لندن تتطلع لتعزيز مركزها في قطاع المصرفية الإسلامية

السلطات البريطانية تعد لتشريعات لجذب رؤوس الأموال في المراكز المنافسة

TT

تستعد هذا الشهر العاصمة البريطانية، لندن، لاستضافة مؤتمر دولي كبير (الأول من نوعه في العالم الغربي) حول الصرافة الإسلامية، وبالتحديد: فكرة الصكوك، كنوع من السندات الإسلامية التي لا تعتمد على «الفائدة». ولا شك أن لندن تعتبر العاصمة الغربية الأولى للصرافة الإسلامية، بل يعتقد البعض أنها أصبحت في السنوات الأخيرة تنافس بعض الدول الإسلامية مثل البحرين ودبي وماليزيا. وتسعى لندن بحماس لأن تحافظ على مكانتها هذه وتثبتها بحيث تصبح بلا منازع. وربما أقوى دليل على ذلك قرار الحكومة البريطانية مؤخراً بأن تمنح اعفاءات ضريبية على الصكوك، وهو ما اعتبره الخبراء الماليون في لندن أهم اجراء تتخذه السلطات البريطانية لتشجيع نمو المصارف الإسلامية وجذب رؤوس الأموال الخليجية التي تضاعفت بفعل أسعار النفط المرتفعة. كما أن الجالية الإسلامية داخل بريطانيا نفسها (غالبيتها من الآسيويين) أيضا تنمو بسرعة في أعدادها وفي ثروتها. وقد تحمس لهذا الاجراء عمدة لندن، كين ليفنغستون، الذي قال إنه من الناحية الأخلاقية لا بد أن نسمح للناس بممارسة التجارة والصرافة وفق معتقداتهم الدينية، ومن الناحية العملية فإن هذه الخطوة تفيد لندن بدرجة كبيرة لأنها ستجذب كثيراً من رؤوس الأموال الخليجية إلى لندن. ومن جانبه قال جون ستوتر، عمدة حي المال (البورصة) إن هذا الإجراء يعزز دور لندن كمركز مالي إسلامي عالمي، خصوصاً أنها بالفعل نجحت في استيعاب الأدوات المالية الإسلامية ودمجها في المؤسسات المالية الكبرى. ومن المقرر أن يحضر المؤتمر، الذي تنظمه الحكومة البريطانية مصرفيون من البنوك المركزية والبنوك الاستثمارية الدولية في أوروبا والعالم العربي واليابان وماليزيا.

وكانت الحكومة البريطانية قد أعدت تشريعات تسمح للشركات المالية البريطانية باعتبار الصكوك مثل السندات التي تُخصم فوائدها من أرباح الشركة قبل حساب الضريبة. أي أن الشركات البريطانية تستطيع خصم الفائدة (التي تدفعها على السندات) من أرباح الشركة بحيث لا تدفع على هذه المبالغ ضريبة ـ في حين أن المبالغ التي تُدفع على الصكوك لا تُخصم من أرباح الشركة باعتبارها ليست «فائدة» (ربا). والمعروف طبعاً أن الأرباح التي تُدفع على الصكوك تأتي من نشاط استثماري وليس من «سعر الفائدة» بالمفهوم الغربي.

ومما لا شك فيه أيضاً أن الإجراء البريطاني الجديد سيدّعم موقف لندن في منافستها مع نيويورك كعاصمة مالية للعالم. ووفقا لقوانين غالبية الولايات في الولايات المتحدة الأميركية، فإن الصكوك الإسلامية غير مسموح بها، خصوصاً في ظل المناخ العدائي لكل ما هو إسلامي منذ أحداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001. وقد نصح أحد الأكاديميين الأميركيين الإدارة الأميركية بعدم الخلط بين «التمويل الإسلامي» و«تمويل الإرهاب»، مشيراً إلى أن هذا الخلط في المفهوم الأميركي يعرقل تطور قطاع الصرافة الإسلامية داخل الولايات المتحدة.

