خبير: البنوك المركزية يجب أن تراعي المصارف الإسلامية في تعليماتها

مدير المركز العربي للدراسات المصرفية والمالية لـ: شرطان لرفع تصنيفها الائتماني

د. نبيل حشاد
TT

اعتبر الدكتور نبيل حشاد، مدير المركز العربي للدراسات المصرفية والمالية، أن مقررات بازل لم تراع المصارف الإسلامية مرجعا ذلك وفقا للسائد في أجهزة الإشراف والرقابة بالدول العشر الأكبر ماليا. فقد ذكر ان هذه الدول التي لا يمثل النشاط المصرفي الاسلامي فيها أو في بعضها نسبة ظاهرة. ولكن إنشاء مجلس الخدمات المالية الإسلامية بماليزيا عوض هذا النقص، موضحا أن الأمر لم يكن تحيزا ضد البنوك الإسلامية، كما انه ليس كل ما ورد في مقررات بازل غير مناسب للبنوك الإسلامية، وقال إن الأمر يقتضي المزج بين بازل وبين قواعد مجلس الخدمات لرفع كفاءة البنوك الإسلامية وضمان سلامتها والاجتهاد في وضع قواعد متوافقة مع الشريعة لتنفيذ الالتزام بالمعايير الدولية وبما يتناسب مع عمل البنوك الإسلامية. وقال حشاد في حوار لـ«الشرق الأوسط» في القاهرة إن الأهم من إيجاد وحدة منفصلة للرقابة على عمل البنوك الإسلامية بكل بنك مركزي هو مراعاة عمل تعليمات خاصة للبنوك الإسلامية عند إصدار تعليمات من المركزي للبنوك التقليدية.

ودعا حشاد الى الإعلان عن المعاملات التي تنطوي على شبهات في البنوك الإسلامية، معتبرا إن ذلك من مقتضيات بازل ومجلس الخدمات معا. وتحدث أيضا عن موسوعة البنوك الإسلامية التي أصدرها أخيرا وأهم مقررات مجلس الخدمات الإسلامية وكيف تم التوفيق بينها وبين متطلبات بازل، والى تفاصيل الحوار:

> إنشاء مصر وحدة للرقابة على البنوك الإسلامية بالبنك المركزي، هل هذا كاف، وما الذي يتعين على البنوك المركزية بعامة عمله لمراعاة طبيعة النشاط المصرفي المتوافق مع الشريعة؟

ـ توجد في بعض البنوك المركزية إدارات كبيرة تسمى في بعض الدول إدارة الرقابة المصرفية، وفي بعضها الآخر الإشراف المصرفي، وظيفتها الرقابة على البنوك في ظل تنامي المشاكل والأزمات المصرفية وتعقدها وتعقد متطلبات بازل 2 وإدارة المخاطر، أصبح دور هذه الإدارات حيويا جدا وأصبحت الرقابة المصرفية تحتل المرتبة الأولى ضمن وظائف البنك المركزي، وفي كثير من الدول العربية نظام ثنائي بمعنى وجود بنوك تقليدية مع إسلامية، وبالتالي لا بد أن يكون المراقبون والمشرفون خاصة على البنوك الإسلامية على معرفة تامة بطبيعة عمل البنوك الإسلامية ومتطلباتها وهو ما يتطلب من كل بنك مركزي إما إنشاء وحدة خاصة للرقابة على البنوك الإسلامية بجانب إدارة أخرى للرقابة على البنوك التقليدية أو تكون كلها إدارة واحدة يخصص جزء منها للرقابة على المصارف الإسلامية حسب عدد البنوك الإسلامية الموجودة، ولا نستطيع أن نقول إن هناك هيكلا مثاليا وإنما الأمر يخضع للهيكل التنظيمي داخل كل بنك مركزي، والأهم هو في التعليمات التي يصدرها البنك المركزي للبنوك التقليدية إذ لا بد أن تناظرها تعليمات خاصة بالبنوك الإسلامية تتفق في نفس الهدف ولكن تأخذ في الحسبان طبيعة عمل البنوك الإسلامية. > انتشار البنوك الإسلامية يفرض تحديا كبيرا بشأن الرقابة الشرعية واستقلالها عن الإدارة، فما رأيك؟

ـ دور اللجنة الشرعية الموافقة على الأنشطة المصرفية الجديدة والتأكد من مطابقتها للشريعة الإسلامية ورقابة التنفيذ ولا بد أن تكون مستقلة، وفي معظم البنوك الإسلامية يتم تعيين لجنة الرقابة الشرعية بناء على معايير يحددها البنك المركزي في كثير من الدول.

