عقود الإذعان

TT

يسمى عقد الإذعان في القانون الفرنسي بعقد الانضمام، حيث ان من يقبل العقد إنما ينضم إليه دون أن يناقشه وأول من سماه بـ (عقد الإذعان) السنهوري في كتابه (نظرية العقد) لما تشعر به هذه التسمية من معنى الاضطرار في القبول، وقد شاعت هذه التسمية في اللغة القانونية من فقه وقضاء . وعقد الإذعان له خصائص يتميز بها عن بقية العقود هي:

1 ـ ان القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها مقدم الخدمة أو مالك السلعة ولا يقبل مناقشتها فإما أن يقبل الشخص المحتاج لهذه الخدمة هذه الشروط جملة وتفصيلا دون أي مناقشة فينعقد العقد أو يرفضها فلا ينعقد العقد .

2 ـ أن يكون الإيجاب واحداً بالنسبة للجميع أو بالنسبة لقطاعات معينة وان اختلف بالنسبة لقطاعات أخرى . فالموجب يعرض إيجابه للكافة عموما دون تمييز بينهم، وشروطه واحدة للجميع وهذه الشروط تراعي في الغالب مصلحة الموجب (إما تخفف من مسؤوليته التعاقدية أو تشدد من مسؤولية الطرف الآخر) .

3 ـ ان يتعلق العقد بسلع أو منافع يحتاج إليها الناس كافة ولا غنى لهم عنها كالماء والكهرباء والغاز والخدمات المصرفية . . الخ .

4 ـ احتكار ـ أي سيطرة ـ المالك أو مقدم الخدمة لتلك السلعة أو الخدمة احتكارا قانونيا أو فعليا أو على الأقل سيطرته عليها بشكل يجعل المنافسة فيها محدودة النطاق .

والحقيقة ان جل عقود الخدمات المصرفية التي تقدمها المصارف، سواء التقليدية أو الإسلامية هي من قبيل عقود الإذعان التي يشوب الرضا فيها شائبة الإكراه الناتج عن الاضطرار إلى أمثال هذه العقود المتضمنة للكثير من الشروط المجحفة بالطرف القابل لها والرضا شرط لصحة المعاملة المالية استنادا لقوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) سورة النساء (29 ) وفي الحديث الصحيح (إنما البيع عن تراضٍ ) أخرجه ابن ماجة والبيهقي، وقد عرف جمهور الفقهاء الرضا بأنه «قصد الفعل دون أن يشوبه إكراه . قال الإمام الشوكاني، رحمه الله «التراضي هو المناط في تحليل أموال العباد»، كما ان عقود الإذعان تنافي مقتضى العدل الذي أمر الله به وحث عليه وهو من أهم المقاصد التي سعت الشريعة الإسلامية إلى تحقيقها قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) سورة النحل (90)، حيث ان احد طرفي العقد ينفرد بوضع تفاصيله وشروطه دون ان يكون للطرف الآخر حق مناقشتها أو تعديلها أو إلغاء شيء منها مما يؤدي إلى رجحان مصلحة الطرف الموجب على مصلحة الطرف القابل والاضرار بمصلحة الطرف القابل لهذه الشروط التعسفية . ولا شك ان معالجة هذا الخلل في عقود الإذعان وجعلها اقرب للعدل بمراعاة مصالح جميع أطراف العقد هي من مسؤولية الدولة والجهات الرقابية بها وعلى ذلك نص قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة من 8 ـ 13 ذو القعدة 1423هـ حيث نص على (نظراً لاحتمال تحكّم الطرف المسيطر في الأسعار والشروط التي يُمليها في عقود الإذعان، وتعسُّفه الذي يُفضي إلى الإضرار بعموم الناس، فإنه يجب شرعاً خضوع جميع عقود الإذعان لرقابة الدولة ابتداءً (أي قبل طرحها للتعامل بها مع الناس) من أجل إقرار ما هو عادل منها، وتعديل أو إلغاء ما فيه ظلم بالطرف المذعن وفقاً لما تقضي به العدالةُ شرعاً)، كما انه يجب على الهيئات الشرعية العاملة في المصارف أن تتأكد من عدالة العقود التي تجيزها ومراعاتها لمصالح الطرفين وان تقف دائما وأبدا إلى جانب الطرف الأضعف من طرفي العقد وهو الطرف القابل، لأن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المأمور به شرعا، وقد لمست من أصحاب الفضيلة في أثناء عملي معهم استشعار هذه المسؤولية بسعيهم لخلق التوازن بين الحقوق والواجبات في غالب العقود التي يقرونها .

* متخصص في المصرفية الإسلامية [email protected]