الملك فيصل حثّ الأسد على تنويع مصادر سلاحه.. والتريث لإعطاء مفاوضات مصر وإسرائيل فرصة

تقييمان دبلوماسيان من لندن لزياره العاهل السعودي التاريخية برفقة الأمير فهد لدمشق

TT

- التاريخ: 20 يناير (كانون الثاني) 1957 - من: آر. ال. بلفور القائم بالأعمال ـ دمشق - الى: معالي جيمس كالاهان، وزير الخارجية، لندن. سري للغاية

* الموضوع: زيارة العاهل السعودي الملك فيصل الرسمية لسورية.

عطفا على برقيتي دمشق رقم 25 و26، أتشرف بكتابة هذا التقرير عن زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، برفقة الأمير فهد بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء لسورية بين 14 و17 يناير 1975. بقية أعضاء الوفد السعودي تضمهم الترجمة المرفقة عن البيان الختامي المشترك للزيارة مع مغادرة الملك، وأرفق منها نسخة.

كانت التدابير التي سبقت وأحاطت بالزيارة مثيرة. المنصات المتحركة بصواريخ مضادة للطائرات اصطفت على مدرجات مطار دمشق. الصحافة العالمية تم تفتيشها بكفاءة علنا ثم تمت حراستها من على حظيرة خاصة، فيما تمت حراسة مشددة للطريق من المطار الى داخل المدينة، في مقابل مرافقة من مروحيتين للعربة الناقلة للملك على طول تحركها.

احتشد الطريق أيضا بتلاميذ المدارس والعمال وبأعداد غير مسبوقة، برغم أن القول لاحقا إن مليونا من العمال العرب كانوا في استقبال الملك والترحيب به لم يخل من مبالغة كبيرة، دون أن يلغي ذلك أن دمشق يومها تأنقت وتهندمت، وفتحت نوافيرها، والأعلام السعودية ترفرف فيما زينت السفارة السعودية أشجارها بإضاءة ملونة مثل شجرة عيد ميلاد شرقية. وكانت هناك أيضا لافتات كثيرة، وأهمها:

* القدس تحترق في انتظار قدوم الجيوش العربية

* تنفيذ قرارات قمة الرباط هو الضمانة لمستقبل العرب

* النفط العربي علّم العالم قوة الأمة العربية

* النفط العربي هو وقود الإرادة العربية في معركة المقاومة والتحرير

4 ـ واجه الملك برنامجا ثقيلا ومكثفا لرجل في سنه وصحته، وقد بدا في مناسبات كثيرة منحني الكتفين ومرهقا مما اضطر الرئيس الاسد لمعاونته. زار القنيطرة يوم 15 يناير، ولرجل في ورعه وتقواه، لا بدّ أن يكون قد تأثر بالدمار الذي لحق بالمساجد والممتلكات العامة من جراء الحرب، فيما استقبله محافظ القنيطرة بحفنة من ترابها كتذكار. الملك قضى كل يوم 16 يشاهد القوات الجوية السورية في قاعدة سورية. وكانت له جولتا محادثات مع الرئيس الأسد يومي 14 و15، ثم اجتماع يوم 16 بقصر الضيافة مع خالد الحسن من منظمة التحرير الفلسطينية. كان لياسر عرفات ارتباط مسبق في جنوب لبنان. الملك صلى قبيل مغادرته يوم 17 في الجامع الأموي، وهي مناسبة ذات معلم شخصي عظيم بالنسبة له، ولا شك أنها عامل وراء قراره زيارة سورية. الأمير فهد عقد جولة محادثات مع رئيس الوزراء السوري محمد الأيوبي يوم 16 يناير، وكذلك أجريت معه أعداد من المقابلات الصحافية، فيما تمّ تبادل الأوسمة وموائد الطعام. 5ـ هناك الكثير من التأويلات حول سبب زيارة الملك فيصل لسورية، ونظريات عديدة تم وضعها لجهة أن هناك صلة بين زيارته وإلغاء بريجنيف لزيارته الى القاهرة ودمشق وبغداد. ولا جدال هنا أن الملك فيصل كغيره على وعي بأهمية الخلاف المصري ـ السوفياتي وأثره في دبلوماسية الخطوة خطوة التي ينتهجها كيسنجر مثلما أبان سفيرنا في جدة في تقريره العام عن السعودية عام 1974، لجهة أن العلاقات السعودية ـ الأميركية تعتمد كليا على إبقاء كيسنجر على سياساته بمراميها. ومن المحتمل بصورة أكثر أيضا أن الملك شعر أن عليه لأسباب مراسمية أن يزور سورية بعد فجوة 19 عاما قادته فيها دبلوماسيته الى دول المواجهة الأخرى، أي الأردن ومصر. في المقابل، سيحاول الملك إثناء الاسد عن اتخاذ أي خطوة ضارة، أو واقعة في خانة الإثارة المفرطة الى أن يمتلك الاسرائيليون والمصريون فرصة للتحدث أكثر حول المزيد من فض الاشتباك في سيناء تحت اشراف كيسنجر. وبالرغم من أن أجهزة الإعلام السورية قدمت الكثير حول الحاجة لـ«التعاون» مع السعودية (وهي عبارتهم للحصول على المال السعودي)، فمن الممكن التوقع بأن الملك فيصل سيستخدم هذا السلاح القوي لجهة خط محافظ أكثر من، على سبيل المثال، الشيخ زايد حاكم أبو ظبي. وكما أوردنا في بريقيتنا رقم 25، فالسعودية قدمت ضمانة مالية فورية بـ 150 مليون دولار لسورية، إضافة الى 200 مليون كقرض، وأيضا إعانة قررتها قمة الرباط والتي دفعتها السعودية كاملة سلفا. ومن هنا فمن الواضح أن الرئيس الأسد على خط الموافقة، وفي ذهنه الموارد السعودية، فإذا ما سلك وفقها فالمال سيتدفق بلا جدال، وإذا لم يفعل، فمن المحتمل إيقاف 200 مليون قبل أن يتم سحب الكثير منها ليفقد 150 مليون دولار كلية، وهناك زعم بأن هذا المبلغ مخصص لشراء السلاح، وأن الملك يحاول أن يحث السوريين على تنويع مصادر سلاحهم. وإذا ما كان للسعوديين أن لا يسمحوا بإنفاق مواردهم في الاتحاد السوفياتي، كما جاء في تقرير سفيرنا بجدة لعام 1974، فسيظهر السوريون في القريب في أوروبا الغربية بحثا عن عتاد عسكري. وبوسعنا هنا أن نفترض وبسلام أن أميركا لن تمِدَّ سورية، ومن هنا يكون السوق مفتوحا للممولين الآخرين بما فيهم بريطانيا.

