باحثون: عدم حسم الجدل في شرعية التأمين التكافلي والتجاري ساهم في ضعف الإقبال عليه

الشيخ الدعيجي يوضح الفروق الجوهرية بين التأمين التكافلي والتجاري

TT

شدد متخصصون في التأمين وباحثون شرعيون على ضرورة أن توضح شركات التأمين القائمة أو التي في طور التأسيس، طريقة عملها وآلية تطبيقاتها وتعاملاتها مع الغير، ومعرفة ما إن كانت هناك شركات بالفعل يطلق عليها شركات تأمين إسلامية أم لا ؟

وأوضح الباحثون أن استمرار الجدل حول شرعية شركات التأمين وعدم وضوح المباح من العمل التأميني من عدمه ساهم بشكل كبير إلى قلة الإقبال على التأمين.

وقال لـ«الشرق الأوسط» فهد العنزي أحد المتخصصين في المجال التأميني إن شركات التأمين الموجودة حاليا، تمارس التأمين الذي اتفق علماء المسلمين على تحريمه، معللا ذلك بأنه لا يمكن لشركة التأمين أن تمارس نشاطها في السوق المحلي أو الإقليمي ما لم تكن متعاقدة مع شركات عالمية لإعادة التأمين، والذي يفتقد للجانب الشرعي وتمارس من قبل شركات عالمية مسيطرة على سوق التأمين عالميا، وأنه سبق طرح فكرة إنشاء شركة تأمين إسلامية خليجية لمنافسة الشركات العالمية، وأن هذه الفكرة لم يتم تطويرها لتكون على أرض الواقع.

وأضاف العنزي أن سبب عدم إقبال كثير من المواطنين والمقيمين على الجانب التأميني، هو عدم وضوح الرؤية الشرعية لموضوع التأمين، وعدم وجود هيئات شرعية معتمدة تراقب أداء شركات التأمين وتعاملاتها الداخلية والخارجية.

ويدعم قول العنزي رأي آخر للشيخ خالد بن إبراهيم الدعيجي الباحث الاقتصادي الإسلامي، وهو «أن الأصل في التأمين هو التحريم ولا يجوز إلزام الناس بنظام تأميني قائم على المعاوضة الربحية بين المؤمن والمؤمن عليه، والعلة في الغرر»، لكنه أجاز الدخول في التأمين للأفراد في حالتين مثل إذا كان التأمين تابعا في العقد غير مقصود أصالة فيه، كأن تقدم بعض الشركات التأمين لموظفيها على أنه ميزة فإن الإثم هنا على الشركة التي قدمت التأمين، أو التأمين على السلع، والحالة الثانية إذا كان التأمين تقتضيه الحاجة ويشترط لها: أن تكون حاجة حقيقية وليست وهمية، وأن لا يوجد تأمين تعاوني يقوم مقام التجاري كأن تلزم الدولة بالتأمين، أو أن تكون تكاليف العلاج الطبي في البلاد باهظة فإنه يجوز التأمين الطبي.

وحول وجود التأمين التعاوني الذي أباحه بعض الفقهاء المعاصرين، أكد فهد العنزي أن التأمين التعاوني أو التجاري حتى لو أخذ الصبغة الشرعية الإسلامية، فإنه لابد أن يرتبط بشركات (إعادة التأمين) التي تسيطر عليها شركات عالمية وهنا يقع التحريم، مشيرا إلى أن اللجان الشرعية التي أباحت التأمين سواء التجاري أو التعاوني لا تبحث في التطبيقات التي تمارسها شركات التأمين، وحتى لو وجدت مسميات إسلامية على شركات تأمين فإن إعادة التأمين شرط أساسي لاستمرار أية شركة كانت في سوق التأمين، وهذا ما قد يغيب عن بعض العلماء عند إباحة التأمين.

وأفاد العنزي أن الغموض الذي يكتنف الفتوى في التأمين وعدم وضوح الرؤية كاملة في التأمين، ساهما في ضعف الإقبال على التأمين باستثناء التأمين الإلزامي لقائدي المركبات ورخص القيادة. ويستدل على هذا الغموض هو تفاوت الفتاوى الشرعية كما حصل في الفتوى الصادرة من اللجنة الدائمة للإفتاء والتي ترى أن من يساهم في شركات التأمين عليه احتساب الأجر في الآخرة، وهو ما يتناقض مع فتوى هيئة كبار العلماء في السعودية والتي أباحت التأمين التعاوني وليس التجاري.

