مصارف عالمية تطرح منتجات إسلامية موجهة إلى أثرياء الخليج

15% متوسط النمو السنوي لحجم الأموال المدارة عبر مؤسسات التمويل الإسلامي

إقبال متزايد على منتجات المصارف الاسلامية («الشرق الاوسط»)
TT

توقع محللون أن يستفيد قطاع الخدمات المالية المصرفية، من التحولات الاقتصادية الحالية التي تشهدها المنطقة، خصوصاً في ظل ارتفاع حجم الثروات الخاصة في منطقة الشرق الأوسط بنحو 8 في المائة سنوياً.

وأدى ارتفاع الثروات الخاصة في منطقة الخليج، إلى تطور قطاع المنتجات الإسلامية مع نمو قياسي تسجله صناعة التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية عالمياً، ما شجع مصارف عالمية مثل: «دويتشه بنك» و«سيتي بنك جروب» و«إتش.أس.بي.سي»، و«ستاندرد تشارتر» لتعلن دخولها بقوة في هذا القطاع.

وتعمل المصارف الإسلامية على تقديم خدمات متنوعة تشمل التمويل بكل أنواعه وتقديم خدمات الأفراد انطلاقا من مبادئ النظام المالي الإسلامي، وتلبية الطلبات المتزايدة باستمرار من جانب العملاء الذين يرغبون في الحصول على العمليات المصرفية القائمة على المبادئ الإسلامية ضمن المعايير المصرفية العالمية.

وتسعى المصارف الإسلامية لطرح صناديق متنوعة للاستثمار تشمل الأوعية الصناعية والعقارية والتعليمية والسوقية وغيرها، خاصة أن المشاريع الصناعية الجديدة في دول الخليج تشهد معدلات نمو قياسية، وتمتلك المنطقة ثاني أكبر حصة من مشاريع التمويل الصناعية في العالم، التي تقدر بنحو 118 مليار دولار، وتتوزع تلك المشاريع على قطاعات الطاقة والمياه والنفط والغاز.

وتستحوذ منطقة الخليج على أكبر حصة من المشاريع العملاقة الجديدة، وفي الوقت الذي تنفذ فيه السعودية مشاريع عملاقة تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات، إلى جانب مشروعات عملاقة في الإمارات وقطر وعُمان.

ويشير خبراء إلى أن احتياجات تمويل المشاريع في المنطقة، ستتيح فرصا ضخمة لمؤسسات التمويل الإسلامي التي تقدر أصولها حالياً بقرابة التريليون دولار، تديرها أكثر من 300 مؤسسة منتشرة في مناطق العالم المختلفة. ويبلغ متوسط النمو السنوي لحجم الأموال المدارة عبر مؤسسات التمويل الإسلامي بـ15 في المائة.

وتعد أسواق المال العالمية هدفاً كبيراً بالنسبة للمصارف الإسلامية، ومع دخول مصارف جديدة وتحول بعض المصارف التقليدية إلى تقديم الخدمات الإسلامية وإنشاء شركات تمويل إسلامي من قبل مصارف أخرى، فمن المتوقع أن ترتفع حصة التمويل الإسلامي في أسواق المال الخليجية والعالمية بشكل عام.

وتنطلق المصارف الإسلامية في هذا الجانب من زاوية أن مفهوم التمويل الإسلامي أصبح يتبلور يوماً بعد الآخر وأخذ يسجل نجاحات ملحوظة من حيث النمو والربحية مع ميل ظاهر نحو الابتكار المتوافق مع الأسس الشرعية. وتتجاوز أصول المصارف الإسلامية مجتمعة 265 مليارا، أما استثماراتها فتبلغ نحو 400 مليار دولار وودائعها نحو 200 مليار دولار.

وتنتشر أنشطة المصارف الإسلامية في العالم العربي بسرعة فائقة للغاية، وبعد بروز أنشطة ملحوظة للمصارف الإسلامية في دول مثل بلدان الخليج العربية ومصر والسودان، بدأ التمويل الإسلامي في الدخول لاقتصاد المغرب الذي يبلغ حجمه 52 مليار دولار، ما يتوقع أن يحقق نموا إضافيا يبلغ 5.1 في المائة سنويا من الأدوات الإسلامية، التي ستبدأ بنوك مغربية طرحها خلال الفترة المقبلة.

