإسرائيل من أجل حصوله على تلك الصفقة. وفي حقيقة الأمر فقد حاول كيسنجر أن يسلم الاسرائيليين للسادات، (رابين استخدم عبارة التسليم هذه) ، وقد غضب حين وجد أن تلك السياسة لن تثمر .

5 ـ رابين انتقد كذلك أسلوب دبلوماسية كيسنجر المكوكية على وجه الإجمال. وقال إنه وفيما كان هو والسادات أيضا يحاولان، وبتوصية من كيسنجر، تحديد تفاصيل مواقفهما من المفاوضات تجاه الصحافة، كان كيسنجر نفسه يطير بين اسوان والقدس حاشدا طائرته بصحافيين أميركيين نافذين ظل يغذيهم برؤيته للوضع بالتفاصيل. وكذلك قدم كيسنجر نقدا لاسرائيل الى صحافيين على طائرته في طريق عودته لواشنطن، فيما كان قد وعد بأن لا يوجه محاصصة في اللوم أو الاسباب، لا علنا ولا بصورة خاصة، في مسألة انهيار المفاوضات في اجتماعه النهائي مع رابين. وقال رابين أنه تمنى أن يكون بوسعه التحدث مباشرة الى المصريين، وقد بدا ضد كيسنجر بصورة أكثر حين تحدث الى جالفونت مقارنة بحديثه الى اللورد جورج براون قبل ذلك بأيام قليلة.

6 ـ وسمعت كذلك أن بيريز لم يجعل الأمر سرا لجهة القول إن كيسنجر مسؤول شخصيا عن تأجيل زيارته لأميركا لمناقشة المزيد من الامدادات العسكرية، علما بأن بيريز كان قد أقام حفل عشاء لمجموعة رجال الكونغرس الأميركي برئاسة أونيل، والذين وصلوا لاسرائيل ضمن زيارتهم للشرق الأوسط. وقد فهمت من أحد الاسرائيليين ممن حضروا ذلك العشاء أن بيريز قالها صريحة لضيوفه أنه ممتعض تجاه طريقة الابتزاز التي عامله بها كيسنجر، وأنه يأمل منهم أن يتحدثوا في هذه المسألة بأقصى ما يستطيعون بعد عودتهم لواشنطن. وسمعت أيضا أن رابينوفيتش وزير الاقتصاد سمع أيضا من واشنطن خلال هذا الاسبوع بأنه يجب عليه أن يؤجل زيارته لواشنطن لمناقشة العون الاقتصادي للمرة الثانية، وفهم أنه لن يتم استقباله الى أن تكتمل إعادة تقييم السياسة الأميركية، وهو أيضا يرى أيدي كيسنجر وراء التأجيلات المتكررة لمهمته .

7 ـ الاسرائيليون يتحدثون الآن في حقيقة الأمر وكأنهم على قناعة بأن كيسنجر نفسه هو المنظم الرئيس لموجة عدم الرضا الأميركية الحالية والتي وصلت ذروتها حاليا. من جانبي يجب أن أقول إنني شعرت بتعاطف تجاه هذه الشكوك الاسرائيلية حينما قرأت النص الكامل لمحادثة كيسنجر مع رامسبوثام في 29 مارس، والتي حصلت عليها فقط بعد أن كان خطابي بتاريخ 9 أبريل الى «أرويك» قد تمّ إرساله. ويبدو لي أن حسابات المراحل المبكرة للمفاوضات، التي حملتها الفقرتان 1 و 2 ، تبدو غير صحيحة كليا. ففي الفقرة الأولى أحصى كيسنجر سلسلة من مطالب اسرائيلية متشددة ، قال إن الاسرائليين وضعوها مع بداية دبلوماسيته المكوكية، وتشمل تلك المطالب «وضع نهاية للدعاية المعادية.. وللمقاطعة الاقتصادية .. وللمواقف ضد اسرائيل في المنتديات الدولية. في الفقرة الثانية قدم كيسنجر تصريحا غير عادي بالقول «إن السادات أشار الى أنه يرغب في الموافقة على الشروط الاسرائيلية فيما عدا إعلان علني بعدم القتال». وإذا ما كان لنا أن نأخذ هذه الجزئية منفردة فانها ستعني أن السادات وافق على إنهاء حالة الحرب الاقتصادية والسياسية ضد اسرائيل، وأجد من الصعب تصديق أن الاسرائيليين قد طالبوا بتلك المطالب الكثيرة، (هم يقولون إنهم طالبوا بما هو أقل) ، دعك عن ضمانة السادات لتلك المطالب، وإذا كان السادات فعلا قد وافق عليها فإني أتوقع أن يقفز الاسرائيليون الى مركب هذه الصفقة.

