معايير «بازل 2» وصغر حجم الرساميل أبرز التحديات أمام البنوك الإسلامية

الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية لـ «الشرق الأوسط» : في 5 سنوات تغلبت المصرفية الإسلامية على خبرة 300 عام للبنوك التقليدية

عدنان يوسف («الشرق الأوسط»)
TT

أكد عدنان أحمد يوسف الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية أن أبرز التحديات التي تواجهها البنوك الإسلامية يتمثل في حجوم رؤوس أموالها الذي يعتبر صغيرا مقارنة بالبنوك التقليدية، إلى جانب تطبيقات بعض المعايير المصرفية كمعيار «بازل 2». وبين أحمد يوسف، أن «ندوة البركة المصرفية» كان لها إسهاما كبيرا في تطوير وابتكار منتجات مصرفية إسلامية، مفيدا أن لها الفضل ـ بعد الله ـ فيما وصلت إليه البنوك الإسلامية من تقدم.

وأوضح يوسف في حوار مع «الشرق الأوسط» في جدة، أن البنوك الإسلامية بدأت تأخذ وضعها تدريجيا بجانب البنوك التقليدية، مع تفهم كثير من البنوك المركزية الرسمية في دول العالم لطبيعة عمل المصارف الإسلامية وأهميتها الاقتصادية. إلى التفاصيل:

* مضى أكثر من ربع قرن ومجموعة البركة المصرفية تنظم ندوتها السنوية. ما تقييمكم لها؟

ـ ندوة البركة المصرفية التي تنظم في كل عام، هي حقل من حقول البحث الفقهي للمنتجات الإسلامية، ونحن نفخر أن الندوة لها الفضل الكبير فيما وصلت إليه المصرفية الإسلامية من تقدم حاليا، ولولاها لما وصلت البنوك الإسلامية إلى ما وصلت إليه.

* كيف ذلك؟

ـ لأن جميع المنتجات الإسلامية تم بحثها ومناقشتها علميا وفقهيا في ندوات البركة المصرفية طوال 28 عاما، وفوق ذلك فإن ندوة البركة كانت من الندوات المهمة التي جذبت المنتجات المصرفية من خارج نطاق البنوك الإسلامية فأعطت خلال الأعوام الماضية دفعة قوية للبنوك الإسلامية. كما أن الندوة تدار وتنظم بطريقة علمية وليست فقهية فقط أي (علمي وفقهي) فضلا عن الجانب التطبيقي، ونوقشت خلال سنواتها بحوث كثيرة، والآن كما ترى البحوث قلت إلى ما هو الأهم والقضايا الشائكة.

* وهل هناك تطوير وتحديث للفقه الإسلامي بحيث يتم إيصاله للعالم الغربي؟

ـ العلماء الأجلاء خلال 1400 سنة لهم إسهامات وبحوث كثيرة في هذا المجال ولكن الاقتصاد متطور، وكذلك البحوث والندوات التي تعقد بين فترة وأخرى تمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، بهدف توضيحها لغير العرب، مثل موضوع الإجارة المنتهي بالتمليك والإجارة الموصوفة بالذمة، هذه الأشياء ما كانت موجودة لدى الغرب وكذلك الصكوك، فجميع المنتجات الإسلامية يتم توضيحها للعالم الغربي.

* إلى أي مدى يمكن أن نقول إن المصرفية الإسلامية عرفت بنفسها وقدمت هويتها؟

ـ نحن جزء مؤسس لصناعة المال الإسلامية، وكل التحديات التي واجهناها ترتبط في الأساس بماهية الفكر المالي الإسلامي، ومدى قدرته من الناحية العملية على التعاطي مع احتياجات المجتمعات المالية والاستثمارية، ولا شك أن أعظم تحد يواجه هذه الصناعة هو مسألة إثبات الهوية سواء على مستوى عالمنا الإسلامي، أو على مستوى المجتمع المالي الدولي، الأمر الذي استغرق معه صناعة المال الإسلامي فترة طويلة. وقد تجاوزنا هذه المرحلة الآن ـ بفضل الله ـ وأصبح لنا مؤسسات داعمة، بعضها أسهم في تأسيسه صندوق النقد الدولي والبنوك المركزية، ومهمتها الأساسية هو ترسيخ العمل المؤسسي الجماعي المنضبط بمعايير وسياسات تتواضع عليها أسرة الصناعة مجتمعة.

