الرئيس التنفيذي لـ «البركة»: توحيد «بنوك البركة» يهدف إلى إيجاد بنوك الجملة

عدنان يوسف لـ«الشرق الأوسط»: أعظم تحد يواجه المصرفية الإسلامية هو مسألة إثبات الهوية

عدنان أحمد يوسف («الشرق الاوسط»)
TT

يعتبر القطاع المصرفي الإسلامي أحد أهم الركائز الاقتصادية في البحرين، حيث يبلغ عدد المؤسسات المالية الاسلامية العاملة في مجال البنوك فقط، حوالي 24 مؤسسة مالية إسلامية، وتستضيف البحرين معظم مؤسسات البنية التحتية لصناعة المال الإسلامية، وهي المؤسسات المنوط بها العمل كمرجعيات فكرية، وأطر تنظيمية تقود عملية التقنين، والتعاون مع سلط الإشراف والرقابة في وضع السياسات واللوائح التي تتناسب وطبيعة هذه الصناعة الناشئة، كما يسند إليها عملية وضع المعايير والسياسات الاسترشادية اللازمة لتطوير الصناعة والتعريف بها على المستوى الدولي. ومن بين أهم المؤسسات المالية الإسلامية العاملة في البحرين، مجموعة البركة المصرفية، وهي واحدة من المؤسسات الإسلامية البارزة، وهي شركة مساهمة بحرينية مدرجة في بورصتي البحرين ودبي، ويبلغ رأس المال المرخص به للمجموعة 1.5 مليار دولار أمريكي. وللمجموعة وجود جغرافي واسع ممثل في وحدات مصرفية تابعة في عشرة بلدان تدير بدورها نحو 230 فرعا. وهذه الوحدات هي بنك البركة الجزائر وبنك البركة الإسلامي ـ البحرين وبنك التمويل المصري السعودي ـ مصر والبنك الإسلامي الأردني ـ الأردن وبنك البركة ـ لبنان وبنك البركة المتحد ـ جنوب أفريقيا وبنك البركة السوداني ـ السودان، وبنك التمويل السعودي التونسي ـ تونس، وبنك البركة التركي للمساهمات ـ تركيا، وبنك البركة ـ باكستان. وهي كذلك حاصلة على تصنيفات ائتمانية طويلة وقصيرة الأجل A ـ و3 BBB من قبل مؤسسة «ستاندر أند بورز» العالمية. «الشرق الأوسط» التقت في العاصمة البحرينية المنامة بالرئيس التنفيذي للمجموعة عدنان أحمد يوسف، الذي تم انتخابه مؤخراً رئيسا لمجلس إدارة اتحاد المصارف العربية.

> ماذا يهدف توحيد بنوك البركة، وماذا يضيف لقطاع المصرفية الاسلامية؟

ـ كما تعلمون، فإن توحيد «بنوك البركة» لتعمل تحت مظلة كيان مالي بحجم كبير جاء في المقام الأول لسد ثغرة مهمة من ثغور العمل المالي الإسلامي نتجت من عدم وجود ما يعرف في عالم المال ببنوك الجملة، التي تتميز بقدراتها الرأسمالية الضخمة. وبحكم وجود القاعدة الرأسمالية الكبيرة، فإن بنوك الجملة في العادة تتوفر لها الامكانيات والموارد التي تمكنها من تحقيق الأهداف المالية الكبيرة بسهولة أكثر، من تلك المتوفرة للمؤسسات ذات رأس المال الصغير، كما ينتج عن ذلك أيضا إيجاد بيئة تنظيمية تتميز بارتفاع مستوى الأداء المهني لتوافر الكفاءات، والقدرة على التنسيق والتحرك بمرونة، ولعلكم تعلمون أن بصيرة عدد مقدر من المصرفيين العرب وأصحاب المبادرات، قد أدركت ومنذ وقت مبكر، الأهمية الاستراتيجية للبنوك العملاقة، فمنذ أكثر من 3 عقود والشيخ صالح كامل يبشر بفكرة البنك الإسلامي الشامل واستحداث نماذج جديدة تقوم على نظريات رأس المال المتعدد الفئات، وكذلك الأخ عبد الله عمار السعودي الذي كان من أوائل المصرفيين العرب الداعين لتكوين بنوك تقليدية برأسمال كبير لخدمة الاقتصادات العربية، ومن هنا جاءت أهمية المبادرة من قبل المجموعة فى هذا الاتجاه. > ماذا تحقق لكم في هذا الاتجاه؟