6 ـ وعودة لموضوع 200 مليون دولار المخصصة للتنمية، فربما يكون الأمر معها أنها ستكون أسهل في الإبقاء عليها في الإنفاق على الخط المرصود لها أكثر من المعادلة الأخرى مع الأموال التي تم اصطيادها من أريحية الشيخ زايد. وربما يكون بوسع سفيرنا بجدة أن يكتشف ما إذا كان السعوديون قد حددوا برامج مشروعات وما إذا كانت كوتات محددة تم تخصيصها للدول الأوروبية، والى ذلك، فحتى خُمُسُ هذا المبلغ، وإذا ما كان له أن ينفق على سلع وخدمات بريطانية، فسيكون من شأنه تحويل علاقاتنا التجارية مع سورية.

7ـ يبدو أن الزيارة سارت على أفضل ما يكون بالنسبة لأي جهة عدا المتطرفين الفلسطينيين، فقد حصل السوريون على أموال أكثر، مع وعد بالمزيد، وبوسع السعوديين أن يعتمدوا على الرئيس الاسد أن لا يعكر صفو منهج الخطوة خطوة المتبع من كيسنجر، وعلى الأقل في المستقبل القصير. والملك فيصل عزّز من موقعه القيادي في العالم العربي، فيما تلقت منظمة التحرير الفلسطينية وعودا بالدعم الكامل. وتلقى لبنان عبارات عن التضامن ولكن ليس قبل أن يبحث عنها. ومن هنا فالساخطون الوحيدون هم المتطرفون الفلسطينيون المتشددون الذين يعتبرون دبلوماسية الخطوة خطوة خيانة، وقد عبروا عن عدم رضائهم بنسف سيارة مدير فندق أمية وتفجير قرب أحد المدارس على مقربة من النادي الشرقي الذي أقام فيه الملك فيصل حفل عشاء للرئيس الأسد. وربما يكون في زمرة الساخطين الاتحاد السوفياتي الذي لن يكون بوسعه الشعور بالسعادة تجاه أفق تحول سورية غربا حتى مع نزر قليل من إمداداتها العسكرية.

8 ـ أرسلت نسخة من هذه الرسالة الى ممثلي حكومة الملكة بجدة، عمان القاهرة ، تل أبيب، بيروت، أبوظبي، موسكو، وواشنطن.

* توقيع - آر .ال. بلفور القائم بالأعمال.

* دمشق

* وثيقة رقم: 01 - التاريخ: 18 يناير 1975 - من: روبرتس، (الجهة ساقطة من عمليات التصوير..الإيضاح من «الشرق الأوسط») - الى: الخارجية وللعلم جدة، عمان، القاهرة، بيروت، تل أبيب، سري للغاية

* الموضوع: زيارة الملك فيصل لدمشق 1- الانطباع الأول أن الزيارة خلت من مبادرة سياسية قوية، وقد أكد ذلك السفير السوري في لندن، والموجود في إجازة هنا، وهو بالاستثناء من ذوي الصلة الحسنة بالأمر. والملك فيصل لم يزر سورية منذ وقت طويل.

2- أفترض أنه طلب خلال مناقشاته في دمشق من السوريين الاعتدال في مواقفهم من تحركات فض الاشتباك المصرية ونشاطات كيسنجر، وربما يكون هذا وراء تفجيرات القنابل التي قام بها فلسطينيون خلال زيارته والتي كتبت عنها بصورة منفصلة.

3- للسوريين بصفة عامة آمال عالية تجاه كرم الملك المالي، بالرغم من أن أكثر من مصدر قد اشار لي إلى أن السجل السعودي لم يكن بالحجم الكبير، على الأقل فيما يتعلق بسورية، ولا جدال أن كرم الملك فيصل سيكون، الى حد ما، وقفا على رد الفعل السوري تجاه خطه السياسي، (الفقرة 2 أعلاه).

* توقيع روبرتس