خبير: المصارف الإسلامية أفرطت في «التورق» على حساب منتجات التمويل الأخرى

خاصة البنوك التقليدية التي تقدم منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية

TT

أكد باحث وخبير اقتصادي، أن البنوك الإسلامية أفرطت في استخدام «التورق»، خاصة البنوك التقليدية منها التي تقدم منتجات تمويلية متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وقال مصطفى إبراهيم خبير المصرفية الإسلامية ومدير برامج التدريب في «دار المراجعة الشرعية» لـ«الشرق الاوسط»: «إن هذا التوجه من البنوك يعود إلى أن كون «التورق» سهل التطبيق ومخاطره على البنك قليلة مقارنة بغيره من المنتجات التمويلة»، مبينا أن هذا المنتج أثر سلبا على منتجات التمويل الإسلامية الأخرى مثل بيع المرابحة وبيع التقسيط «بل أزاحها وحل محلها».

وأوضح مصطفى إبراهيم أن نظام اتفاقيات التمويل التي تبرمها البنوك مع عملائها كشريحة المؤسسات والشركات الكبيرة، من شأنها أن تتيح لهم الفرصة في اختيار أكثر من صيغة تمويلية لنفس الحد الائتماني كـ«التورق»، مفيدا بأن هذا الأمر شجع هؤلاء العملاء على التركيز على استخدام منتج «التورق» على حساب المنتجات الإسلامية الأخرى، وهو ما يتعارض مع مبرر جواز المنتج.

ويضيف الخبير أن جواز «التورق» الذي يركز على فك ضائقة مالية لشخص طبيعي والذي ورد في قرار «مجمع الفقه» ليس أداة تمويل رئيسة لمؤسسة أو شركة تحصل من خلاله على مئات الملايين من الريالات تحت ما يسمى بتمويل العجز في رأس المال العامل وبحجة أن المؤسسات والشركات تعاني ما يعاني منه الأشخاص من عسر وضيق ذات اليد.

وشدد إبراهيم على ضرورة أن تنحصر معاملات «التورق» التي تجريها البنوك في تلبية حاجات الأشخاص للسيولة النقدية من خلال توسيط سلع محلية يكون للعميل الخيار والقدرة على تسلمها وبيعها بنفسه ـ أو بتوكيل غيره ـ على أن تسهم هذه العملية في انسياب حقيقي للسلع من تاجر الجملة إلى تاجر التجزئة، ومنه إلى المستهلك وليس فقط البيع والشراء لسلع راكدة تدور مستنداتها عدة مرات من دون أن تنفك تلك السلع عن مخازنها. ويتم تطبيق منتج «التورق» في عدد من البنوك تحت عدة مسميات مثل «تيسير الأهلي»، و«التورق المبارك»، و«تمويل الخير» و«مال» و«تمام» وغيرها من المسميات. وتهدف البنوك من ذلك لتوفير السيولة النقدية لشريحة مهمة من عملاء المصارف من خلال أداة تمويلية إسلامية من دون تعريضهم لخسائر مالية كبيرة.

ويتمثل تطبيق منتج «التورق» في المصارف الإسلامية من خلال شراء البنك كمية من السلع التي تتسم بالثبات النسبي في أسعارها والتي يمكن ضبطها ووصفها للعميل بما ينفي الجهالة، وقد يتم شراء هذه السلع من السوق الدولية عبر وسطاء للبنك وترتيبات مع أطرف مختلفة أو يتم الشراء من السوق المحلية، ومن ثم يتقدم العميل بطلب لشراء كمية من هذه السلع المملوكة للبنك على أن يسدد ثمنها على عدد أقساط شهرية أو سنوية أو حسب الاتفاق بينهما، وبعد دراسة طلب العميل وموافقته يتم التوقيع على عقد بيع آجل أو مرابحة بين البنك والعميل، ثم يتملك العميل السلعة وله الحق في قبضها والتصرف بها أو بيعها.