وفي هذا الصدد قالت صحيفة الـ«فينانشيال تايمز» البريطانية المتخصصة في الشؤون المالية، إن قطاع الصكوك الإسلامية قد نمى بدرجة كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية، من لا شيء تقريباً إلى نحو 70 مليار دولار حالياً. وأضافت أن هذا الرقم يبدو كبيراً لكنه لا يمثل الا كسراً صغيراً من حجم الأموال المستثمرة في سندات الخزانة الأميركية. لكنها شددت على أن سرعة النمو في القطاع الإسلامي كانت هائلة خلال السنوات القليلة الماضية التي تزامنت مع أحداث سبتمبر ومع ارتفاع أسعار النفط منذ غزو العراق. وقالت أيضا إن رؤوس الأموال الفائضة من نفط الخليج تبحث عن أدوات استثمارية تحقق لها الربح وفي الوقت نفسه لا تخالف تعاليم الدين الإسلامي.

ويبدو أن لندن تدرك الإغراءات التي تقدمها لرؤوس الأموال الإسلامية. فهي عاصمة مالية كبيرة ـ الأكبر في أوروبا ـ ولا تنافسها في العالم الا نيويورك. لكن الكفة ترجح لندن عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات الإسلامية. وربما كان هذا هو السبب في اختيار شركة «الدار» العقارية الإماراتية في فبراير (شباط) الماضي بورصة لندن لكي تطرح فيها أول صكوك للشركة بقيمة مليار دولار، وقد ارتفعت هذه الصكوك اليوم لتصل إلى 2.5 مليار دولار. وتأمل البورصة في أن تجذب تجربة «الدار» شركات ومؤسسات عربية أخرى نحو الاستثمار في لندن. وفي هذا الصدد قال جون غيغولين، مدير بنك الاستثمار الإسلامي الأوروبي ـ الذي يتخذ من لندن مقراً له ـ إن التشريعات الجديدة ستحدثُ وقعاً كبيراً على نمو الاستثمارات المالية الإسلامية في لندن. فبالاضافة إلى كونها أكبر سوق مالي في أوروبا، فهي زمنياً تقع بين نيويورك وطوكيو، وتتخلف عن الدول العربية بفارق ساعات بسيطة. وبالطبع لا ننسى أن بها جيشاً من الخبراء الماليين وتقاليد قديمة في الرقابة والتشريعات المالية، بالاضافة إلى وجود فروع لجميع البنوك الدولية والمؤسسات المالية حول العالم. ولم تقتصر التسهيلات التي قدمتها الحكومة البريطانية للصرافة الإسلامية على الاعفاء الضريبي في الصكوك وحسب، بل لغت الحكومة الضريبة المزدوجة التي كانت تفرضها على القروض العقارية الإسلامية (وهي القروض التي يحصل عليها الأفراد لشراء مساكنهم). ويقضي النظام الاسلامي بأن يشتري البنك العقار ثم يبيعه بسعر أعلى للمشتري ـ في شكل «عقد ايجار تملكي». لكن النظام البريطاني كان يعتبر هذه الطريقة تنطوي على عمليتي بيع، من ثم يفرض الضريبية عليها مرتين ـ عندما يشتري البنك العقار، ثم عندما يشتريه منه الساكن. غير أن الحكومة ألغت الضريبتين وفرضت بدلهما ضريبة واحدة تعادل الضريبة المدفوعة على بقية العقارات في بريطانيا.