ومن المتوقع أن تعمل هذه الخطوة على رفع معدل استخدام الخدمات المصرفية بين سكان المغرب البالغ نحو 30 مليون نسمة خلال الأعوام القليلة المقبلة، إلى ما يزيد على 30 في المائة من نحو 20 في المائة حاليا. ويقدر حجم المدخرات التي يمكن أن تجتذبها الخدمات المالية الإسلامية في المغرب بنحو أربعة مليارات دولار، أي نحو 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتعهدت هيئات ومؤسسات استثمارية إسلامية من الإمارات والسعودية وقطر والكويت باستثمار 15 مليار دولار في القطاع المصرفي الإسلامي في المغرب.

وتمكنت العديد من مصارف الإسلامية في الخليج من مد نفوذها إلى العالم الخارجي، حيث لاقى برنامج مصرف الإمارات الإسلامي لإصدار صكوك خارجية بقيمة مليار دولار في دول في آسيا وأوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي اهتماماً كبيراً وتجاوز مبلغ الاكتتاب المحقق مبلغ 500 مليون دولار متخطياً المبلغ المطلوب، وهو 350 مليون دولار وفقاً لبرنامج المصرف لإصدار الصكوك.

وأسهمت حصيلة الاكتتاب في هذا الإصدار في مضي المصرف قدما لتزويد متعامليه بالعديد من منتجات التمويل المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، في ظل بيئة اقتصادية تتصف بالديناميكية والازدهار. وأدى تعدُّد المنتجات المطروحة إلى منح المصارف الإسلامية ميزة إضافية، ومع تنوُّع حاجيات العملاء بات لزاماً على المؤسسات المالية الإسلامية، أن تقدم حلولاً مصرفية تناسب كل الفئات المستهدفة وتلبي رغباتها وحاجياتها. وطرحت بعض المصارف منتجات مثل بطاقات الائتمان التي زودتها بمزايا عدة تشمل تقديم الخدمات بكل أنواعها بما في ذلك خدمات الطوارئ الطبية والقانونية وحماية المشتريات، إضافة إلى خدمات تأمين السفر المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وشهدت ودائع المتعاملين أيضاً ارتفاعاً ملحوظاً وانطبق الشيء نفسه على حجم الأصول والأنشطة. وتأتي النتائج القوية للمصارف الاسلامية الإماراتية بفضل الخطط التوسعية الطموحة التي تنفذها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية مما عزز من دورها الريادي في قيادة العمل المصرفي.

وتواصل المصارف الإسلامية الدور الحسم لتلك المصارف والمتمثل في توفير التمويل والحلول المالية التي تساعد الشركات والهيئات الحكومية والخاصة، إضافة إلى الأفراد على الاستفادة الصحيحة من إمكانياتها ومواردها المالية، وعملت معظم تلك المصارف على إطلاق شركات ومؤسسات مساعدة يعمل كل منها في تخصيص محدد وتقوم خدمات استراتيجية تتفاوت وتتنوع في طبيعتها ونوعيتها وحجمها.

واستمرت المصارف الإسلامية في الاستثمار في الكادر البشري من خلال عقد الدورات التدريبية التي تناسب طبيعة العمل المصرفي الإسلامي، الأمر الذي أدى إلى تفريخ كوادر ذات مستويات عالية أسهمت بشكل مباشر في تجديد الصيرفة الإسلامية التي تحتاج إلى كوادر ذات طبيعة خاصة ومستوى عال من التأهيل والتدريب، خاصة مع الشح الكبير في الكفاءات المهنية المتخصصة.

وأدى تعدُّد المنتجات المطروحة إلى منح المصارف الإسلامية ميزة إضافية، ومع تنوُّع حاجيات العملاء بات لزاماً على المؤسسات المالية الإسلامية أن تقدم حلولاً مصرفية تناسب كل الفئات المستهدفة وتلبي رغباتها وحاجياتها. ويدور جدل كبير حول صناديق التحوُّط الإسلامية، وعلى الرغم من أن عدد تلك الصناديق لم يتجاوز الأربعة على المستوى العالمي حتى الآن، إلا أن الملاحظ أنها أثارت خلافات واضحة بين الخبراء والمشرّعين. ويجيء معظم الجدل انطلاقاً من طبيعة الصناديق التحوُّطية بشكلها التقليدي حيث تُعتبر بمثابة أوعية للمضاربات على العملات وأسعار الأسهم.

