أدب الخلاف

لاحم الناصر

TT

عندما كتبت في الأسبوع الماضي عن زكاة الأسهم وما يجب فيها وهل على من ملك أسهم شركة تزكي أموالها من زكاة كنت اعلم أنني أخوض في مسألة خلافية وأنني أسوق أقوالا لم يسمع بها الكثير من القراء ومرد ذلك لثقافة (الفتيا) التي يتبعها الكثير من المفتين وهي عدم ذكر الخلاف في المسألة المستفتى عنها والاكتفاء بذكر ما ترجح لدى المفتي، وذلك لاعتقاد المفتي أن أمر الخلاف في هذه المسألة لا يهم المستفتي. والحقيقة أن مثل هذا السلوك يسبب إشكالا لدى المستفتي بحكم كثرة قنوات التلقي هذه الأيام من إعلام مرئي ومسموع ومقروء فما قد يفتي به فلان قد يأتي مفت آخر فيفتي برأي مخالف له، وحيث إن المتلقي لم يكن لديه أي علم سابق بان هذه المسألة فيها خلاف فقد يؤدي به جهله بهذا الخلاف ومدى مشروعيته إلى التشكيك في الدين ووسيلة لتحلل البعض من ضوابط الشرع وأحكامه، كما أن المتلقي سيكون فريسة سهلة لأصحاب الآراء الشاذة والأهواء الضالة. إن عدم ذكر المفتي للخلاف الوارد في المسألة يساعد على نشر ثقافة أحادية الرأي وإلغاء الآراء الأخرى المعتبرة شرعا لدى المتلقي لاسيما مع ضعف ارتباط الناس في هذا العصر بالعلم ومصادره من الكتب وحلق الدرس وبالتالي لا يتعلم المتلقي أدب الاختلاف وكيفية التعامل مع الرأي المخالف ولعل هذه من أهم ايجابيات ذكر الخلاف الجاري في المسألة المستفتى عنها حيث يتعلم المستفتي من طريقة وأسلوب الشيخ المفتي كيفية التعامل مع المخالف ومسائل الخلاف، فالناس في مثل هذه المسائل تحتاج إلى القدوة الصالحة. وما انتشار التعصب المذهبي في العالم الإسلامي وما تبعه من تخلف فكري وجمود فقهي إلا بسبب إقصاء الرأي الآخر وعدم معرفة الناس بفقه الخلاف وأدب التعامل مع المخالف، فأصبح أتباع المذاهب مقلدين متعصبين لمشايخهم وأصبح العلماء المجتهدون محل سخط ونقمة العامة بسبب (التحريش) عليهم ممن يضيقون بالرأي المخالف القائم على الدليل الصحيح والبرهان الصريح، ولعل فيما تعرض له شيخ الإسلام ابن تيمية من إيذاء بسبب اجتهاده واختلافه مع علماء عصره خير دليل على ما يمكن أن يؤدي إليه التعصب الأعمى وإقصاء المخالفين حيث سجن رحمه الله مرات عديدة بوشاية من بعض علماء عصره المتعصبين.

* متخصص في المصرفية الإسلامية [email protected]