> هناك شبهات حول كثير من المعاملات، هل تطرقت متطلبات مجلس الخدمات الى هذا؟

ـ إذا كانت هناك شبهة ما حول صيغة من الصيغ الإسلامية فعلى اللجنة الشرعية توضيح ذلك للجمهور وبشكل كامل، فمن متطلبات لجنة بازل ومن متطلبات مجلس الخدمات المالية الإسلامية أن يتم الإفصاح عن جميع هذه الأمور.

> كيف جاءت فكرة موسوعة البنوك الاسلامية؟

ـ جاءت الفكرة مع التزايد المستمر في أسواق المال الإسلامية بمؤسساتها المختلفة وبشكل غير مسبوق، إضافة الى ما تشهده البنوك الإسلامية على المستوى العالمي من نمو كبير سواء في حجم اصولها او اعدادها حيث يصل متوسط نمو الاصول ما بين 25 في المائة الى 30 في المائة وهو معدل غير موجود في المؤسسات المالية التقليدية، وبالتوازي مع ما تقدم تزيد المتطلبات العالمية التي يتعين على البنوك الالتزام بها، وجاءت مقررات بازل الثانية لتزيد المعايير تعقيدا خاصة لمن يسعى للوجود على المستوى الدولي أو للعمل خارج حدود بلده وحتى لمن يريد المنافسة في الداخل. من هنا عملت على دراسة موقع الصيرفة الإسلامية من التطورات الجارية وكيفية الإفادة منها مع تقديم نموذج مختلف في ذات الوقت.

> لكن مقررات بازل 2 لم تراع طبيعة عمل البنوك الإسلامية؟

ـ لجنة بازل وضعت معايير تشمل كفاية رأس المال ومعايير لادارة المخاطر والالتزام والحوكمة، وجاءت مقررات بازل 2 في نحو 2500 صفحة كلها للبنوك التقليدية ولم تأخذ خصائص البنوك الاسلامية في الاعتبار كتجربة لها خصوصية غير أن ذلك لا يمنع من أن القواعد والمعايير مفيدة في الأغلب للجميع. مقررات بازل لم تأخذ البنوك الإسلامية في الاعتبار لكن ذلك ليس على سبيل التحيز ضدها، إذ أن لجنة بازل تتكون من السلطات الرقابية والاشرافية على المصارف في الدول العشر الكبرى، وكما هو معروف فان البنوك الإسلامية ليس لها ثقل في هذه الدول وانما ثقلها في الدول العربية والاسلامية لهذا تم إنشاء مجلس الخدمات المالية الاسلامية في ماليزيا في العام 2002 والذي يقوم بدور لجنة بازل، وجاء إنشاء هذا المجلس بعد ابحاث ودراسات وباعتراف دولي من قبل صندوق النقد والبنك الدولي وبدأ المجلس يحاول وضع الصيغ الملائمة مثل معايير كفاية رأس المال والحوكمة والالتزام وادارة المخاطر بما يتفق مع الشريعة الاسلامية.

> وما هي أهم مقررات مجلس الخدمات المالية الإسلامية، وما الجديد فيها؟

ـ حين بدأ مجلس الخدمات المالية الاسلامية وضع معايير خاصة بالبنوك الاسلامية في الواقع اتبع في منهجيته منهجية لجنة بازل في إصدار وثيقة في صورة غير نهائية اي في صورة مسودة تعطى للبنوك لإضافة ما لديها من مقتراحات، وهذا ما فعله المجلس وقد اصدر خمس وثائق تتعلق بهذه المعايير الأولى تتعلق بكفاية رأس المال في المؤسسات الاسلامية مع التركيز على المصارف الاسلامية والثانية خاصة بارشادات المخاطر في المصارف الإسلامية والثالثة بعمليات المراجعة الرقابية والرابعة بانضباط السوق والخامسة الحوكمة او الادارة الرشيدة في المؤسسات الاسلامية، وما اصدره مجلس الخدمات من وثائق يتطابق مع ما اصدرته لجنة بازل من معايير ومقررات تتسق مع عمل طبيعة البنوك الاسلامية لانه ليس كل ما اصدرته لجنة بازل لا يتفق مع طبيعة البنوك الاسلامية، فضلا عن أن المجلس يتابع التطورات في بازل أولا بأول ليتواكب معها.