( 8 ـ 9 فقرتان تلتفان حول المزيد من تفصيل تلك المواقف... الإيضاح من «الشرق الأوسط»).

10 ـ يشعر كثير من الاسرائيليين أن الدولة الصهيونية تثير حساسية كيسنجر، وهناك تاريخ طويل خلف هذه النظرية. فقد أورد الأخوان «كالب» في تأريخهما لسيرة كيسنجر حينما وجدت اسرائيل عام 1948 ، أنه اعتبرها أمرا شاذا لا يمكنه البقاء. ولكنه غيّر رأيه لاحقا. ولكن منذ حرب 1967 ظل وباستمرار على قناعة ـ وفقا لروايات الاسرائيليين الذين يعرفونه ـ بأن اسرائيل ستكون ملزمة على إخلاء كل الأراضي التي احتلتها كنتيجة لضغوط الرأي العالمي. وأكثر من ذلك فقد ظل يحمل دائما وجهة نظر مظلمة تجاه أداء اسرائيل في حرب يوم كيبور، (أي حرب أكتوبر ـ الايضاح من «الشرق الأوسط»). والى ذلك أشهدني عضو بالخارجية الاسرائيلية ، بنحو غاية في السرية ، محصلة رؤية كيسنجر في إفادة سرية خلال اجتماع سري في ديسمبر 1973 مع القادة اليهود الأميركيين. ووفقا لذلك الحساب أو الرؤية فقد كان كيسنجر غير متعاطف مع اسرائيل طوال تقديم الإفادة. وقد قال إن اسرائيل خسرت حرب أكتوبر استراتيجيا، وأنها، وحتى إذا طوقت أو هزمت الجيش المصري الثالث، فلن تستطيع تغيير حكمه. وقال إن اسرائيل استطاعت فقط أن تستعيد عافيتها من هزائمها الأولية بسبب الجسر الجوي الأميركي، ومن دونه كانت ستفقد سلاحها وذخيرتها. وقال إنه، وإذا ما كانت هناك حرب أخرى، فقد لا تستطيع أميركا، حتى إذا رغبت، تقديم جسر جوي، وربما تجد اسرائيل نفسها في وضع أسوأ من وضع عام 1973. ومن هنا فلإسرائيل مصلحة عظمى في تجنب حرب أخرى بتقديم تنازلات حدودية الآن. وقد اتهم كيسنجر كذلك القادة الاسرائيليين بأنهم ضللوا الأميركيين في شأن خططهم العسكرية في المرحلة الأخيرة من حرب أكتوبر، وأنهم حنثوا بالوعد الذي قطعوه له حينما كان في طريقه الى موسكو بأن يقبلوا بأي اتفاق يصل اليه، ومهما كان، ويوفوه، إذا ما كان له أن يعود لرؤيتهم في طريق عودته من موسكو الى واشنطن. الصديق الذي أطلعني على هذا المحضر قال إن الاسرائيليين يحتفظون به لأسباب بديهية كأمر عالي السرية، والأسباب هنا بالطبع بديهية، فإذا ما كان لملاحظات كيسنجر أن تتسرب، فستثير الشعب الاسرائيلي ضده وكذلك ضد فريق حكومة غولدا مائير .

11 ـ حينما قيمت مضمون ذلك المحضر ، لم استطع مقاومة الدهشة تجاه ما إذا كان «آلون» جادا حينما قال للورد جورج براون بأنه يأمل أن يبقى كيسنجر في منصبه...