تطور الصرافة الإسلامية في بريطانيا: تقول صحيفة «الفينانشيال تايمز» إن ما حدث في السنوات الخمس الأخيرة شيءٌ لا يُصدق. فمن كان يتوقع قبل 10 سنوات أن الصرافة الإسلامية ستنمو بهذه السرعة في الغرب. وقد لفتت هذه السرعة انتباه عدد من المؤسسات المالية الغربية التي اصبحت كلها تسعى إلى إنشاء قسم فيها للمداولات الإسلامية ـ وذلك خوفاً من أن يفوتها سوق ناشئ كسوق الصرافة الإسلامية. غير أن هذه السرعة أيضاً تثير مخاوف البعض من الذين يعتقدون أن تشريعات إضافية لا بد أن تُسن لكي تواكب نمو الصرافة الإسلامية في بريطانيا. ويشير ألكسندر ليز، أحد أعضاء مجلس الإدارة في مؤسسة «أوليفر ويمان» الاستشارية المالية، إلى أن رؤوس الأموال التي تُدار وفق النظم الإسلامية تُقدر حالياً بنحو 300 مليار دولار، بينما يبلغ عدد المؤسسات المالية التي فتحت فروعاً إسلامية أكثر من 280 مؤسسة تشمل البنوك الاستثمارية والتجارية وصنادق الاستثمار. وتتوقع مؤسسة «ستاندر اند بورز»، التي تقيّم أداء الشركات المالية، أن ينمو قطاع الصكوك من 70 مليار دولار حالياً إلى 160 ملياراً بنهاية هذا العقد (أي خلال 3 سنوات). وقالت المؤسسة إن الصرافة الإسلامية تتحول بسرعة من سوق هامشي في بريطانيا إلى جزء من السوق الأساسي. وأضافت أنه على الرغم من أن الصرافة الإسلامية تمثل 1% فقط من حجم الأموال في الأسواق المالية الدولية، فهي تنمو بسرعة ويُتوقع أن يستمر هذا النمو بنفس السرعة لسنوات عديدة قادمة. وفي هذا الصدد قال نبيل شعيب، رئيس قسم «أمانة» في بنك «أتش أس بي سي» البريطاني، إن الصرافة الإسلامية ستتمكن خلال 8 أو 10 سنوات من الاستحواذ على نصف مدخرات الـ 1.6 مليار مسلم حول العالم. ومن جانبها عزت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» نمو الصرافة الإسلامية بهذا الشكل خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى سببين رئيسيين: الأول، أحداث 11 سبتمبر التي دفعت كثيراً من المسلمين نحو التمسك بهويتهم، فضلا عن نقل أموالهم بعيداً عن المصارف الأميركية. والثاني، الارتفاع الكبير في أسعار النفط، مما خلق ثروة فائضة كبيرة في الشرق الأوسط. ويُلاحظ أن السبب الثاني نفسه يرتبط بظروف سياسية لا تبتعد كثيراً عن أحداث سبتمبر و«الحرب على الإرهاب».

وقد شهدت السنوات الخمس الأخيرة ليس فقط توسعاً في حجم الصرافة الإسلامية في بريطانيا، بل توسعاً ايضا في نوع وعدد «المنتجات المالية» الإسلامية بحيث اصبح هناك مرادفٌ إسلامي لكل معاملة مالية غربية ـ تقريباً. وقالت الصحيفة إن الصرافة الإسلامية كانت تنحصر قبل خمس سنوات فيما يشبه بنك الراجحي في المملكة العربية السعودية حيث يستطيع البنك تقديم تمويل بأسعار منخفضة لأنه في المقابل ينعم بمودعين لا يطالبون بأرباح (أي، فائدة) على ودائعهم باعتبار ذلك ربا. أما اليوم فقد اصبحت هناك «نسخة إسلامية» لغالبية التعاملات في الأسواق المالية كالسندات والأسهم وأوراق الخزانة وحتى التعاملات فيما يُعرف بالأسواق الآجلة». وفي هذا الصدد قال سايروس أردلان، رئيس قسم الأسواق الناشئة في بنك باركليز إن «كل المنتجات والأدوات المالية التقليدية في النظام الغربي أصبحت تُعدّل بسهولة لايجاد صيغة إسلامية لها».

