دراسة: 3 أطر قانونية وتنظيمية تواجهها المصارف الإسلامية عالميا

عدم التزام بعض البنوك بالتطبيقات الشرعية أبرز الملاحظات

TT

حذرت دراسة صادرة حديثا من المشكلات والتحديات التي قد تواجهها المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في ظل قوانين ونظم وأحكام المعاملات المالية السارية في البلاد التي تتم في عملياتها المصرفية.

وشددت الدراسة التي قدمتها البروفسورة أنكو ربيعة عدوية أستاذة مادتي الشريعة والقانون المدني في الجامعة الإسلامية العالمية في كوالالمبور خلال ندوة البركة الإسلامية التي أقيمت في جدة أخيرا، على ضرورة المراجعة والمراقبة المستمرة في كل المراحل التطبيقية للمصارف الإسلامية وفي كل نظمها وأدواتها وعقودها وإعادة صيغ قوانينها ووثائقها، إلى جانب تدريب الإداريين والعاملين في هذه المصارف على المبادئ والأسس الفقهية والشرعية المتعلقة بجوانب المعاملات الإسلامية، وينبغي أن يشمل التدريب جميع الموظفين من محامين ومراجعين ومحاسبين وقانونيين وغيرهم.

كما اقترحت الدراسة تعليم العملاء وتعويدهم على المعاملات التي يتعاملون بها مع مؤسسات مصرفية إسلامية، ويشمل ذلك المتطلبات والشروط المتضمنة في العقود، وتفضيل الرجوع إلى عملية التحكيم والصلح في فصل النزاعات القائمة على اللجوء إلى المحاكم والقضاء، وضبط وتنشيط الوثائق القانونية التي تضبط المعاملات مع الأسس والمبادئ الشرعية حتى نرضي جميع الأطراف المتعاملة ونتجنب الاتهامات التي يثيرها بعض المشككين في نزاهة المصارف الإسلامية. إلى جانب التأكيد على أهمية ألا «يطغي» البنك في طلب حقه مع العملاء الذين قد يمرون بحالة مالية صعبة في حال وقوع نزاع ما بين البنك الإسلامي والعملاء، وأن يراعي البنك مبدأ العدالة والإحسان في حق هؤلاء العملاء.

وشرحت الدراسة بالتفصيل الالتزامات القانونية والنظم السائدة التي تواجهها المصارف الإسلامية في مقر وجود البنوك والتي تخضع في الغالب لأحكام وتعليمات الجهات الرقابية والإشرافية، مؤكدة أن للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية التزام أصلي هو التقيد بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا يحصل طوعاً من قبل مالكي هذه المؤسسات، إذ تنص على هذا الالتزام نظمها الأساسية وعقود تأسيسها التي على أساسها يحصل الإسهام في المؤسسة.

وعددت الدراسة البحثية الخدمات المالية الإسلامية التي تختلف من بلد إلى آخر، والتي يمكن تقسيمها من حيث تعرضها للخدمات المالية الإسلامية ومشاركتها فيها إلى: بلدان بحد أدنى من التعرض للخدمات المالية الإسلامية والمشاركة فيها مثل الصين والهند، وبلدان بحد مقبول من التعرض للخدمات المالية الإسلامية والمشاركة فيها مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وسنغافورة، وبلدان بحد كبير من التعرض للخدمات المالية الإسلامية والمشاركة فيها مثل بروني وإندونيسيا، وبلدان بحد أكبر من التعرض للخدمات المالية الإسلامية والمشاركة فيها مثل ماليزيا والإمارات والبحرين.