وحول المصطلحات التي ظهرت في الفترة الأخيرة وتطبقها بعض المصارف الإسلامية والشركات كالتكافل وغيره، أوضح الشيخ الدعيجي أنه بعد تحريم التأمين التجاري اجتهد المختصون من العلماء في إيجاد بدائل تفي بالغرض وتسد الحاجة، فظهرت فكرة التأمين التعاوني أو التكافلي، وهو ما أجازته جميع الهيئات الشرعية والمجامع الفقهية، مبينا أن هذا النوع من التأمين يقوم على فكرة أن الأعضاء المؤمن لهم دفعوا أموالهم تبرعا ويهدفون إلى التكافل والتعاون فيما بينهم.

وفرق الدعيجي بين التأمين التعاوني (التكافلي) والتأمين التجاري، بفوارق جوهرية منها: أن محفظة التأمين ليست مستقلة عن أموال الشركة في التأمين التجاري، وجميع ما يدفعه المستأمنون من أقساط التأمين تكون مملوكة للشركة، بخلاف شركات التكافل فإن محفظة التأمين فيها منفصلة تماماً عن أموال الشركة، وليست مملوكة لها، وأن عقد التأمين التجاري عقد معاوضة بين المستأمن والشركة، يدفع حامل الوثيقة بموجبه أقساط التأمين إلى الشركة، وتدفع الشركة إليه مبالغ التأمين، عند توافر الشروط، من أموالها المملوكة لها، أما شركات التكافل، فإن المستأمنين فيها يتبرعون بالأقساط إلى محفظة التأمين، وهي تتبرع إليهم بالتعويضات حسب شروطها، وأن الأرباح الحاصلة من استثمار الأقساط كلها مملوكة في التأمين التجاري للشركة بحكم كون الأقساط مملوكة لها، ولا حق للمستأمنين في هذه الأرباح. أما ما يستحقونه من مبالغ التأمين أو التعويضات عند الأضرار المؤمن عليها فإنما يستحقونه بحكم عقد التأمين، لا من حيث إنهم مساهمون في الاستثمار، بخلاف شركات التكافل، فإن أرباح الأقساط فيها ليست مملوكة للشركة، وإنما هي مملوكة لمحفظة التأمين المملوكة للمستأمنين. كما أضاف الدعيجي أنه لا يستحق المستأمنون في التأمين التجاري أية حصة في الفائض التأميني، فإنه بأسره مملوك للشركة، وهو الربح المقصود لها من وراء عمليات التأمين، أما في شركات التكافل، فالفائض كله مملوك للمحفظة، ويوزع كله أو جزء منه للمستأمنين، وكذلك أن شركات التأمين التجاري غالباً تستثمر أموال المستأمنين في السندات وفي العملات وفي الأسهم المحرمة كأسهم البنوك، بينما شركات التأمين التعاوني لا تستثمر أموالها إلا بما تجيزه لها هيئتها الشرعية، وأنه في التأمين التعاوني ليس هناك التزام بالتعويض إذ إن التعويض يصرف من مجموع الأقساط المتاحة، فإذا لم تكن الأقساط كافية في الوفاء بالتعويضات طلب من الأعضاء زيادة اشتراكاتهم لتعويض الفرق، وإلا كان التعويض جزئياً بحسب الأرصدة المتاحة، أما في التأمين التجاري فهناك التزام بالتعويض مقابل استحقاقها جميع الأقساط إذ لم يكن هناك تعويض.

وفيما يتعلق بإمكانية تطبيق تأمين تكافلي بين الدعيجي أنه توجد عدة محاولات في هذا المجال وأجيزت من قبل هيئات شرعية كأن تقوم مجموعة من المساهمين بتكوين شركة مساهمة تسمى شركة التكافل، أو تنشئ محفظة للتأمين وتطلب من طالبي التأمين (المستأمنين) أن يتبرعوا بأقساط التأمين لهذه المحفظة حسب اللوائح والأنظمة التي يتم إعلانها من قبل الشركة، كما أن الشركة لا تملك محفظة التأمين وأن دورها في إدارة المحفظة في إنشاء حساب مستقل لأموالها وعوائدها ومصاريفها والتعويضات المدفوعة منها وفوائضها.

وضرب الشيخ الدعيجي مثالا في تطبيقات التأمين التكافلي، وهي موجودة في باكستان وجنوب أفريقيا وتعتمد على أساس الوقف، بحيث تنشئ شركة التأمين الإسلامي صندوقا للوقف وتعزل جزءا معلوما من رأس مالها يكون وقفا على المتضررين من المشتركين في الصندوق حسب لوائح الصندوق، وأن يستثمر هذا الجزء المعلوم وتدخل أرباحه لصندوق الوقف الخيري، وصندوق الوقف لا يملكه أحد، ويشترك فيه الراغبون في التأمين بحسب اللوائح، وما يحصل عليه المشتركون من التعويضات ليس عوضا عما تبرعوا به وإنما هو عطاء مستقل من صندوق الوقف لدخولهم في جملة الموقوف عليهم حسب شروط الوقف.