مشاكل الصرافة الإسلامية: غير أن بعض المصرفيين الإسلاميين يتشككون في هذا الأسلوب، ويعتقدون أن الصرافة الإسلامية بهذه الطريقة تصبح مجرد مرآة تعكس صورة لنفس الأدوات والأنظمة المالية الغربية (مع تعديلات بسيطة)، بدلا من أن تبتدع أسلوبها الخاص.. مثلما فعل الغرب لنفسه. كما أن بعض المتشككين من غير الإسلاميين يعتقد أن التشريعات المالية الحالية في بريطانيا غير كافية للرقابة على المنتجات المالية الإسلامية الجديدة التي دائماًً تجد لنفسها استثناء بحجة «التعاليم الدينية». ويشير هؤلاء أيضاً إلى «ثقافة عدم الشفافية» التي تنتشر بين المؤسسات المالية الإسلامية في الشرق الأوسط. وأخيراً، فهم يحذرون من أن تاريخ السوق المالي في بريطانيا مليء بالتجارب المشابهة التي يتحمس فيها البعض لسوق جديد ناشئ، ثم بعد فترة وجيزة تنفجر الفقاعة. ويقولون أيضاً، إن الانتعاش الحالي في السوق الإسلامية ربما لا يعدو أن يكون جزءاً من الانتعاش في الأسواق المالية بشكل عام. وكما وصف حالة السوق أحدُ المستثمرين بقوله إن «السوق في حالة فوران منذ فترة، بحيث أنك لو طرحت أي شيء للبيع ستجد من يشتريه».

وهناك مشكلة أخرى تواجه الصرافة الإسلامية في بريطانيا (وربما في الدول الإسلامية بشكل عام) وهي تعدد التفاسير للتعاليم الدينية، بحيث تتعدد المدارس والآراء، ومن ثم يصعّب البت فيما اذا كان منتجٌ ماليٌ جديد يخالف الشريعة أم لا. ونتيجة ذلك أن بعض البنوك الإسلامية تقبل معاملة مالية معينة، بينما يرفضها بنك آخر باعتبارها مخالفة للشرع. وقد دفعت هذه الخلافات عدداً من البنوك لأن يضيف رجل دين إلى عضوية مجلس إدارة البنك. وفي بعض الأحيان يتعرض رجل الدين هذا إلى ضغوط كبيرة لكي يفتي في اتجاه معين يخدم مصلحة البنك. وبالطبع، على عكس ذلك فإن القوانين الوضعية التي تحكم الأسواق الغربية تكون محددة ودقيقة ولها تفسير واحد ينطبق على الجميع، ويحق لجهة واحدة فقط تفسيره (الدولة) ـ فضلا عن كونها قوانين حديثة تتجدد كل يوم مع تطور السوق دون أن تقيدها نصوص تاريخية. غير أن كثيراً من المصرفيين الإسلاميين يتطلعون إلى تجربة ماليزيا حيث يُوجد «مجلسٌ قومي للشريعة» تابع للدولة، وهو الذي يفتي في الشؤون المالية وليست البنوك منفردة. ويقول المحللون إن عدم توحيد المعايير في الصرافة الإسلامية لا يزال العقبة الأساسية، لذا فإن التوحيد في الفكر والتطبيق يمكن إن يؤدي إلى توسع هذا القطاع بدرجة أكبر كثيراً مما هو عليه الآن، بل مع الوقت قد يفتح الباب أمام الصرافة الإسلامية للعب دور دولي.

ومن الانتقادات القوية أيضاً للصرافة الإسلامية أنها لا تطبق روح الشريعة الإسلامية بل تطبق قشورها فقط. فتحريم الربا يقوم على أساس أن الفائدة سعرٌ ثابت على التمويل، بينما ينبغي أن يكون مرتبطاً بالمشاركة في الربح والخسارة، من ثم متغيراً. ويقول محمد سالم، وهو مصرفي دولي ومؤلف كتابBanking: A $300 billion Deception، إن 5% فقط من التعاملات المالية الإسلامية تتم وفق فكرة المشاركة في الربح والخسارة، أما غالبية التعاملات فتتم عبر المرابحات. وأضاف أن المرابحة في معظم المصارف الإسلامية تُحسب كالآتي: (التكلفة + ربح يُحدد سلفاً)، مشيراً إلى أن هذا الربح يعادل تقريباً سعر الفائدة في البنوك العلمانية، بل ان بعض البنوك الإسلامية تستخدم سعر الفائدة «كمؤشر» لتقدير الربح الذي ستستخدمه في المرابحات. وتساءل ما اذا كان التقارب الشديد بين معدل «الربح» الإسلامي ومعدل «الفائدة» العلمانية مجرد صدفة. وأضاف أن فكرة المرابحة الحقيقية في تاريخ الإسلام كانت تتم في حالة تجارة السلع الملموسة، أما اليوم فأن تُطبّق هذه الفكرة على المعاملات المالية وأن يُستخدم فيها معدلٌ للربح المحسوب سلفاً، فهذا يقترب كثيراً من فكرة سعر «الفائدة» في البنوك الغربية، حتى وإن غلفناها بأسماء إسلامية. ومثالٌ آخر هو القروض العقارية حيث تمنحك البنوك الغربية قرضاً لشراء المنزل، ثم تدفع لها أنت فائدة شهرية على هذا القرض. أما في حالة البنوك الإسلامية فهي تشتري لك المنزل (بدلا من أن تمنحك قرضاً)، ثم تطالبك بدفع ايجار شهري (على المنزل بدلا من دفع فائدة على القرض). لكن المصادفة الثانية هي أن ايجار المنزل يعادل تقريباًً المبلغ الذي تدفعه شهرياً كفائدة للبنوك العلمانية.