وفيما يرى البعض أنها ومثلها، مثل سياسة البيع على المكشوف تُعتبر غير شرعية من المنظور الإسلامي، يقول آخرون إن سياسات صناديق التحوُّط تقدم إمكانيات كبيرة للتمويل الإسلامي الذي يعاني من نقص في أدوات إدارة المخاطر وبخاصة المخاطر طويلة الأجل.

وقالوا إن العديد من سياسات التحوُّط تستمد من الرغبة في تقليل المخاطر وهو ما يتفق مع جوهر تحريم المقامرة في الإسلام. مشيرين إلى أمثلة مثل سعي المزارعين لخفض تعرضهم لتقلبات أسعار السلع. ويقول أنصار سياسات التحوُّط إن قدرة التمويل الإسلامي على توفير تمويل عقاري بفائدة ثابتة ووثائق تأمين على الحياة ومشروعات طويلة الأجل للبنية الأساسية تتعطل بعدم قدرته على إدارة المخاطر طويلة الأجل.

ويرون أن عمليات التحوُّط هذه ستوفر القدرة على إدارة المخاطر بشكل جيد، فلا يمكن ترك الاستثمارات معرضة للخطر. وصناديق التحوط تعتمد أساساً على فكرة توفير عائدات يُطلق عليها (ألفا) تفوق العائدات المتحققة في السوق. وتسعى الصناديق إلى وضع سياسات مماثلة لسياسات صناديق التحوط، ولكن بشكل يضمن الحصول على فتوى باتفاقها مع الشريعة. وجاء في تقرير لمجموعة «كي.إم.بي.جي» للخدمات المهنية أن العديد من المشرّعين والمراقبين الماليين في العالم لا يزالون لا يفرقون بين المنتجات المالية الإسلامية والتقليدية، رغم أن المؤسسات الإسلامية تتبع نموذجاً مالياً مختلفاً.

وتتطلب معايير بازل من المصارف تغييراً في المفاهيم الإدارية، وإعادة صياغة الاستراتيجيات على صعيد مجالس إدارة، ما يعني تطور في العقلية المهنية ووضع مواثيق داخلية تصهر المؤسسة المالية في وحدة متكاملة هدفها السعي باستمرار للحفاظ على استمرارية نوعية، ضمن القطاع المالي، عبر المحافظة على نسب نمو ثابتة ومتواصلة.

وفي الجانب الآخر، أصبحت المصارف في بحثها عن معدلات مرتفعة من الربحية، عرضة للعديد من المخاطر التي قد تنشأ من البيئة الخارجية والعوامل الداخلية التي تعمل بها، وفي ظل تصاعد المخاطر، كان التفكير في البحث عن آليات لمواجهتها، بهدف استعادة ثقة المودعين والتي تزعزعت بعد الأزمات التي عصفت بعدة مصارف دولية، فتشكلت لجنة بازل للرقابة المصرفية، والتي أصبحت معياراً دولياً للدلالة على مكانة المركز المالي للمصرف، وتقوي ثقة المودعين فيه من منظور تعميق ملاءة البنك.

ولا يخلو العمل المصرفي من المخاطر التي تطرح تحدياً للمؤسسات المالية وللسلطات الرقابية على حد سواء، ولكن وفي إطار العولمة، وجدت المصارف نفسها أمام واقع يأخذ بعين الاعتبار ثقل المخاطر في العمليات الاستثمارية. كما أن المصارف الإسلامية عرضة للكثير من المخاطر التي قد تتماثل بعض الشيء مع المخاطر التي تواجها المصارف التقليدية، تبعاً لنوع المنتج وطبيعته، ولأنواع العقود.

