تواجه المؤسسات المالية الإسلامية انتقادات كبيرة في الأعوام الأخيرة، خاصة مع انتشار المصارف الإسلامية، وتحول كثير من البنوك التقليدية إلى العمل المصرفي الإسلامي.
وتتركز معظم القضايا التي تواجهها المصارف الإسلامية، في الإخلال بالاتفاقات والعقود المبرمة بين الطرفين، وعدم وضوح الرؤية في المعاملات المصرفية، إلى جانب الشكوك في مصداقية تطبيقات المنتجات المتوافقة مع الشريعة كالتورق.
ويرى كثير من المتعاملين مع البنوك الإسلامية، أن كثيرا من عقود التمويل التي يكثر عليها الطلب في الأعوام الأخيرة، غير واضحة ولا تتضمن مقدار هامش الربح الذي تتقاضاه البنوك التي تقدم منتجات إسلامية.
وتتضمن هذه التجاوزات في المعاملات، عدم إبلاغ العميل بالنسبة الكاملة على مبلغ التمويل، حيث تتضمن إعلانات البنوك نسب قليلة في الربح على التمويل، فيما يجد العميل أن النسبة زادت واحتسبت بطريقة تراكمية تعتمد على سنوات تسديد التمويل.
كما يرى عملاء البنوك أن تطبيقات المنتجات كالتورق، يشوبها بعض الغموض في مصداقية البنك في تطبيق الشراء والبيع للسلع المقابلة لمبلغ التمويل، إلى جانب عدم توضيح تفاصيل التمويل للعميل واستغلال الحاجة للمبلغ بتوقيعه على العقد.
واعتبر مهتمون في المصرفية الإسلامية عامل الأخلاق في المعاملات المصرفية، أمرا بالغ الأهمية ويجب أن تهتم به البنوك وتركز جهدها عليه، مؤكدين أن السيرة التاريخية توضح أن كثيرا من تجار المسلمين ساهموا في نشر الإسلام بأخلاقهم التي كانوا يتعاملون بها في البلدان غير الإسلامية.
ويرى المهتمون أن المصارف الإسلامية في الدول الغربية عليها العبء الأكبر في أهمية تدريب منسوبيها على المعاملات المصرفية الصحيحة، إضافة إلى البعد الأخلاقي في كيفية تقديم المنتجات وعدم إهمال شكاوى العملاء أو استفساراتهم، وأن ذلك يعطي الصورة الحقيقية للفكر الإسلامي الاقتصادي، والذي يرشح أن يكون بديلا لكثير من النظم الاقتصادية الموجودة في العالم حاليا.
وهنا يرى الدكتور محمد بن علي القري، أستاذ الاقتصاد الإسلامي وعضو عدد من الهيئات الشرعية في البنوك، أن المصرفية الإسلامية مطالبة بالأخذ بالمقاصد الشرعية للمصرفية، وألا تكتفي بتقديمها منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
وقال القري إن الإسلام حرم الربا لإيجاد العدالة ورفع الظلم، وأن الممارسات التي قد تحصل من البعض تدخل في باب ظلم العميل، مؤكدا ضرورة أن تهتم المصارف بالصورة الكلية للاقتصاد الإسلامي والرحمة والرأفة بالعملاء، وألا تكون أداة لإعادة توزيع الثروة والدخل لأنها تأخذ جانب الوسطية والعدالة.
وحمل القري العملاء مسؤولية ما يتعرضون له من بعض البنوك، وأن العميل يجب أن يقرأ شروط العقد جيدا قبل الموافقة عليه، مشددا على ضرورة أن تقوم البنوك بتوضيح وشرح كافة بنوك العقد، وأنه لا يجوز أن تخفي البنوك الإسلامية بعض المعلومات أو تكتبها بطريقة لا توضح التزامات الطرف الثاني وهو العميل.
وأكد القري أن الهيئات الشرعية تحرص على مراجعة العقود التي تعرضها عليها البنوك، وأنها تدقق في الالتزامات والحقوق المتولدة من هذه العقود والتي يجب أن تكون منسجمة مع متطلبات الشريعة الإسلامية وتحقق العلم بين طرفي العقد.