وقالت الباحثة إن من أهم تحديات المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، هو تطوير الخدمات المالية الإسلامية والتقيِد بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها مضمونا وليس شكلا فقط، وينبغي أن يكون هذا التقيد في جميع معاملاتها وأحوالها بما في ذلك الخصومات والمطالبات القانونية، وأنه ينبغي للخدمات المالية الإسلامية فضلا عن ذلك أن تكون قابلة للتطبيق الاقتصادي التجاري، بحيث تنتج الأرباح وتحقق النمو القابل للمقارنة للمنافسة بالخدمات المالية التقليدية، وهذا لا يتحقق إلا بالتزام المؤسسة بالقوانين والنظم السارية في البلاد. ويسود المصارف الإسلامية ثلاثة أنواع من الإطارات القانونية النظامية وهي: الإطار القانوني والقضائي التقليدي الصرف الذي لا يقنن ولا ينظم ولا يسمح بأي نظام خاص للخدمات المالية الإسلامية، والإطار القانوني والقضائي التقليدي، الذي يسمح بتقديم خدمات مالية إسلامية من خلال سن قوانين خاصة لتنظيم هذه المؤسسات، والإطار القانوني والقضائي الذي يلتزم الشريعة الإسلامية في تنظيمه لهذه المؤسسات المالية.

وتواجه التطبيقات المصرفية الإسلامية في الإطار الأول مشاكل كثيرة منها: عدم الاعتراف القانوني بالمؤسسات المالية الإسلامية بوصفها بنوك ومؤسسات مصرفية، وأن القوانين المالية والمصرفية في هذا الهيكل القانوني مستمدة من القانون المدني الوضعي (civil law) أو القانون الانجليزي القديم المعروف بالقانون العام (common law)، وهذه القوانين تعّرف العمل المصرفي على أنه عملية الوساطة المالية عن طريق الادخار والإقراض والاقتراض بفرض رسوم أو فوائد ربوية، وهذا الهيكل القانوني لا يعترف بالمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية التي تقوم على التجارة والاستثمار ولا يُدخلها في التعريف القانوني للبنوك والمصارف المالية، إلى جانب أنه في نظر هذه الدول تعد مؤسسات مالية إسلامية تجارية ذات أهداف ضريبية، ما يؤدي إلى عبء ضريبي كبير على هذه المؤسسات نتيجة عملياتها التجارية والاستثمارية، وهو ما يجعل المؤسسات المالية الإسلامية ـ في نظر هذا الهيكل القانوني ـ غير قابلة للتطبيق اقتصادياً بسبب غلاء مصروفاتها التشغيلية، لاسيما إذا قورنت بالخدمات المالية التقليدية.

أما المؤسسات الإسلامية العاملة في الإطار الثاني وهو القانوني والقضائي التقليدي العام مع بعض من التنظيمات والتعليمات المتعلقة بالمؤسسات المالية الإسلامية، فإنها تواجه مشكلات كثيرة، غير أنها أقل مما تواجهه في المجال القانوني الأول. ولا شك أن وجود النظم والقوانين المنظمة للخدمات المالية الإسلامية سييسر عملية إقامة المؤسسات المالية الإسلامية وترخيصها قانونياً كبنوك ومصارف تخضع لمبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها. فهذا الاعتراف القانوني سيفيد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية من تخفيف العبء الضريبي عنها بأن لا يكون أثقل من المصارف والمؤسسات المالية التقليدية، وهو ما يطلق عليه في بعض المناطق بالتساوي الضريبي (tax-neutrality)، وهذا التساوي يمكن هذه المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية منافسة عادلة للمصارف والمؤسسات المالية التقليدية.

وأوضحت الباحثة أنه على الرغم من ذلك، فإن هذه القوانين والنظم الرقابية في كثير من الأحيان، كانت تركز على الإجراءات فقط، ولا تنصّ على الأحكام التفصيلية لتطبيق المعاملات المالية الإسلامية. وفي كثير من الأحيان تؤخذ الأحكام التفصيلية للمعاملات المصرفية الإسلامية من القرارات والفتاوى التي أخرجها مجلس الرقابة الشرعية أو المستشار الشرعي واللجنة الشرعية في البنوك الإسلامية. وفي بعض المناطق، توجد هيئة الرقابة الشرعية المركزية لرقابة عمليات المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وإخراج القرارات والفتاوى المتعلقة بالمعاملات المصرفية الإسلامية.