ـ في سعينا لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، تمكنت المجموعة وفي وقت قياسي (أقل من ثلاث سنوات) من إكمال الهيكل الإطاري التنظيمي القانوني، وتوحيد الحسابات، ما مكنها من الاستمرار في لعب دورها القيادي باعتبار أن المجموعة هي أحد أهم الأركان المحركة لصناعة المال الإسلامية اليوم، وأعتقد أننا قد انتقلنا من مرحلة كنا فيها روادا بشهادة الجميع كمجموعة مصرفية عرف عنها تميزها من حيث المبادئ والنظم وآليات العمل وأدواته، وكذلك الضوابط والمعايير إلى مرحلة فرضت ضرورة التعاطي مع مسألة العولمة من منطلق أخذ المبادرة في مجال بناء القدرات والموارد. وقد اكتملت الأطر التنظيمية واستراتيجيات توسيع الموارد المالية بنجاح عملية الطرح العام التي تمت في يوليو (تموز) من العام الماضي. > كيف انعكس ذلك على الأداء؟

ـ وفقا لآخر بياناتنا المالية المراجعة عن الفصل الأول من العام الجاري 2007، فإن إجمالي الدخل التشغيلي قد بلغ 93.02 مليون دولار أمريكي، أي بنسبة نمو بلغت 25%، مقارنة بنفس الفترة من عام 2006. وبلغ إجمالي الأصول 8.14 مليار دولار أمريكي، وبلغت حسابات ودائع العملاء 6.56 مليار دولار أمريكي، وهذه الأرقام تؤكد بلا شك، مدى تنامي ثقة والتزام العملاء بالمجموعة، كذلك الحال بالنسبة لحقوق الملكية التي تضاعفت إثر نجاح الاكتتاب العام في أسهم المجموعة ليصل مجموعها إلى نحو 1.2 مليار دولار أمريكي خلال الفصل الأول من عام 2007. ووفقا لهذه المعطيات الواقعية فإنني اعتقد جازما أن المجموعة الآن وبمبادرتها القيادية هذه، تعتبر في وضع جيد تجاه أية تقلبات سالبة قد يشهدها السوق المالي الدولي، كما أرى أن وضعنا سيتعزز أكثر مع استمرارنا في الالتزام بتنفيذ خططنا الإستراتيجية التي تم وضعها قبل أكثر من ست سنوات، وهي خطط منشورة، بحيث وصلنا لهذه المرحلة ونحن نملك الرؤية الطموحة والهدف وكذلك إمكانيات ووسائل التنفيذ، وسيؤدي استمرارنا في نهج تعزيز مواردنا المالية بالصورة التي نقوم بها حاليا من تعزيز عمليات المجموعة الراهنة، واغتنام المزيد من فرص الأعمال في أسواق جديدة وتحسين قدراتها التنافسية وتطوير منتجات إبداعية جديدة، وذلك لتلبية الاحتياجات المتزايدة والمنوعة لعملائنا الحاليين والجدد. > ما زال مفهوم المصرفية الإسلامية يحيطه بعض الغموض، هل كان التعريف بهذا المفهوم ضمن التحديات التي تواجهكم؟

ـ نحن جزء مؤسس لصناعة المال الإسلامية، وكل التحديات التي واجهناها، تعتبر أصلا جزءا من جملة 4 أو 5 تحديات أساسية ترتبط في الأساس بماهية الفكر المالي الإسلامي، ومدى قدرته من الناحية العملية على التعاطي مع احتياجات المجتمعات المالية والاستثمارية، ولا شك أن اعظم تحد واجهنا ويواجه الصناعة ككل، هو مسألة إثبات الهوية سواء على مستوى عالمنا الإسلامي، حيث نشأنا، أو على مستوى المجتمع المالي الدولي، ما استغرقنا في صناعة المال الإسلامية لفترة طويلة، وقد تجاوزنا هذه المرحلة الآن ـ بفضل الله ـ وأصبح لنا مؤسسات داعمة، بعضها أسهم في تأسيسه صندوق النقد الدولي والبنوك المركزية، وكلها مهمتها الأساسية هو ترسيخ العمل المؤسسي الجماعي المنضبط بمعايير وسياسات تتواضع عليها أسرة الصناعة مجتمعة. > وماذا بشأن التحديات الأخرى؟