وحول طريقة صياغة العقود في البنوك الإسلامية والتي تكون جاهزة مسبقا وليس للعميل خيار التفاوض فيها ومدى شرعية ذلك، أوضح الدكتور القري أن كثرة عملاء البنوك من الأفراد يجعل من الصعب التفاوض مع كل شخص على حدة، وأنه يستحيل تلبية رغبات العملاء الأفراد والذين في الغالب لديهم حسابات جارية في هذه البنوك. كما أوضح القري أن البنوك تتفاوض في تعاملاتها مع العملاء الكبار كالشركات الكبيرة، وأن اختلاف المعاملة بين الكبار والصغار يعود إلى قلة هذه الشريحة مع العملاء الأفراد، إلى جانب أن الشركات الكبيرة غالبا ما تلجأ للبنوك الإسلامية للحصول على تمويلات متوافقة مع الشريعة، والتي تدخل فيها المنافسة بين المصارف الإسلامية.
وشدد أستاذ الاقتصاد الإسلامي على ضرورة أن تكون هناك متابعة من الجهات الرقابية والإشرافية وجمعيات حماية المستهلك، وكذلك الهيئات الشرعية التي يجب أن تكون عينا مستيقظة لتصحيح ما يؤدي إلى ظلم الأطرف الأضعف وليس الأقوى.
وطالب القري المؤسسات المالية الإسلامية وغير الإسلامية، بأهمية مراعاة حرمة شهر رمضان المبارك، وأن تقدم لعملائها معاملات جائزة، وأن تسعى بقدر الإمكان إلى التوقف عن كل المعاملات المحرمة.
وتوجه بعض لانتقادات للمصارف الإسلامية بين فترة وأخرى، من حيث إهمال العامل الأخلاقي والمهني في التعامل مع العملاء، وعدم إدراك أثر ذلك على إقبال الجمهور على التعامل مع المصارف الإسلامية، خاصة أن كثيرا من موظفي البنوك الإسلامية لا زالوا لا يفرقون بين بعض المصطلحات الاقتصادية كالتورق الذي يطلقون عليه اسم (القرض) دون قصد منهم، وإنما لعدم استيعابهم وفهمهم للمعاملات المصرفية الإسلامية.
كما تطال الانتقادات المجال المحاسبي في بعض البنوك الإسلامية، بما يلزم العاملين فيها بمعايير وضوابط أخلاقية مستمدة من الشريعة الإسلامية، والتي تنبع من منطلق الرقابة الذاتية ومحاسبة النفس. وكانت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية قد وضعت ميثاقا لأخلاقيات العاملين في المؤسسات المالية الإسلامية، مشيرة إلى البعد الديني والقيم المستمدة من حصيلة التجربة الإنسانية كإطار يحكم التعامل المالي الإسلامي.
وورد في ميثاق هيئة المحاسبة «أنه بما أن العمل المصرفي الإسلامي مهنة تتأثر بقيم المجتمع وأخلاقياته فإن التأثير ينبغي أن يكون لقيم المجتمع الإسلامي وأخلاقياته، وأن يظهر ذلك في التكوين الشخصي، والتأهيل الفني، والمزاولة المهنية للعاملين في المؤسسة». ويرى البعض ضرورة الاهتمام والتركيز على إلزامية ارتباط الأخلاق بالعمل عبر أداء الموظفين في المصارف الإسلامية، بما يساهم في تمثيل صورة إيجابية وواقعية في الأداء الإسلامي ويساهم في زيادة الإقبال على التعامل مع المؤسسات المالية الإسلامية.
كما يطالب البعض بأهمية اهتمام المصارف الإسلامية بسماع شكوى العملاء، ووضع آلية للحد من أي سلبيات تطرأ، وذلك عن طريق تدريب الموظفين ورسم خطوط واضحة لهم تساهم في تذكيرهم بأخلاقيات العمل الإسلامي، وصولا إلى مؤسسات مالية إسلامية تعد النموذج والقدوة في التعريف بالنظام الاقتصادي.