كثر في العالم الإسلامي لغط شديد حول جواز استخدام بطاقات ائتمان تتوافق مع الشريعة في ظل تزايدت المنافسة بين البنوك في الأعوام الأخيرة، في تقديم بطاقات ائتمانية توصف بأنها متوافقة مع الشريعة.
ومع بروز هذه البطاقات التي تعرف أيضا بمصطلح النقود البلاستيكية وانتشارها بكثرة لدى المتعاملين، إلا أن العملاء تزايدت شكاواهم من التكاليف الباهظة التي تتقاضها البنوك الإسلامية على البطاقات، والتي تفوق البطاقات التي تقدمها البنوك التقليدية.
ويرى المتعاملون مع البنوك، أنهم فوجئوا من تكلفة الحصول على بطاقة الائتمان التي تقدمها المصارف على أنها متوافقة مع الشريعة الإسلامية أو «مجازة من الهيئة الشرعية» للبنوك نفسها.
وتعد بطاقات الائتمان من أنجح ابتكارات القرن الميلادي العشرين لأنظمة الدفع الآجل. وبدأ استخدامها في الولايات المتحدة عام 1920 لتسديد قيمة وقود المركبات في بعض المحطات المخصصة لذلك. وتزايد عدد شركات الوقود التي توفر هذا النوع من التسهيلات لعملائها في منتصف الثلاثينات من القرن الميلادي الماضي. وتمتلك شركات «أميركان إكسبرس» و«ماستر كارد» و«فيزا» الحصص الكبرى من أسواق بطاقات الائتمان في العالم، وتسوق البنوك الإسلامية بطاقات ائتمان بالتنسيق مع هذه الشركات. ويبلغ سوق البطاقات في السعودية نحو 400 مليار ريال (106.6 مليار دولار)، وتتصارع البنوك المحلية والأجنبية في السعودية للفوز بحصة الأسد في سوق تشهد عملياته أكثر من 600 مليون عملية مصرفية بواسطة بطاقات الائتمان.
وعلى مستوى العالم، وصلت العائدات السنوية لشركة «أميركان إكسبرس» نهاية 2005 أكثر من 29.1 مليار دولار. وعزت الشركة هذا الارتفاع إلى تطور سلوك الإنفاق لدى حاملي بطاقاتها. وحققت «ماستر كارد إنترناشيونال» نتائج قياسية أيضاً قبل سنوات في كافة قطاعات الإنفاق، حيث استخدم حاملو بطاقات الائتمان قبل نحو عامين 679.5 مليون بطاقة تحمل علامة «ماستر كارد» في مختلف أنحاء العالم، وأجروا باستخدامها حوالي 16.7 مليار عملية مالية، مولدين إجمالي حجم إنفاق وصل إلى 1.5 تريليون دولار.
في ذات السياق، يرى باحث في المصرفية الإسلامي ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ أن جزءا من البطاقات التي تقدمها حاليا البنوك في دول العالم الإسلامي تدخل في خانة «الربا»، بسبب تطبيقها احتساب الفوائد بطرق أخرى، مشيرا إلى أن بعضها فاق بطاقات الائتمان التي تقدمها البنوك التقليدية.
وقال الباحث الذي يعتبر أحد الخبراء في مجال المصرفية الإسلامية، إن البنوك تدعي أنها تقوم بعملية تورق وبيع سلع نيابة عن العميل في الأسواق العالمية وقبض الثمن وتسديد مستحقات البطاقات على أن يقوم العميل بتقسيط المبالغ المتبقية على البطاقة. لكنه أشار إلى أن المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الأخيرة التي أقيمت في مسقط شن هجوما حادا على من يجيز مثل هذه البطاقات.
وتتمثل طريقة الفوائد التي تحصل عليها البنوك الإسلامية أو البنوك التقليدية التي لديها نوافذ أو فروع للمصرفية الإسلامية تكون من خلال احتساب رسوم شهرية على البطاقة تختلف بحسب نوع البطاقة، خلاف الرسوم السنوية، مما يعني أن البنوك تحصل على فائدة من العميل سواء استخدم البطاقة أم لا.
وهنا يدلل الباحث على أن عددا محدودا من البنوك السعودية لا يتجاوز ثلاثة فقط أصدروا بطاقات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وهي بطاقة الائتمان والحسم الآجل CHARGE CARD، مفيدا أن البنك يمنح فيها حامل البطاقة قرضاً في حدود معينة، بحسب درجة البطاقة فضية أو ذهبية، ولزمن معين.