* نجحتم في استقطاب عملاء في البنوك التابعة لكم في بريطانيا. إلى ماذا تعزوا هذا النجاح؟

ـ نحن أسسنا بنكين إسلاميين في بريطانيا، والعملاء هناك كانوا يناقشوننا ويستفسرون عن المنتجات، فالناس هناك لم يأخذوا المنتج على أنه جذب الودائع فقط بل ناقشوا الموضوع من ناحية نظرية وأجروا عليه بحوثا في جامعات كبيرة، وناقشوها من ناحية علمية وشرعية واجتماعية وقانونية، حتى عرفوا فيما بعد أنها منتجات ملائمة ومطلوبة. وبما أن الصناعة المالية الإسلامية لا تزال حديثة نسبيا، فمن الطبيعي أن تكون أقل تفهما من قبل العملاء، وحتى من قبل بعض المؤسسات الإسلامية نفسها. ويجب تأسيس مراكز مرجعية من قبل هذه المؤسسات تأخذ على عاتقها مهمة تثقيف كافة أطراف السوق، وأن تحظى هذه المراكز بدعم الجهات الرقابية. وفي غياب مثل هذه المراكز، سيواجه مقدمو الخدمات من البنوك الإسلامية، صعوبات جمة في إنشاء أسواق متخصصة للمنتجات بسبب غياب الفهم الصحيح لاحتياجات العملاء.

* كيف ترى واقع المصرفية الإسلامية؟

ـ المصرفية الإسلامية تنمو حاليا بشكل متسارع، وبعض الدول التي كانت منغلقة عن العالم الإسلامي بدأت فتح الأبواب للبنوك الإسلامية للعمل في بلادها وقامت بتشجيع المؤسسات المالية الإسلامية بالوجود في دولها، إضافة إلى تحركات جيدة من قبل بعض الدول الأوروبية التي بدأت تفتح الأبواب أمام البنوك الإسلامية مثل بريطانيا التي فتحت المجال للمصرفية الإسلامية بعد تثبتها من أن تلك البنوك تقدم إضافة للاقتصاد العالمي.

والبنوك الإسلامية تمكنت أخيرا من تغطية الفجوة التي كانت موجودة في السابق من المدققين الذين يقومون بالتدقيق الفني في المعاملات المالية وكذلك في التدقيق الشرعي للتأكد من أن الفتوى التي تم إصدارها من قبل الهيئة تم تثبيتها بطريقة شرعية وفنية.

* هناك من يرى أن هناك تحديات تواجهها المصارف الإسلامية كالتشريعات والأنظمة والقوانين. ما تعليقكم؟

ـ هناك بعض التحديثات مثل كيفية تطبيق البنوك الإسلامية معايير «بازل 2» في ظل وجود بعض الدول التي لم تقم بإصدار معايير خاصة لنظام «بازل 2» وتطبيقاته، وهذه واحدة من التحديات، وكذلك صغر رساميل البنوك الإسلامية.

وكثير من البنوك المركزية بدأت تتفهم وضع المؤسسات المالية الإسلامية واحتياجاتها، وهذا شيء جيد. وهناك دول غير إسلامية قامت بتشجيع المؤسسات المالية الإسلامية بالوجود في دولها، وبدأت تفتح الأبواب أمام المصرفية الإسلامية. وفيما يتعلق بالمنافسة والتحديات فإن العمل التجاري إذا لم توجد فيه تحديات فلن يكون فيه تطوير، ولهذا السبب البنوك الأجنبية بدأت تفتح نوافذ إسلامية، ما شجعنا على تطوير منتجاتنا.

ولو نظرنا إلى عمر المصرفية الإسلامية مقارنة بالبنوك التقليدية فإن الثلاثين عاما لا تعد شيئا مقابل البنوك التقليدية التي لها أكثر من 300 عام، ولكن في الأعوام الخمسة الماضية كانت هناك ثورة وطفرة كبيرتين للمؤسسات المالية الإسلامية وأصبحت تنافس البنوك التقليدية في مستواها في نظام المعلومات أو تحديث البيانات أو تحديث المنتجات وتقديمها في أسلوب المخاطبة مع العملاء. كما أن التحديات على المستوى العالمي، ناجمة عن تأثيرات ونتائج العولمة والتحرير المالي العالمي. والبنوك الإسلامية لا بد أن تتأثر بهذه التحديات والنتائج حالها في ذلك حال القطاعات الاقتصادية الأخرى.

وأعتقد أن العولمة تعد تحد، وبنفس الوقت عامل رئيسي لتشجيع المؤسسات في التسريع ببناء قدراتها الذاتية من أجل مواجهة المنافسة العالمية. وما لم تدرك المؤسسات المالية الإسلامية بشكل كامل هذه التحديات، فإن أنشطتها ستظل مقصورة في أسواقها المحلية، وهو ما يمثل تهديدا لفرص نمو الصناعة المصرفية التي كما ذكرنا تعتبر حديثة العهد نسبيا.

* هل ترى إذا أن المصارف الإسلامية بدأت فعليا في منافسة البنوك التقليدية؟

ـ هذا مؤكد، بدليل أنه عندما تدخل مصرفا أو بنكا إسلاميا تجد أنك في بنك متقدم ومفتوح لك حتى أنك تدخل عن طريق أنظمة المعلومات والإنترنت وكل ما يريده العميل، وهذا دليل قوي على أن البنوك الإسلامية أصبحت لا تختلف عن أي من البنوك الأخرى، حيث أصبحت تتمتع بوسائل جذب قوية للعميل.