ويقول البعض إن على الصرافة الإسلامية أن تبتعد عن محاكاة المنتجات الغربية «حتى وإن كانت في لباس إسلامي»، وأن عليها أن تقترب من روح الدين وتشق لنفسها طريقاً خاصاً بها. وأوضح سالم أنه من مفارقات القدر أن تكون هذه الروح منتشرة في الولايات المتحدة أكثر من أي مكان آخر في العالم الإسلامي، لأن الولايات المتحدة تشتهر بما يُعرف باسم «رأس المال المغامر» venture capital حيث تخصص البنوك وشركات التمويل مبالغ كبيرة لتطوير الاختراعات والأفكار المبُتكرة وتحويلها إلى واقع ثم إلى صناعة. وعادة ما تكون صيغة العقد بين المموّل وصاحب الاختراع أو الفكرة 50% لكل طرف ـ أي المناصفة في الربح أو الخسارة. ولا شك أن هذه الطريقة أقرب إلى روح الإسلام التي تعتمد على المشاركة في الربح والخسارة، وليس على معدل الربح المحسوب سلفاً. كما أن اسلوب «رأس المال المغامر» كان دائماً في تاريخ الغرب صاحب الدور الأكبر في تطور المجتمعات وخلق صناعات جديدة وايجاد مئات الآلاف من فرص العمل. فبهذه الطريقة قامت صناعات ضخمة في الولايات المتحدة كانت بدايتها مجرد فكرة صغيرة، مثل شركات الكومبيوتر والإنترنت والتكنولوجيا (HP, Cisco, Intel, Sun Micro Systems, Apple, Netscape, Ebay, Google ) التي تحولت الآن إلى صناعات هائلة توظف ملايين البشر حول العالم. وتنفق بيوت التمويل في الولايات المتحدة، بل حتى الأفراد الأثرياء، أكثر من 25 مليار دولار سنوياً لتمويل العلماء وأصحاب الأفكار الجديدة. ومنذ منتصف القرن السابع الميلادي وحتى القرن الحادي عشر كان العالم الإسلامي هو الرائد في تطوير الصناعات والعلوم والتكنولوجيا. ومن يعرف تاريخ تلك الحقبة يعرف أيضاً انها اشتهرت بسخاء الحكام وباستخدام نفس اسلوب «رأس المال المخاطر» في تمويل المشاريع العلمية وتطويرها وتحويلها إلى مشاريع تجارية مربحة. وفي المقابل يرى البعض أن تطور الصرافة الإسلامية الحديثة ـ في السنوات الثلاثين الأخيرة ـ لم تفض إلى أي أثر ملموس في حياة المجتمعات الإسلامية، وقطعاً لا مساهمة لها تذكر في المجتمع الدولي، ولا العلمي أو التجاري أو الصناعي، بل كل ما تقوم به هو الاجتهاد في خلق «نسخة إسلامية» من نظام مصرفي علماني، ثم تغلفه بلغة إسلامية.