> هل توجد مشاكل في تطبيق البنوك الاسلامية لمقررات مجلس الخدمات ومتطلبات بازل.. وما أبرزها؟

ـ من بين أسباب كتابة الموسوعة الحاجة الى المزج بين ما اصدرته لجنة بازل ويتفق مع عمل البنوك الاسلامية وما أصدره مجلس الخدمات المالية الاسلامية، فما تم الحديث عنه كان يتم في الاطار النظري وليس الاطار العملي وكيفية التنفيذ، بمعنى ان تلك الوثائق لم تتحدث عن اجراءات وسياسات ليقوم البنك باتباعها لتنفيذ هذه المقررات والمتطلبات، ولذا فموسوعة البنوك الإسلامية تتضمن السياسات والاجراءات الخاصة بالتنفيذ الفعلي لتلك المتطلبات وعمل دراسة متعمقة لجميع اصدارات لجنة بازل وجميع اصدارات مجلس الخدمات المالية الاسلامية ودمجها مع بعضها البعض مع كثير من الامثلة العملية من الواقع.

> البنوك التقليدية التي لا تطبق مقررات لجنة بازل تأخذ تصنيفا ائتمانيا ضعيفا، فماذا عن البنوك الاسلامية التي لا تطبق مقررات مجلس الخدمات المالية الاسلامية؟

ـ تنفيذ متطلبات بازل يضمن سلامة البنوك ويبعدها عن المخاطر، وإذا كان لدينا قطاع مصرفي قوي وسليم فسيؤدي ذلك الى اقتصاد قوي، وما فعله مجلس الخدمات المالية الاسلامية هو تقليد نفس متطلبات بازل ولكن في إطار يتفق مع عمل البنوك الاسلامية، على سبيل المثال تطالب لجنة بازل بحساب مخاطر الائتمان ـ القروض في البنوك التقليدية ـ ومعدل كفاية رأس المال يجب ألا يقل عن 8 في المائة (بازل 1) لكن الائتمان في البنوك الاسلامية يختلف عن الائتمان في البنوك التقليدية ويتبع صيغ المضاربة والمشاركة والمرابحة، وكل صيغة من هذه الصيغ لها طبيعة مخاطر ائتمان خاصة بها، هذا ما تحدثت عنه وثائق مجلس الخدمات وهذا ليس موجودا في بازل ولكن اساس التصنيف وحساب المخاطر حددته بازل الى جانب ان أوزان المخاطر الخاصة بالائتمان التي تتراوح بين صفر في المائة و150 في المائة يطبقها مجلس الخدمات المالية لهذا فتطبيق مقررات مجلس الخدمات سيعمل على حماية البنوك الاسلامية من المخاطر وسلامتها.

> مقررات بازل جاءت بالتدريج، فهل يوجد هذا التدرج في تطبيق معايير مجلس الخدمات المالية الاسلامية؟

ـ مجلس الخدمات لم يأخذ مقرراته على مراحل والسبب يرجع الى ان لجنة بازل اصدرت متطلباتها عام 1988 وطلبت من البنوك تطبيقها عام 1992 في ذلك الوقت لم يكن مجلس الخدمات الاسلامية قد انشئ ولم تكن هناك حاجة اليه لأن متطلبات بازل 1 كانت سهلة ويمكن حسابها في ضوء العمل بالشريعة الإسلامية بدون أي تعقيد، ولكن عندما جاءت بازل 2 كانت متطلباتها كثيرة جدا وتتطلب تغيرا شاملا لثقافة المصارف بصورة عامة، فهي لا تتحدث عن كفاية رأس المال وانما عن ادارة المخاطر ورأس مال اقتصادي واستراتيجية طويلة المدى خاصة برأس المال والالتزام والحوكمة. وهذه لم تكن موجوده في بازل 1 ووجودها في بازل 2 جعل هناك حاجة الى وجود مؤسسة اسلامية تكون مناظرة للجنة بازل في الرقابة، فمثلا الالتزام في مقررات بازل 2 يعني التزام البنوك بتنفيذ المقررات والقواعد، والتعليمات ليست التي تصدر من مجلس الادارة وانما من جهات اخرى مثل البنوك المركزية ولكن في مجلس الخدمات المالية الاسلامية يضاف الى هذا الالتزام الالتزام بأحكام الشريعة.