ـ من واقع تجربتي الشخصية في هذا المجال، فهناك العديد من التحديات التي يتوجب على المؤسسات المالية الإسلامية التعامل معها في الوقت الحاضر، والتي يمكن حصرها في مجوعتين رئيستين من التحديات: التحديات التشغيلية، وهي الناشئة عن احتياجات تطوير المنتجات والجوانب التنظيمية. والتحديات العالمية، وهي الناجمة عن العولمة والتحرير المالي العالمي.

> هل تقبل عملاؤكم المنتجات الاسلامية التي تسوقونها؟

ـ بما أن الصناعة المالية الإسلامية لا تزال حديثة نسبيا، فمن الطبيعي أن تكون أقل تفهما من قبل العملاء، وحتى من قبل بعض المؤسسات الإسلامية نفسها. ويجب تأسيس مراكز مرجعية من قبل هذه المؤسسات تأخذ على عاتقها مهمة تثقيف كافة أطراف السوق، وأن تحظى هذه المراكز بدعم الجهات الرقابية. وفي غياب مثل هذه المراكز، سوف يواجه مقدمو الخدمات من البنوك الإسلامية، صعوبات جمة في إنشاء أسواق متخصصة للمنتجات بسبب غياب الفهم الصحيح لاحتياجات العملاء.

> ماذا بشأن المرجعية الفكرية الاسلامية لهذه المصارف؟

ـ لا يبدو لي أن الصناعة المالية الإسلامية تعاني من صعوبات على صعيد المرجعيات الفكرية، فهي تتمتع بوجود مصادر بحثية غنية (فقه المعاملات) والتي يمكن استخدامها في جهود إعادة هيكلة وتطوير المنتجات المالية الجديدة، إلا أن المشكلة تكمن في اقتصار هذه الجهود على عدد وأنواع محدودة من المنتجات.

ولكي نتمكن من مجابهة مثل هذا النوع من التحديات المتجددة والمستمرة، فإنني أعتقد أن على المؤسسات المالية الاسلامية كل على حدة، وفي إطار من التعاون مع بعضها البعض، ان يكون لها استراتيجية واضحة ومحددة. > ذكرت أن هناك تحديات عالمية.. ما هي طبيعتها؟

ـ التحديات على المستوى العالمي، ناجمة عن تأثيرات ونتائج العولمة والتحرير المالي العالمي. والبنوك الإسلامية لا بد أن تتأثر بهذه التحديات والنتائج حالها في ذلك حال القطاعات الاقتصادية الأخرى. انني أعتقد أن العولمة هي تحد، وبنفس الوقت عامل رئيسي لتشجيع المؤسسات في التسريع ببناء قدراتها الذاتية من أجل مواجهة المنافسة العالمية. وما لم تدرك المؤسسات المالية الإسلامية بشكل كامل هذه التحديات، فإن أنشطتها سوف تظل مقصورة في أسواقها المحلية، وهو ما يمثل تهديدا لفرص نمو الصناعة المصرفية التي كما ذكرنا تعتبر حديثة العهد نسبيا. > ألا تلاحظ أن المصارف الإسلامية بالرغم من وجود اتحاد عربي، ما زالت تعمل بشكل منفرد ويفتقر للتنسيق؟