* ما الهدف من توحيد بنوك مجموعة البركة؟

ـ توحيد بنوك البركة لتعمل تحت مظلة كيان مالي بحجم كبير جاء في المقام الأول لسد ثغرة مهمة من ثغور العمل المالي الإسلامي، وإيجاد بيئة تنظيمية تتميز بارتفاع مستوى الأداء المهني لتوافر الكفاءات، والقدرة على التنسيق والتحرك بمرونة. وتمكنت المجموعة خلال ثلاثة أعوام وهو زمن قياسي من إكمال الهيكل الإطاري التنظيمي القانوني، وتوحيد الحسابات، ما مكنها من الاستمرار في لعب دورها القيادي باعتبار أن المجموعة هي أحد أهم الأركان المحركة لصناعة المال الإسلامية اليوم.

وأعتقد أننا قد انتقلنا من مرحلة كنا فيها روادا بشهادة الجميع كمجموعة مصرفية عرف عنها تميزها من حيث المبادئ والنظم وآليات العمل وأدواته، وكذلك الضوابط والمعايير إلى مرحلة فرضت ضرورة التعاطي مع مسألة العولمة من منطلق أخذ المبادرة في مجال بناء القدرات والموارد. وقد اكتملت الأطر التنظيمية واستراتيجيات توسيع الموارد المالية.

* لكن البعض يرى أن حجم رؤوس أموال البنوك الإسلامية صغير مقارنة بالبنوك التقليدية. ما رأيك؟

ـ هذا صحيح لذلك مجموعة البركة طرحت جزءا من أسهمها للاكتتاب العام لزيادة رأس المال وتنويع المساهمين لدينا فوق 300 ألف مساهم في تركيا وحدها ولدينا 23 ألف مساهم، الآن تبلغ حقوق المساهمين 1.4 مليار دولار، وتمت عملية الطرح للمجموعة في 2006 بنجاح. وكما تعلم فإن المجموعة تعمل بطريقة استثمارية وتجارية، ولدينا حوالي 240 فرعا في كل من: الجزائر، وتونس، ومصر، والسودان، وجنوب أفريقيا، والأردن، وتركيا، ولبنان، وباكستان، وسورية، واندونيسيا، والبحرين.

* وماذا عن بنك الأمين البحريني الذي تم دمجه مع بنك البركة؟

ـ نعم بنك الأمين دمجناه مع بنك البركة البحريني وهو كان مشهورا بإصدارات الأمين، وبعد رسم السياسة الخاصة للمجموعة اكتشفنا أننا لا نحتاج بنكين في البحرين، لذلك دمجناهما ليخلقا مؤسسة مالية كبيرة رأسمالها المدفوع 250 مليون دولار ورأس المال المصرح به في حدود حوالي 600 مليون دولار. وهو بذلك ضمن أكبر البنوك التي تحتضنها البحرين، ونسعى بعد هذا الدمج إلى التوسع في فروع البنك مستقبلا.

* برأيك كيف تحل مشكلة السيولة بين البنوك الإسلامية؟

ـ إدارة السيولة في البنوك الإسلامية تحل بإيجاد الآليات، فهناك آليات تم وضعها للتعامل المصرفي الإسلامي ولكن التعامل المصرفي يذكرنا في فترة الثمانيات عندما كان هناك شح في التعامل بين البنوك العربية بين بعضها البعض وبالتالي اللجوء إلى وسيط دولي للتعامل. ولكن بعد تطور التقنيات بدأت البنوك الإسلامية بالتعامل مع بعض والاتجاه مباشرة للبنك الإسلامي.

* رغم النمو الكبير للمصارف الإسلامية إلا أنها تعاني من شح الكفاءات والموارد البشرية. كيف يتم معالجة ذلك؟

ـ هذا صحيح كان يوجد شح قبل نحو عشرة وخمسة أعوام، والآن لدينا معاهد في البحرين لتخريج الكوادر الخاصة بالبنوك الإسلامية، وأصبح المحاسب لديه خلفية في المحاسبة الإسلامية والائتمان الإسلامي ولدينا تنسيق مع هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومع المؤسسات المالية الإسلامية وشركات التصنيف الإسلامية.

* هناك خلاف فقهي مع ماليزيا كيف يمكن معالجة ذلك؟

ـ ندوة البركة المصرفية لها إسهامات كبيرة في هذا المجال وردم الفجوة بين الشرق الأوسط وماليزيا. والاختلاف موجود، ولكن أجروا هناك دراسة عن الأشياء التي اتفقوا معنا فيها والأشياء التي اختلفوا معنا. وتبين أن ما يتفقون فيه معنا يمثل 97 في المائة من الأمور والباقي في بعض المسائل البسيطة. وهذه الأشياء بالممارسة تبدأ تقترب من بعضها البعض.