ندوة البركة الفقهية والتأسيس للمسؤولية الاجتماعية للشركات

TT

في كل عام ومع إطلالة شهر رمضان المبارك يلتم شمل العاملين والمهتمين بالصيرفة الإسلامية من علماء واقتصاديين وعاملين في القطاع المصرفي الإسلامي من جميع أنحاء العالم برعاية كريمة من مجموعة دلة البركة في ندوة البركة الفقهية والتي أتمت هذا العام عامها الثامن والعشرين.

ثمانية وعشرون عاما من العطاء والإنجازات في مجال الصيرفة الإسلامية التي تحسب لمجموعة دلة البركة القائمة عليها، ففي كل عام تستكتب الندوة العديد من العلماء والباحثين الاقتصاديين في العديد من القضايا المستجدة في الصيرفة الإسلامية أو في القضايا التي اختلفت فيها آراء الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية لبيان الرأي الراجح من المرجوح. وتستمر الندوة لمدة ما بين يومين إلى ثلاثة أيام يتم فيها استعراض العديد من أوراق العمل والأبحاث المقدمة وفي ختامها يتم إصدار توصيات بما استقر عليه السادة العلماء من أراء فقهية في المسائل المطروحة. وقد بلغ من أهمية هذه التوصيات الصادرة عن هذه الندوة ان تبنتها المجامع الفقهية فقامت بدراستها وإصدار العديد من القرارات على ضوء هذه التوصيات. ولعل من اشهر هذه القرارات ما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي بمنع التورق المصرفي المنظم وقلب الدين حيث تم تناول هذه المواضيع في ندوة البركة قبل ان تتم دراستها في مجمع الفقه الإسلامي. ولا شك ان هذا الجهد يذكر فيشكر لمجموعة دلة البركة وبالأخص رجل الأعمال، صالح كامل رئيس مجموعة دلة البركة. حيث تحملت المجموعة عبأ تنظيم هذه الندوة سنويا منذ انطلاقتها وحتى يومنا هذا، مع رعايتها ماديا ومعنويا وإعلاميا إضافة إلى تبني التوصيات الصادرة عن هذه الندوة في أعمال مجموعة دلة البركة المصرفية. ولا شك ان هذا العمل يدل على وعي المجموعة بالمسؤولية الاجتماعية تجاه مجتمعها كما انه يؤسس لنشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى المؤسسات المالية وشركات القطاع الخاص في العالم الإسلامي والذي تفتقد جل مؤسساته لفلسفة المسؤولية الاجتماعية مع أنها ركن مكين في شريعتنا الإسلامية التي دعت المجتمع إلى التكاتف والتعاضد. فقال صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه.

فكم لدينا من الشركات الكبرى التي جعلت المسؤولية الاجتماعية جزءا من سياساتها وأهدافها المدونة؟!! وكم لدينا من الشركات التي لديها برامج تعنى بالمسؤولية الاجتماعية؟!!! لا شك ان المسؤولية الاجتماعية للشركات لم تعد ترفا اجتماعيا بل أصبحت قانونا أخلاقيا غير مكتوب يجب على الشركات الالتزام به وتخصيص جزء من ميزانيتها له حتى تتشارك المنافع مع مجتمعها خصوصا في الاقتصاديات التي لا تفرض ضرائب على شركاتها مثل الاقتصاد الخليجي فكم من المؤسسات الخليجية خصصت جزءا من ميزانيتها لبرامج رعاية الموهوبين أو للمنح الدراسية للمتفوقين أو للأبحاث الطبية والأكاديمية أو العناية بالبيئة وغيرها من البرامج.

لقد أصحبت المسؤولية الاجتماعية للشركات أو ما يسمى باللغة الإنجليزية Responsibility (CSR) Corporate Social ركنا أساسيا في فلسفة الشركات الغربية الكبرى. حيث لا تتوقف هذه المسؤولية عند التبرعات المالية للمشروعات والمؤسسات الخيرية بل تتعدى ذلك إلى الإدارة الأخلاقية وتشارك المنافع مع طبقات المجتمع المختلفة مما يعود على الشركة بزيادة ولاء عملائها لها والتصالح مع مجتمعها مما يقلل النزاعات ويؤدي إلى استقرارها وزيادة إنتاجها.

وهناك جهود عالمية بذلتها الأمم المتحدة لإيجاد مدونة عالمية لمعايير المسؤولية الاجتماعية للشركات، كما ان بعض الحكومات وضعت مدونات بالمسؤولية الاجتماعية للشركات العاملة بها مثل بريطانيا.

وانطلاقا من هذه الجهود العالمية لإيجاد مدونة للمسؤولية الاجتماعية للشركات فإنني أدعو المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لتبني صياغة مدونة للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات المالية الإسلامية قائمة على الكتاب والسنة مع الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال.

* خبير في المصرفية الإسلامية [email protected]