ـ كممارس للمهنة المصرفية، وأحد المشاركين في صناعة المال الاسلامية، فإنني أعتقد بأنه قد حان الوقت لأن تقوم المؤسسات المالية الاسلامية بإنشاء تعاون أوثق يشمل كل المشاركين في السوق المصرفي الإسلامي في مجال تقاسم وتبادل المعرفة والخبرة في مجال تطوير المنتجات. إذ من الواضح أن القدرة على إطلاق مبادرات جديدة في حقل المنتجات المالية الاسلامية، يرتبط بشكل مباشر بوجود آليات للتعاون البناء على مستوى الصناعة المصرفية، مع تركيز الموارد والطاقات المشتركة في خدمة أهدافها السامية بالإضافة الي خدمة عملائها. > ما هي الفلسفة التي تقوم عليها عملية تطوير المنتجات في مجموعة البركة المصرفية، والى أي مدى ترون أنها قادرة على تحقيق الاختراق الذي تستهدفونه؟

ـ كما تعلم، فإن بنوك البركة ظلت تعمل ومنذ نشأتها ووفقا لمبادئها نحو تجسيد فكرة البنوك الإسلامية، وربط الأساس النظري الذي تقوم عليه بالاحتياجات الفعلية للمجتمعات التي تعمل فيها، ومن هنا فقد لعبت المجموعة دورا فعالا في مرحلة الانطلاقة الأولى للصناعة المالية الإسلامية من خلال تأسيسها لواحدة من أهم المرجعيات المنوط بها توفير المظلة الفكرية، والإطار الشرعي الواجب توافرهما للاستمرار في رفد الصناعة بالمنتجات المالية المبدعة، وهي آلية المنتدى الفقهي الذي تنظمه المجموعة سنويا في رمضان من كل عام، ويضم علماء متخصصين في فقه المعاملات، وكذلك من الفنيين والباحثين، وهي آلية متقدمة للغاية من حيث المفهوم والمنهجية، وتعتبر جزءا من الحلول المطلوبة لإحداث التعاون المطلوب بين كافة قطاعات الصناعة، هؤلاء يعتبرون العمود الفقرى لعملية تطوير المنتجات. > ما هي طبيعة المنتجات المالية التي تقدمها المجموعة؟

ـ استنادا على الموروث الفقهي الذي تم بناؤه على مدى أكثر من 3 عقود، فإن المجموعة وبنوكها تقدم طيفاً واسعاً من المنتجات المالية المتنوعة والتي تغطي اربعة قطاعات مالية رئيسية هي، مصرفية التجزئة، وبنوك الاستثمار، والبنوك التجارية، ومنتجات الخزانة.

> على ماذا تركزون في توسعاتكم الجغرافية في دول العالم؟

ـ تعتبر مجموعة البركة المصرفية من أكبر المؤسسات المالية الإسلامية المتطورة، بما تمتلكه من شبكة عالمية واسعة من حيث الانتشار الجغرافي والتنوع في الانشطة، كما أن تاريخها ممتد لأكثر من 29 عاما من الإنجازات المتواصلة، وهي تدير وحدات مصرفية تابعة لها في أكثر من 3 قارات وتنتشر جغرافيا في عشرة بلدان هي الجزائر والبحرين ومصر والأردن ولبنان وجنوب أفريقيا والسودان وتونس وتركيا وباكستان، والتي بدورها تقدم خدماتها المالية، وفقا للأسس الشرعية والمتطلبات الفنية من خلال حوالي 230 فرعا. أما بخصوص خطط التوسع الجغرافي فلدى المجموعة خطط استراتيجية للخمسة أعوام المقبلة 2007 ـ 2012 للتوسع الأفقي في دول أخرى، بالاضافة الى الاسواق التي نعمل فيها حاليا، حيث تحصلت المجموعة على التراخيص اللازمة لبدء عملياتها في السوق السوري، وتم الحصول على التراخيص التي تتيح لنا إنشاء مكتب تمثيلي في اندونيسيا، وهما من الاسواق التي تأتي في إطار استراتيجية التوسع في المدى المتوسط، والتي تشمل أيضا عددا آخر من الاسواق الواعدة، التي تم اختيارها بعد دراسات متأنية مثل الهند وماليزيا.

> وإلى أين تتجه مجموعتكم في المستقبل..؟ ـ فيما يتعلق بخططنا المستقبلية، فسنركز على القطاعات التي تقدمها في العادة بنوك الجملة، وتلك القطاعات التي ظلت على مدى أكثر من ثلاثة عقود، تشكل بصورة أو بأخرى تميز بنوك المجموعة.