وتطرقت الدراسة إلى أن الإشكال يبقى مطروحا عند وقوع نزاع أو خصومة، ذلك أن الأمر يحال إلى المحاكم المدنية الوضعية للقضاء والفصل بدل المحاكم الشرعية، لأن المحاكم الشرعية لا تملك ولاية قضائية على المعاملات المالية والمصرفية. ولذلك تصير الأمور إلى نفس المآل الذي تصير إليه المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في البيئة القانونية الوضعية التي تم ذكرها في السابق، من حيث أن القرارات والأحكام التي تصدرها المحاكم المدنية الحقوقية قد لا تضع في الاعتبار مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها، بل قد تكون القرارات القضائية أحيانا مضادة للشريعة الإسلامية المطهرة. وذلك لأن الحكّام والمحامين غير مكونين تكوينا شرعيا يؤهلهم لمعرفة أحكام الشريعة ومبادئها. والذي يزيد من تفاقم المشكلة إدراج بعض القوانين العامة للبلاد ضمن المعاملات المصرفية والمالية الإسلامية، مثل قانون العقود، وقانون قرض الاستملاك، وقانون الأراضي، وقانون الشركات، وقانون الإجراءات وغيرها من القوانين المدنية الأخرى. فكل هذه القوانين لا تشرع وتسنّ للعمل بموجب الشريعة الإسلامية بل توضع لتطبيق القوانين الوضعية المدنية أو العامة. وهذه القوانين لا تدعم المعاملات المصرفية والمالية الإسلامية ولا تستطيع أن توفي بمتطلباتها. وعند وقوع التعارض والتناقض بين هذه القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية لا يوجد نص صريح يغلّب مصرف على آخر.

وقد ظهرت هذه المشكلات المتعلقة بالإطار الثاني في قضايا عدة رفعت إلى المحاكم المدنية المخولة بالقضاء في نزاعات المعاملات المصرفية المالية الإسلامية. أما الإطار الثالث وهو القانوني والقضائي الإسلامي العام فقد أوضحت الباحثة أنه لا توجد مشاكل كثيرة من حيث توافق المعاملة المصرفية بالشريعة الإسلامية ومبادئها، ولكن المشكلة الوحيدة التي تمسّ المؤسسات المالية الإسلامية ومعاملاتها المصرفية هي إدراك الناس لأحكام المعاملات الإسلامية الذي ساده الغموض، بحيث لم يعلمها أو يتوقّعها أطراف الخصومات إلا بعد قضاء القاضي، وإصدار الأحكام. وسبب هذا عدم وجود قوانين تبين الأحكام التفصيلية للمعاملات المصرفية والمالية الإسلامية الحديثة. وعند النزاع والخصومة ترجع الأمور إلى المحاكم الشرعية، فيقضي القاضي حسب فهمه واستقرائه لما قاله الفقهاء القدماء والمعاصرون في كتب الفقه. ويزيد المشكلة تعقيدا عدم تنظيم وتدوين التقارير القضائية التي حكم فيها القضاة السابقون، وعدم بيان جميع إجراءاتها والأحكام الصادرة فيها والأسباب الشرعية للقرار والأحكام القضائية، فلا يستطيع الناس مراجعتها والبحث عنها بسهولة. وفضلا عن ذلك فإن قرارات القضايا السابقة المفصولة في المحاكم الشرعية لا تعتبر ملزمة للقضايا الحادثة.

فهذه الأمور قد تؤدي إلى ارتباك الأطراف المتعاقدة التي لا معرفة لها بالقوانين والإجراءات القضائية في هذه البلدان الإسلامية. وهو ما يجعل بعض الأطراف فيما يتعلق بالعقود والمعاملات المالية الإسلامية يرفضون اللجوء إلى الولاية القانونية والقضائية في هذه البلدان لاسيما في معاملات مالية دوليّة، ويختارون اللجوء القانون المدني أو القانون العام.