ويوكل العميل عادة البنك ببيع هذه السلعة لحسابه نقدا وإيداع ثمنها في حسابه، بشرط أن يتم البيع على طرف ثالث خلاف الطرف الذي سبق وأن اشترى منه البنك هذه السلعة، وفي بعض البنوك يوكل العميل المورد ببيع السلعة نيابة عنه وتحويل قيمتها إلى حسابه طرف البنك، على ألا يضمن البنك للعميل بيع السلعة بثمن معين في السوق، ولكن يبيعها بأفضل سعر حسب ظروف العرض والطلب وقت البيع.

ويرى الباحث في تعريفه للتورق أنه: أن يشترى الرجل السلعة بثمن مؤجل، ليست له حاجة في اقتنائها أو الانتفاع بها، بل يبادر ببيعها نقدا على غير بائعها الأول بهدف الحصول على النقد (السيولة)، وأن جمهور الفقهاء أجازوا «التورق» لعموم قول الله تعالى: «وأحل الله البيع وحرم الربا».

ويعتقد الباحث أن التطبيق العملي لمنتج «التورق» قدرة البنوك على إنجاز العملية بسرعة ومن دون خسارة تذكر للعميل، مقارنة بما كان يتعرض له العميل من خسائر عندما كان يتولى البيع بنفسه، موضحا أنه يتم إضافة القيمة لحساب العميل في مدة وجيزة من توقيع عقد البيع مع البنك وفي مدة لا تزيد على 24 ساعة في بعض البنوك.

وعدد مصطفى إبراهيم عددا من مميزات منتج «التورق» منها سرعة حصول العميل على سيولة نقدية، وتولي البنك ـ في الغالب ـ مهمة بيع السلعة نيابة عن العميل بموجب توكيل خاص يوقعه العميل للبنك، وتقليص الخسارة التي كان يتعرض لها العميل نتيجة بيع السلعة بمعرفته نقدا، وأن البنوك اكتسبت خبرة كبيرة في ترتيب اتفاقيات البيع والشراء قللت من الفرق بين ثمن الشراء والبيع النقدي.

واستعرض مدير البرامج التدريبية في دار المراجعة الشرعية المؤيدين لبيع «التورق» الذين يرون أنه خال من الربا والجهالة ومكتمل الأركان والشروط، ويتماشى مع حاجة الناس وتلبيتها مع ندرة من يقدم القرض الحسن في الوقت الحالي، وأن أصحاب هذا الرأي هم فقهاء الحنابلة وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل.

كما أيد منتج «التورق»، كما اكد مصطفى إبراهيم، مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي خلال دورته الخامسة عشرة في مكة المكرمة 1998، والذي أجازه بشرط ألا يبيع المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول، (لا مباشرة ولا بواسطة) وإلا وقع في بيع العينة المحرم شرعا لاشتماله على حيلة الربا، إلى جانب هيئة كبار العلماء في السعودية وعدد من الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية.

لكن مصطفى إبراهيم أشار في الوقت نفسه إلى أن منتج «التورق» له معارضون مثلما له مؤيدون، خاصة في «التورق المصرفي المنظم»، وأن المعارضين ومنهم مجمع الفقه الإسلامي حرموا «التورق» الذي يقوم على شراء البنك كمية من السلع من السوق الدولية ثم بيعها بالأجل على عملائه الذين يوكلون البنك ببيعها مرة أخرى على غير بائعها الأول نقدا وإضافة القيمة لحساباتهم طرف البنك.

وأضاف إبراهيم أن علماء معاصرين آخرين اعترضوا كذلك على «التورق المصرفي المنظم»، ومنهم العلامة الدكتور يوسف القرضاوى، والدكتور صديق الضرير، والدكتور حسين حامد حسان، والشيخ صالح عبد الله كامل، والدكتور صالح الحصين، والدكتور مختار السلامي وغيرهم.