الصيرفة الإسلامية والتفكير خارج الصندوق

لاحم الناصر

TT

يعبر عن التفكير بطرق تقليدية داخل الصندوق حيث تتداول الأفكار والحلول ضمن حدود معروفة ومجربة بعيدا عن الإبداع والتجريب ومحاولة التفكير خارج الصندوق الرحب والانطلاق في البحث عن الفكرة الإبداعية وحل المشكلات دون الوقوع في اسر الفكرة النمطية التقليدية. فالإسلام دين يشجع على التفكير الإبداعي الخلاق. ومن هذا الباب جعل الإسلام الأصل في المعاملات الحل إلا ما نص الشرع على تحريمه، وهي أمور قليلة مثل الربا والجهالة والغرر والميسر، حيث ان المعاملات تتطور وتتغير بتغير الزمان والمكان خلافا للعبادات التي هي أمور توقيفية فلا تتغير بتغير الزمان والمكان. وبالنظر إلى منتجات الصيرفة الإسلامية وما قدمته في عمرها الذي تجاوز الثلاثين عاما نرى أنها لا زالت تفكر بطريقة تقليدية أي نمط التفكير داخل الصندوق وأضلاع هذا الصندوق هي منتجات الصيرفة التقليدية والتراث الفقهي المدون في بطون الكتب، فهي لم تأت بمنتجات مبتكرة وإنما أدوات مصرفية بديلة عن أدوات الصيرفة التقليدية تأخذ الصبغة الشرعية وهي أسيرة الصيرفة التقليدية وأدواتها. فعلى سبيل المثال التمويل في المصارف الإسلامية يتم بعقود شرعية لا تخرج عن إطار المداينة التي تمارسها المصارف التقليدية بعقود ربوية، حيث ان الأدوات الإسلامية القائمة على المشاركة في الربح والخسارة والتي شكلت اللبنة الأساسية في فكرة الصيرفة الإسلامية استبعدت تماما من طرق التمويل في هذه المصارف. ولعل هذا النمط من التفكير والذي أدى إلى هذه الكارثة يعود إلى أسباب منها، ضعف الإيمان بالصيرفة الإسلامية وأهدافها، وان هناك فرقا بينها وبين الصيرفة التقليدية لدى التنفيذيين القائمين على الصيرفة الإسلامية، إذ ان جلهم من رجالات الصيرفة التقليدية يضاف إلى ذلك قلة معرفتهم بالصيرفة الإسلامية وأدواتها والمقاصد الشرعية لها فهم يتعاملون معها على أساس أنها أداة تسويقية لا أكثر. وقد أدت هذه الرؤية إلى عدم رغبتهم في إيجاد أدوات مصرفية إسلامية أصيلة تستنبط من أصول الشرع وتعمل مقاصده، وبالتالي أدى ذلك إلى قلة الأموال المخصصة للأبحاث في هذه المؤسسات في هذا المجال إن وجد!! ونبذ كل مبدع خلاق يفكر خارج الصندوق مع ندرة هؤلاء المبدعين في الصيرفة الإسلامية. والضلع الثاني من أضلاع هذا الصندوق هو التراث الفقهي المدون في بطون الكتب، والذي بدلا من ان يساهم في تحريك عجلة الإبداع من حيث استلهام تجارب علماء هذه الأمة في إيجاد الحلول وابتكار الأدوات المناسبة لعصرهم عبر رجوعهم إلى نصوص الكتاب والسنة والتفقه فيها وإعمال مقاصد الشرع الحنيف بالتيسير على الأمة والنظر في مصالحها. فكان ان ظهر عقد الاستصناع والاستجرار والحكر وغيرها من العقود التي تزخر بها مدونات الفقه الإسلامي، مما أدى إلى إعاقة التفكير الإبداعي نتيجة إصرار الكثير من الفقهاء على تقليد هذه الأقوال والتقيد بها وعدم مخالفتها وإغلاق باب الاجتهاد في فهم النصوص لابتكار عقود وصيغ لم يرد فيها قول فقيه سابق. وهذا نتاج الخشية من الانتقاد أو عدم القدرة على الاجتهاد والاستنباط من النصوص الشرعية فكانت كل فكرة جديدة أو صيغة من الصيغ أو قول في مسألة من المسائل المعاصرة لم يرد لها نظائر في الأقوال السابقة مرفوضة وغير مقبولة مما حال بين الصيرفة الإسلامية والإبداع ومن تيسر له حضور بعض الندوات الفقهية التي تعقد حول الصيرفة الإسلامية عرف صدق ما أقول. وفي الختام إذا أرادت الصيرفة الإسلامية ان تبدع أدواتها وان تحقق غاياتها فلا بد لها من التفكير خارج الصندوق.

* خبير في المصرفية الإسلامية [email protected]