الصيرفة الإسلامية تحيد عن الهدف

لاحم الناصر
TT

قال تعالى «وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ». هود 61، يقول الإمام الجصاص: إن في ذلك دلالة على وجوب عمارة الأرض بالزراعة والغرس والأبنية. وهذا هو الهدف الذي سعى إليه الآباء المؤسسون للصيرفة الإسلامية في جميع مؤلفاتهم، وهي ان تكون الصيرفة الإسلامية عاملا فاعلا في تنمية المجتمعات التي توجد فيها تشجع على الادخار وتنشر الفكر الاستثماري بين أفراد المجتمع ومؤسساته فليست الصيرفة الإسلامية هي إلغاء للفائدة فقط، بل لها مقاصد سامية وأهداف عظمى في حفظ المال وفقا لمقاصد الشرع في حفظ المال واستخدام الثروة الاستخدام الامثل، فهل أدت الصيرفة الإسلامية هذا الدور المنوط بها، أم أنها كانت عاملا مساعدا على تشجيع النمط الاستهلاكي في المجتمع والذي يتناقض مع مقاصد الشرع في حفظ المال وتنميته، ولا شك ان الأرقام هي أقوى برهان على ذلك، حيث تبلغ نسبة التمويل الاستهلاكي من مجموع التمويل الشخصي في المملكة 95%، مقابل 5% للتمويل العقاري، خلافا لما يجري في العالم، حيث يبلغ التمويل الإسكاني 80% في حين 20% لبقية أنواع التمويل الأخرى، كما ان نسبة التمويل الشخصي (غير المنتج)، نما في السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 47%، وذلك على حساب التمويل التجاري (المنتج) حيث انخفضت نسبة تمويل هذا القطاع من 80% عام 2000 إلى 57% عام 2005 من إجمالي المحفظة التمويلية للمصارف السعودية، والسبب في ذلك الربحية العالية لقطاع تمويل الأفراد، وإذا علمنا ان نسبة 96% من التمويل الشخصي في المملكة، تتم عبر أدوات تمويل متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، تبين لنا مقدار انحراف صناعة الصيرفة الإسلامية عن أهدافها ومجاراتها للصيرفة التقليدية في السعي وراء الربح بغض النظر عن المبادئ والأهداف، كما أنها شجعت عبر التسويق الجشع والزعم بتوافق التمويل مع أحكام الشريعة الإسلامية مع استغلال رغبة الكثير من المواطنين في الثراء السريع إلى دخول المئات من المواطنين في ديون طويلة الأجل لاستثمارها في سوق الأسهم، بل إنها لم تتوان في سلوك شتى السبل لزيادة أرباحها، حتى ولو كان ذلك على حساب الأمانة والسلوك المهني المحترف كونها مديرة الاستثمار للمستثمرين عبر الصناديق التي كانت تديرها والذي كان يحتم عليها رفض عمليات التمويل بضمانة هذه الاستثمارات، وذلك لاعتبارات منها:

أولا: ان الأمانة كانت تقتضي عدم قبول المصرف تمويل المستثمر بضمانة وحداته الاستثمارية، وذلك للمخاطر المحيطة بمثل هذا النوع من الاستثمار التي يدركها مدير الصندوق، حيث انه يعتبر وكيلا عن المستثمر والوكيل مؤتمن.

ثانيا: ان المستثمرين في الصناديق جلهم ممن لا يجيدون متابعة السوق، وفهم آلياته وتقدير مخاطره، وبالتالي يقع تقدير هذه المخاطر على مدير الصندوق.

ثالثا: ثقة المستثمرين في النصح الاستثماري المقدم من القائمين على هذه الصناديق وحسن تقديرهم للمخاطر، وبالتالي قبول المستثمر الدخول في تمويل بضمانة وحداته في الصندوق لمضاعفة أرباحه اعتمادا على هذا الرأي أو النصيحة المقدمة من موظفي مدير الصندوق.

رابعا: لوجود تعارض مصالح كون مانح الائتمان ومدير الصندوق، كيانا واحدا، حيث ان المصرف هو مانح الائتمان وفي نفس الوقت هو مدير الصندوق، وبالتالي فهو سيقدم مصلحته كمانح للائتمان على مصلحة المستثمر في الصندوق كونه مدير الصندوق، وبالتالي نجد ان الكثير من المصارف التي منحت المستثمرين في صناديقها تمويلا بضمانة استثماراتهم لم تتعرض لأي خسارة، بينما خسر الكثير من هؤلاء المستثمرين جميع استثماراتهم والحقيقة ان الكثير من المواطنين يعيش هذه الأيام وقع هذه المأساة التي جلبها الاستثمار في سوق الأسهم، إما مباشرة أو غير مباشرة، حيث تتعدد القصص وتتنوع صور المأساة، والسبب واحد فيجب على الجهات التشريعية التنبه لهذا الأمر حتى لا يتكرر في المستقبل، وذلك عبر سن القوانين والأنظمة الواضحة الصارمة، واستحداث المحاكم المتخصصة، حتى تعود الثقة بالسوق وتحفظ الحقوق.

* خبير في المصرفية الإسلامية [email protected]