الصيرفة الإسلامية.. رؤية من خلال الإعلان

TT

غريب هو عنوان هذا المقال، لعل هذا هو أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم، فما المقصود بهذا العنوان والى أين يريد أن يصل الكاتب في الحقيقة أن ما دعاني إلى كتابة هذا المقال هو ما رأيته من انفصام بين الصيرفة الإسلامية كنظام اقتصادي مستمد من الشريعة الإسلامية وبين طريقة الترويج لهذه الصناعة عبر الإعلان، حيث نجد أن الكثير من إعلانات هذه الصناعة تخالف في شكلها وحقيقتها والوسيلة المعلن فيها أحكام الشريعة الإسلامية التي يزعم المعلن ان منتجه أو مؤسسته ملتزمة بأحكامها، فمن حيث الشكل فقد حرم الإسلام خروج النساء متبرجات أمام الرجال، كما حرم الموسيقى وكل ذلك ظاهر في كثير من الإعلانات المصاحبة للكثير من منتجات المصرفية الإسلامية، كما ان اختيار الوسيلة المعلن فيها مهم جدا، فلا يصح شرعا ومن غير المقبول أخلاقيا، أن يتم الإعلان عن خدمات أو منتجات الصيرفة الإسلامية في قنوات إعلامية هابطة كقنوات الموسيقى والأفلام ولعل من المضحك المبكي، أن أحد البنوك الغربية الرائدة في تقديم الخدمات الإسلامية أخذ في الإعلان عن خدماته الإسلامية عبر إحدى قنوات الأفلام الغربية المشهورة، والحقيقة أن الكثيرين ممن شاهدوا هذا الإعلان استهجنوه، واعتبروا ان فيه إساءة للمبدأ الذي قامت عليه هذه الصناعة، وهو الشريعة الإسلامية ورأوا ان هذه المؤسسة اتخذت عبارة الشريعة الإسلامية لبيع منتجاتها وليست ملتزمة حقيقة بها، فكما يقال «الخطاب من عنوانه»، وإلا كيف نفسر هذا السلوك المخالف للمبدأ الذي تقوم عليه هذه الصناعة، وهو الشريعة الإسلامية التي حرمت هذا العمل، هذا من حيث شكل الإعلان والوسيلة الإعلانية المستخدمة، أما من حيث المضمون فإن الكثير من مضامين الإعلانات التي تستخدم للترويج لمنتجات هذه الصناعة، لا تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية من حيث وجوب عدم احتوائها على الكذب أو الغش أو التدليس فتجد أن هذه الإعلانات تظهر المنتج بمظهر الحل المثالي والسريع لجميع مشاكلك المالية التي تعاني منها، وعندما يتقدم العميل للمؤسسة المالية طالبا التمويل بهذه الأداة أو تلك، تبدأ هذه المؤسسات بعرض متطلباتها وكثيرا ما يكون العميل ضحية لهذه الإعلانات بسهولة التمويل وسرعته، فتجده في النهاية يقبل بجميع الشروط المجحفة بحقه، بل ان الكثير من هذه المؤسسات لا تظهر جميع متطلبتها دفعة واحدة، بل تظهر التعقيدات والمتطلبات في اثناء سير المعاملة، بل ان المعوقات الرئيسية لا تظهر إلا بعد إعطاء التمويل للعميل ولعلني أخص بالذكر هنا منتج الإجارة مع الوعد بالبيع، وخصوصا في السيارات حيث تمارس على العميل أنواع الظلم والإجحاف، ولكن بعد تسلمه للسيارة وتمتعه بالتمويل، بحيث لا يستطيع التراجع إلا بخسارة كبيرة، وعندها ليس عليه إلا القبول والإذعان لتصرفات المؤسسة المالية مثل عدم إعطاء المستأجر صورة مختومة من استمارة التمليك وبوليصة التأمين، وهذه من أهم المستندات المطلوبة للمرور وعدم التنسيق مع المرور في ذلك، حيث يقع المستأجر في حرج كبير عند طلبها من المرور أو عند وقوع حادث لا قدر الله، كما ان العميل يجد من العنت والمشقة، عندما يريد ان يسافر بالسيارة خارج المملكة الشيء الكثير من حيث الاذونات والتصديقات سواء من المؤسسة المالية أو الجهات الحكومية، وكل هذه الأمور لم تبين للعميل من قبل المؤسسة المالية قبل دخوله في هذه العملية، وأنا على قناعة تامة أنها لو وضحت هذه المعوقات للعميل ابتداء لما دخل في هذه العملية لقد أصبحت هذه العملية شبحا يطارد المستأجر إجارة مع الوعد بالبيع فأين الشفافية؟ أين الوضوح مع العملاء ابتداء؟ لا شك ان هذا الأمر مفقود في هذه العملية، وهو أساس الرضى الذي ينبني عليه حل أموال العباد في الشريعة الإسلامية، فهل تعي المؤسسات المالية هذا الخطأ الفادح، وتصحح أخطاءها قبل ان يفقد العميل ثقته بمنتجات ومؤسسات الصيرفة الإسلامية.

* خبير في المصرفية الإسلامية [email protected]