ويضيف أنه لزاما على العميل أن يسدد المبلغ كاملاً في وقت محدد متفق عليه عند الإصدار، ولا يترتب على حاملها لدى تأخير السداد زيادة مالية ربوية، وغالبا ما تكون مهلة التسديد بين 45 إلى 54 يوما تقريبا يتم بعدها الحسم مباشرة من حسابه الجاري لكامل المبلغ.
ويسترسل في حديثه إلى أن ما تقوم به البنوك من تقديم بطاقات ائتمانية إسلامية، ما هو إلا تحايل على الربا، وفيها ظلم وأكل لمال العميل وأنها صورة من صور (قلب الدين).
ويبين أن صورة (قلب الدين) تكون عن طريق بيع سلعة بالأجل للعميل في السوق العالمية وبموافقة العميل الذي هو بالأصل موافق على ذلك، ومن ثم يقبض البنك الثمن ويسدد فيه مستحقات البطاقة على أن يقوم العميل بتقسيط المبلغ والرسوم الشهرية الثابتة والسنوية للبنك.
ويرى الخبير أن العبء الأكبر في موضوع البطاقات الائتمانية يقع على الهيئات الشرعية للبنوك، مفيدا أنها هي من شجع المصارف على طرح مثل هذه المنتجات التي أجمع معظم علماء المسلمين في الوقت الحاضر على عدم مشروعيتها. واستدل في هجومه هذا على أن البنوك تهدف من إصدار البطاقة الحصول على الفائدة «وهو أمر محرم» لأنه لا يجوز أن تؤخذ وسيلة إلى المحرم، و«كل قرض جر نفعا فهو ربا».
ويحذر الخبير عملاء البنوك من مغبة الوقوع في شرك البطاقات الائتمانية والتي تنشط حملاتها الإعلانية وإغراءاتها في مثل هذه الفترة من كل عام، مؤكدا أنه لا توجد بطاقات ائتمانية جائزة شرعا إلا بطاقات الحسم الآجل والتي يطبقها عدد محدود من البنوك. في المقابل، تدافع الهيئات الشرعية العاملة في البنوك عن الاتهامات التي تطال البنوك الإسلامية في تقديمها للبطاقات الائتمانية، مؤكدة أن البطاقة الائتمانية تمثل كفالة من البنك للعميل، خاصة عند استخدامها في أماكن كالفنادق والتي تطلب بطاقة الائتمان فور وصول العميل للفندق. ويستندون إلى أن هذه البطاقات ستحل في المستقبل بديلا عن النقود بشكل نهائي عاجلاً أم آجلاً.
ويرى أعضاء الهيئات الشرعية أن ما تأخذه البنوك من رسوم إدارية هي حق لها لأنها تبحث عن الربح، وأن الرسوم هذه خير من الفائدة الربوية التي تؤخذ من البنوك التقليدية، غير أنه يؤيد ما يتناقله البعض من أن الرسوم الإدارية مبالغ فيها لدى معظم البنوك المحلية.
كما يرون أن ما يقال عن وجود صورة (قلب الدين) غير صحيح، مستندين إلى أن للعميل الخيار في قبول أو تفويض البنك في بيع سلع عن طريق التورق وتسديد مستحقات البطاقة من المبلغ المستحصل عليه من تلك العملية، مشيرين إلى أن هذا الإجراء يسمى (البيع الفضولي) وهو شراء السلعة نيابة عن العميل وبيعها وتسديد البطاقة بالثمن بموافقة العميل.
وعلى الرغم من أن دور الهيئات الشرعية في موضوع الرسوم الإدارية للبطاقات الائتمانية التي تبالغ فيها البنوك يقتصر على الجانب الشرعي، إلا أن لهم محاولات عديدة مع كثير من البنوك لحثها على تخفيض الرسوم.
وتشهد السعودية هذه الأيام حملات إعلانية ضخمة لبطاقات الائتمان، وتبرز البطاقات الإسلامية في الصدارة ومنها ما هو موجه للسيدات، خاصة مع ابتكار مسميات ومصطلحات توحي للعميل بجوازها وسهولة اقتنائها وتسديدها.