وفي إطار التطورات التي تشهدها الأسواق المالية العالمية، ومع تزايد المنافسة، ارتفعت وتيرة المخاطر على مصارفنا، حيث الخدمات المصرفية الإسلامية هي من أكثر القطاعات نمواً في الصناعة المصرفية في الشرق الأوسط، وبفعل معدلات النمو، والعائد المرتفع الذي يقارب نسبة 15 في المائة، شكلت عامل جذب للمصارف التقليدية، وللمنافسة أصبحت المصارف التقليدية تفتح فروعا لها تعنى بالنظام الإسلامي بهدف جذب أموال المودعين، والإشكالية ربما تبررها الشفافية.

ففي نهاية الفترة المالية، على المصرف أن يقدم نتائجه المجمعة بما في ذلك كل الخدمات والمنتجات، والمنتجات الإسلامية جزء منها. وبترك الموضوع للمشرع، هناك مجموعة متنوعة من الأنشطة يمكن أن تعمل من خلالها المصارف الإسلامية وبطرق مختلفة تمكنها من تقديم الأموال ويتم تكييفها لتلائم المبادئ التي تنظم العمل المصرفي الإسلامي ومن أهمها مبدأ المشاركة في المخاطر. ولذلك هناك حاجة ملحة لتحديد وقياس وإدارة ومراقبة مثل هذه المخاطر الخاصة والحد منها في حدود طاقة وكفاية رأس المال.

ويرى خبراء أن نجاح المصارف الإسلامية في تقديم خدمات تمويلية واستثمارية مرنة وقابلة للتعديل، يعد مفتاح الولوج إلى باب المنافسة في ظل تعقد العمل المصرفي وتعدد قنواته على المستويين الإسلامي والتقليدي. ويستفيد عملاء المصارف الإسلامية من تسهيلات السداد المرنة والخيارات التي تتيح تقليل المخاطر وتعزيز السيولة النقدية وتخفيف الضغوط على رأس المال والأعباء المالية المترتبة على القروض.

وتواجه المصارف الإسلامية مشكلات هيكلية عديدة، فحتى الآن لا توجد دراسات دقيقة وشاملة حول المسائل المتعارفة مثل استخدام نسب إمكانية التعثر والخسائر التي تترتب على هذا الجانب، واستخلاص نسب رؤوس الأموال التي تتناسب مع الوضعية الخاصة للمنتج الإسلامي، وهذه المشكلات لا تواجهها المصارف التقليدية إلا نادراً فهي تعتمد استراتيجية التسليف والائتمان المفتوح لتحصيل عائدات اكبر.

وعلى الرغم من أن بعض المصارف الإسلامية، تسعى لتقديم خدمات موازية للمنتجات التقليدية مع اختلاف الأسماء والتعابير، إلا أنه لا توجد حتى الآن أسس محددة تحكم حالات الفشل، فعلى سبيل المثال هناك منتجات لا يترتب عليها عائد محدد مسبق وهي تخضع لمعايير الربح والخسارة مما يصعب عملية التعامل مع الحلول في الحالات المتعارفة مثل التعثر وغيرها.

ومع توسع أعمال التمويل أثير جدل كبير حول مبدأ تجنب الفوائد والانعكاسات المترتبة على ذلك، وطبيعة العلاقة مع القوانين واللوائح الدولية، حيث ان تلك المصارف لا تعمل بشكل منفصل، بل ضمن شبكات محلية وإقليمية وعالمية.

ويربط بعض الخبراء حلول تلك المشكلات بالجوانب التشريعية في المقام الأول، وهي تخضع أحياناً لتباينات في الأداء، إضافة إلى ربطها بعملية التصنيف والإدارة والأسس التي يعمل وفقها المصرف في المقام الثاني. ونظراً للطبيعة التي تقوم عليها منتجات محدودة مثل الإجازة أو المرابحة، فإنه يصعب وضع أطر ومعايير محددة تحمي رأس المال المستثمر.

ففي بعض الحالات يترك المستأجر الأصل أو يهمله، ويتسبب بذلك في مخاطر مالية مباشرة، كما أن الكثير من منتجات المرابحة الإسلامية لا تخضع لعمليات التأمين التقليدية، ما يولد مشكلات في التعامل مع حالات التلف والسرقة وغيرها، وهو ما يجسد جزءا يسيرا من المخاطر التشغيلية التي تواجهها المصارف الإسلامية.