أين تذهب مبالغ التطهير؟!!

لاحم الناصر

TT

يقصد بمبالغ التطهير، أي إيرادات حرمتها الشريعة الإسلامية تحصل عليها الشركة أو المؤسسة المالية مثل غرامات التأخير التي تفرضها بعض المؤسسات المالية الإسلامية أو تفرض في المعاملات المصرفية الإسلامية في المصارف التقليدية على المدين المماطل. حيث نصت كثير من قرارات الهيئات الشرعية على جواز فرضها على المدين المماطل على سبيل العقوبة، ومثل أرباح الشركات المساهمة التي توجد لديها استثمارات محرمة مثل السندات والودائع الآجلة أو إيرادات من أنشطة محرمة وفق الضوابط الشرعية المقرة للاستثمار في الأسهم.

لقد نصت جميع الهيئات الشرعية في قراراتها على انه يحرم على المؤسسة المالية الاستفادة من هذه الإيرادات بأي صورة من الصور، بل يجب تجنيبها في حساب خاص ومن ثم صرفها في الأعمال الخيرية على سبيل التخلص منها. فهل التزمت هذه المؤسسات المالية بهذا القرار شكلا ومضمونا؟! وأين تذهب هذه الأموال؟! وهل يتم الإفصاح عنها في القوائم المالية؟! وإذا كان يتم الإفصاح عنها فتحت أي بند في الميزانية؟ ومن هو صاحب القرار في صرفها؟ والحقيقة المرة ان الكثير من المؤسسات المالية تلتزم بهذا القرار شكلا دون المضمون فتجدها تخصص حسابا لهذه الإيرادات تحت مسمى حساب الخيرات أو ما يسمى charity account ومن ثم تقوم باستغلال الأموال الموجودة في هذا الحساب في دفع جزء من تكاليف الدعاية للمؤسسة المالية مثل رعاية المؤتمرات والندوات بحيث تدفع رسوم الرعاية من هذا الحساب والتبرع لبعض المؤسسات البحثية لوضع شعار المؤسسة المالية في دوريات هذه المؤسسة ونشراتها أو رعاية الأنشطة الاجتماعية لمؤسسات المجتمع المدني. وفي الحقيقة ان هذا السلوك محرم شرعا ومرفوض أخلاقا حيث ان فيه وقاية لأموال المؤسسة المالية وتعظيم لأرباحها باستغلال أموال لا تملكها شرعا ولا تحل لها، لتحسين صورتها والدعاية لها وإظهارها بمظهر المؤسسة المتحملة لمسؤوليتها الاجتماعية، ولا شك انه سلوك كاذب خادع فلو لم تكن لديها هذه الأموال التي يجب تطهيرها لما وجدت لها هذا النشاط الخيري.

بل ان بعض المؤسسات المالية لا تتخلص من مبالغ التطهير وفقا لقرار هيئتها الشرعية بل تبقيها في حساب الخيرات لديها ومعلوم ان هذا السلوك لا يجوز شرعا، خصوصا في المؤسسات المالية لما فيه من التأخر عن فعل الواجب. حيث يجب التخلص منها على الفور. كما ان في بقائها في هذا الحساب زيادة في ملاءة المؤسسة المالية وقدرتها على التمويل، مع استثمار المؤسسة المالية لهذه الأموال حيث أننا نعلم ان المؤسسات المالية لا تبقى لديها أي سيولة بدون استثمار فأين يذهب عائد هذه الحسابات الخيرية؟ خصوصا إذا علمنا ان غالب المؤسسات المالية لا تفصح عن هذه الأموال في تقاريرها المالية و ميزانيتها السنوية وإذا أفصحت عنها فتحت بند الأعمال الخيرية.

ولعل هذا الخلل في استغلال مبالغ التطهير يعود لأمرين، أولها ان الكثير من الهيئات الشرعية اكتفت بالقرار الشرعي بخصوص هذه الأموال ولم تتبعه بآلية إخراجها.

كما ان الكثير من الهيئات الشرعية جعلت قرار صرف هذه المبالغ منوطا بإدارة المصرف أو القائمين على المصرفية الإسلامية من باب الثقة بهم وهذا من التفريط بالمسؤولية الشرعية، خصوصا إذا علمنا ان الكثير من الهيئات الشرعية لا تطالب هذه الإدارات بتقارير دورية حول هذه الحسابات ووجوه صرفها.

الأمر الثاني هو عدم وجود آلية رقابية ومحاسبية من الجهات الرقابية مثل المصارف المركزية أو مؤسسة النقد خاصة بمراقبة الصيرفة الإسلامية تراعي خصوصيته عملها ومن هذه الخصوصية ما نحن بصدده من وجوب وضع آلية للتسجيل المحاسبي لهذه الأموال و المطالبة بالإفصاح عنها في القوائم المالية تحت بند التطهير ووضع سياسات وإجراءات موحدة لصرف هذه الأموال لضمان عدم التلاعب بها.

* خبير في المصرفية الإسلامية

[email protected]