12 ـ بقية الفقرة 11 والفقرة 12 في نفس توجهات هذا التقييم ... (الإيضاح من «الشرق الأوسط») توقيع دبليو. جي. ليدويج رئيس القسم القنصلي ـ تل أبيب

* كيسنجر للندن : أحد قادة اليهود خرج مرتبكا مرتجفا بعد لقاء الرئيس الأميركي

* فورد: على الإسرائيليين أن يتيقنوا بأنهم لن يستطيعوا نسف السياسة الأميركية وتحقير صورة أميركا في عيون العرب

* وثيقة رقم : 98 - التاريخ : غير واضح - من : رامبوثام ـ واشنطن - الى الخارجية ـ عاجل جدا وسري للغاية - الموضوع : العرب واسرائيل 1ـ سألت كيسنجر عن مدى الفعالية التي سيكون عليها الاسرائيليون في عرض قضيتهم في أميركا ومناطق أخرى، وقد لاحظت أن صحيفتي «نيويورك تايمز» والـ«واشنطن بوست» قد عكستا ذلك سلفا .

2 ـ كيسنجر قال إنه وفي الثمانية اشهر التي قضاها مع الرئيس الأميركي فورد لم يحدث أن رآه بمثل هذه الحالة من الغضب، فالرئيس يشعر أنه قد تعرض شخصيا لخيانة، وأن على الإسرائيليين أن يتيقنوا بأنهم لن يستطيعوا نسف السياسة الأميركية ويحقروا صورة أميركا في عيون العرب، وكيسنجر يقول إن غضب الرئيس أكبر من غضبه، وأن أحد قادة إحدى الروابط اليهودية الاساسية في أميركا قد طلب لقاء الرئيس فورد، فخرج بعد اللقاء مهزوزا مرتجفا.

مع رئيس يحمل مثل هذا الشعور لن يكون من الصعب على الإدارة الأميركية تخليق موجة من السخط في أميركا ضد اسرائيل، ولكن الإدارة الأميركية لن تقدم على ذلك. وعلى كل، فمن الأهمية بمكان أن يفهم الاسرائيليون أنهم لن يستطيعوا إشراك أميركا على هذا النحو. فالعملية تبدو كما لو أنها انتهت، بمعنى أن أميركا لن تشترك مرة ثانية من غير أن تحصل على ضمانات مسبقة بأن بالإمكان التوصل لإتفاق.

3 ـ أما بالنسبة للمستقبل، فكسينجر يقول إنه لا يمكن دفعه دفعا الى جنيف، علما بأنه كان قد التقى في ذلك الصباح السفير الروسي لتبادل وجهات النظر وقد اتفقا على التحادث مرة ثانية حول هذا الموضوع خلال يومين. سألته ما إذا كان لديه في ذهنه يوم محدد في شهر مايو ، مثلما يأمل الى ذلك أمين عام الأمم المتحدة والمصريون وآخرون، (برقية نيويورك رقم 333 الى الخارجية ـ لندن).

كيسنجر قال إن من الممكن أن لا يكون هناك مؤتمر جنيف ما لم تكن أميركا قد أكملت استعدادها، وسيقمع، إن دعت الضرورة، نشاطات كورت فالدهايم أمين عام الأمم المتحدة. قلت له إن فالدهايم لم يقم بما هو أكثر من البحث عن آراء الأطراف المعنية، وبما أنه كسرتير عام لديه مسؤوليات ليس في ما يخص نشاطات المنظمة الدولية الأخرى، وإنما أيضا كرئيس محتمل لمؤتمر جنيف المتوقع. كيسنجر يرى أن يوما ما لعقد المؤتمر في مايو ليس مناسبا، وأن من الأرجح أن يكون في يونيو .

بالنسبة لقوات الأمم المتحدة، تخمينه الخاص أن السادات سيجدد لها لفترة ثلاثة اشهر أخرى فيما سيجدد الاسس لقوات المنظمة هناك لشهرين .

4 ـ حاولت أن أجر كيسنجر الى الكيفية التي تسير بها عمليات إعادة التقييم من قبل الإدارة الأميركية لهذه الأوضاع، فكان رد فعله سلبيا، إضافة الى قوله إنه ليس على عجلة من أمره وأن أميركا ستواصل سعيها نحو حل سلمي.

* توقيع رامبوثان