الهيئات الشرعية وإجازة المنتجات

TT

يجهل الكثيرون ممن يتعاملون مع المنتجات المصرفية الإسلامية سواء في المصارف الإسلامية أو عبر النوافذ والفروع الإسلامية في المصارف التقليدية الآلية والمراحل التي مرت بها هذه المنتجات حتى أصبحت في صورتها النهائية حيث، يعتقد بعض العملاء ان هذه المنتجات تقدم إلى الهيئة الشرعية جاهزة وان دور أصحاب الفضيلة أعضاء هذه الهيئات يقتصر على التوقيع عليها، ولا شك ان في هذا الاعتقاد تجنيا على الهيئات الشرعية وغمطا لحقها وجهلا بآليات عملها، واليكم الحقيقة من رجل عمل مع هذه الهيئات الشرعية عن كثب ولمدة عشر سنوات قضيتها في عمل متواصل مع هذه الهيئات الشرعية وفي مؤسستين ماليتين مختلفتين؛ وسأقوم بشرح الآلية التي تمر بها المنتجات المصرفية الإسلامية قبل إجازتها من الهيئة الشرعية، وهذه المنتجات إما ان تكون نمطية كاتفاقية فتح الحساب، فهذه تتم دراسة الاتفاقية من قبل الهيئة الشرعية والنظر فيها من حيث انضباطها الشرعي وعدم احتوائها على أي مواد لا تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية والنظر فيها من جهة اللغة العربية، بل انني كثيرا ما رأيت أصحاب الفضيلة ممن يجيدون اللغة الإنجليزية يستدركون على المترجمين بل ويصححون النسخة الإنجليزية كما أنهم ينظرون فيها من الجهة القانونية، خصوصا ان بعضهم من القضاة وكثيرة هي الحالات التي كانت رؤيتهم القانونية واستدراكهم في محله، اما إن كان المنتج جديدا فإنه يمر بدورة إنتاج إلى ان يتم إخراجه في صورته النهائية التي يتم عرضها على العميل وهذه الدورة الإنتاجية تتمثل فيما يلي:

اولا: مرحلة الفكرة حيث يتم عرض فكرة المنتج على الهيئة الشرعية وبيان الأساس الشرعي الذي تقوم عليه وعرض لهيكلها، وفي هذه المرحلة تقوم الهيئة الشرعية بالدراسة والفحص لما تم تقديمه من حيث صحة الأساس الشرعي الذي تقوم عليه الفكرة ومن حيث هيكل المنتج ودورته التي يمر بها ومدى توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية، وفي هذه المرحلة التي قد تطول لعدة جلسات وفي بعض الأحيان تطلب الهيئة عقد ورش عمل والاستعانة بمتخصصين من خارج المؤسسة المالية للاستماع لوجهة نظرهم، بحيث يتم عرض حقيقة الفكرة من وجهة نظر محايدة؛ وفي هذه المرحلة تظهر خبرات أصحاب الفضيلة أعضاء الهيئة الشرعية وتمكنهم الشرعي والمصرفي، حيث يقومون بالشرح والتعديل واقتراح البدائل في حال وجود تعارض في بعض أجزاء الفكرة مع الشريعة الإسلامية. وهنا نرى الدور الفاعل لأصحاب الفضيلة حيث يتميزون بالتفاعل والايجابية والبحث عن الحلول؛ فهم ليسوا سلبيين في مواقفهم بحيث يقتصر دورهم على التحريم أو الإباحة، وهم في كل ذلك يحتسبون الأجر من الله في التيسير على الأمة والبحث عن حلول مالية تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ وفي هذه المرحلة يظهر الخلاف الفقهي بين أصحاب الفضيلة أعضاء الهيئات الشرعية؛ فقد يكون القرار بالإجماع أو بالأغلبية مع تحفظ الآخرين وهنا تظهر رحمة الإسلام وسعته.

ثانياً: مرحلة التوثيق وتأتي هذه المرحلة بعد إقرار الهيئة الشرعية لفكرة المنتج وهيكله، فتقوم المؤسسة المالية بتحرير المستندات والنماذج اللازمة لهذا المنتج ومن ثم عرضها على الهيئة الشرعية لإقرارها؛ حيث تقوم الهيئة بدراستها دراسة مفصلة والتأكد من ان هذه النماذج والمستندات تغطي جميع المراحل التي يمر بها المنتج واستكمال النقص في المستندات والنماذج ان وجد، وتقوم بعض الهيئات الشرعية بمراجعة السياسات والإجراءات الخاصة بالمنتج إما بكامل أعضائها أو بتكليف اللجنة التنفيذية للهيئة الشرعية والمكونة من بعض أعضائها بهذه المهمة. ومن هذا الشرح الموجز يتبين لنا الدور الكبير الذي تقوم به الهيئات الشرعية وانها ليست هيئات للمصادقة والتوقيع فقط؛ والحقيقة ان الكثير من التطور الذي مرت به أدوات الصيرفة الإسلامية لم يكن ليحصل لولا الجهود التي بذلها ولا زال يبذلها أصحاب الفضيلة أعضاء الهيئات الشرعية مع الفنيين في المصارف. فهل نعي هذا الدور العظيم الذي تقوم به الهيئات الشرعية ونعطيها ما تستحق من التقدير وان نكف عن الحديث فيما لا نعلم؟

* خبير في المصرفية الإسلامية [email protected]