الفرق بين لندن والرياض

لاحم الناصر

لاحم الناصر
TT

ما الفرق بين لندن والرياض؟ ليس السؤال هنا عن الطقس أو الجغرافيا أو تكلفة المعيشة، ولكن عن الخطوات التي اتخذتها المدينتين في سبيل أن تكون المدينة الرائدة في الصيرفة ومدى جاذبية أي منهما وملائمتها للاستثمارات الإسلامية، من حيث التشريعات والأنظمة والقوانين التي تنظم هذه الصناعة، ومن حيث وجود أسواق متطورة لأدوات هذه الصناعة. وبنظرة مقارنة سريعة بين المدينتين يتبين لنا الفرق بينهما، ففي لندن تسعى الجهات التنظيمية إلى خلق بيئة تشريعية وقانونية تناسب الأنشطة التي تمارسها المؤسسات المالية الإسلامية فقد أعلنت الحكومة البريطانية بالتزامن مع طرح الميزانية الجديدة، عن مشروع قانون بخفض الضريبة على الصكوك (السندات التي تتطابق مع الشريعة الإسلامية) وذلك في إطار سعيها لتعزيز مكانة لندن كمركز عالمي للتعاملات المالية الإسلامية. وقد أشارت صحيفة الـ«فايننشال تايمز» إلى انه المرة الأولى التي تعمد الحكومة البريطانية لتشجيع منتج مالي بعينة وذلك بهدف جذب الاستثمارات من منطقة الشرق الأوسط. وقد أدرجت صكوك شركة «الدار» الإماراتية كأول صكوك إسلامية تدرج في بورصة لندن. كما أن بريطانيا قد رخصت لبنك بريطانيا الإسلامي ليمارس نشاطه وفق أحكام الشريعة الإسلامية في مجال المصارف التجارية و«بنك الاستثمار الإسلامي الأوروبي» في مجال المصارف الاستثمارية. كما أن شركة «التأمين الإسلامية البريطانية» تسعى للترخيص من قبل الجهات التنظيمية في بريطانيا وقد قطعت شوطا لا بأس به في مجال الحصول على الرخصة. وقد لقيت هذه الخطوات ترحيب عمدة لندن ليفنغستون وجون ستوتارد عمدة منطقة المال والأعمال في لندن لان من شأن ذلك تعزيز مركز لندن كرائدة في مجال المصرفية الإسلامية. كما أن سوق السلع في لندن يعتبر ومنذ بدأت المصارف الإسلامية الأداة الرئيسية التي يتم عن طريقها الاستثمار بالمرابحة في السلع الدولية من جانب المصارف والصناديق الإسلامية في لندن، فماذا فعلت بالمقابل الرياض؟ في الحقيقة نجد أن الرياض لم تفعل شيئا في سبيل اخذ مكانتها اللائقة بها في مجال الصيرفة الإسلامية لاسيما وهي المرشحة لأخذ دور قيادي في هذه الصناعة، والذي تشير جميع الدراسات إلى أهليتها له حيث تعتبر المصدر الأول للاستثمارات الإسلامية في الخارج سواء من حيث إنشاء المؤسسات المالية الإسلامية أو من حيث الأصول المالية الإسلامية المستثمرة، ولكننا نجد أن المؤسسات المسؤولة عن الصناعة المالية في المملكة تسير بخطى خجولة في هذا المضمار، حيث لم يتم حتى الآن الاعتراف بالصيرفة الإسلامية في قاموس هذه المؤسسات فضلا عن التقنين لها أو إيجاد أسواق لها. فعلى سبيل المثال أعلنت شركة «سابك» أنها تدرس إمكانية ادراج صكوكها في سوق دبي المالي حيث ان إدراجها يجعل تداولها أمرا يسيرا مما يسهل تسييلها عند الحاجة وهذا يرغب المستثمرين في اقتنائها فلماذا لا تدرج في السوق السعودي عبر نظام تداول بدلا من دبي أو لندن؟ حيث سيشجع هذا الإدراج الكثير من الشركات إلى اللجوء للصكوك كأداة مالية للاستفادة من الفائض النقدي في البلد بعيدا عن اللجوء لرفع رأس المال أو التمويل المصرفي بهوامش ربح عالية كما انه في نفس الوقت سيوفر للمستثمرين أداة استثمارية شرعية قليلة المخاطر لاسيما للمؤسسات المالية مثل المصارف وشركات التأمين.

لا شك إن المؤسسات الرقابية على الأنشطة المالية في المملكة مطالبة في هذا الوقت بالذات بإعادة النظر في كيفية تعاطيها مع الصيرفة الإسلامية بعيدا عن البيروقراطية والاستجابة السريعة للمتغيرات السريعة التي تمر بها هذه الصناعة حتى لا يستمر نزيف الاستثمارات خارج الوطن والذي تسعى الكثير من الدول إلى استقطابه سواء من دول الخليج المجاورة مثل البحرين ودبي حيث تم سن قوانين خاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية تراعي طبيعة عملها وخصوصيته مع إيجاد سوق منظمة للأدوات المالية الإسلامية أو من الدول الغربية كبريطانيا.

لقد آن للرياض أن تأخذ مكانها الطبيعي في صناعة الصيرفة الإسلامية قائدة ورائدة أسوة بأبنائها من رجال الأعمال الآباء المؤسسين لصناعة الصيرفة الإسلامية.

* خبير في المصرفية الإسلامية [email protected]