الخلاف الفقهي يعصف بالصكوك

لاحم الناصر *

TT

تحدثت في مقال سابق عن خطر الخلاف الفقهي على انتشار الصكوك الإسلامية اثر ما صرح به الشيخ عبد الله بن منيع في معرض رده على الدكتور حسين حامد حسان وكنت أتمنى ان لا تتصاعد حدة هذا الخلاف، إلا ان الرياح أتت بما لا تشتهي السَفِن. حيث عصفت رياح الخلاف الفقهي بهذه الأداة الإسلامية التي استطاعت ان تنقل صناعة الصيرفة الإسلامية من المحلية إلى العالمية وان تحقق في فترة وجيزة لا تتجاوز سبع سنوات منذ أول إصدار للصكوك عام 2000 والذي لم يتجاوز مبلغ 336 مليون دولار قفزة جبارة. حيث بلغت إصدارات عام 2007 مبلغ 30.8 مليار دولار وفقا لوكالة بلومبيرج، فتحدث الكثير من المشايخ عبر وسائل الإعلام عن ان 85% من الصكوك الصادرة غير مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية. كما برر البعض ذلك بأن الإجازة لهذه الصيغ كانت مرحلية رغبة من الهيئات الشرعية في الدفع بهذه الصناعة للامام وانه حان الوقت لمراجعة هذه الفتوى بعد ان أثبتت هذه الأداة جدارتها في الأسواق المحلية والدولية، والحقيقة إنني أعجب من طريقة طرح هذه القضية حيث تم تداولها عبر وسائل الإعلام قبل ان تتم مناقشتها بين المتخصصين من العلماء الشرعيين للوصول لرأي فقهي بشأنها وهذه الطريقة بعيدة كل البعد عن الأسلوب العلمي الصحيح لمناقشة القضايا الخلافية. كما ان التبرير الذي سيق في شأن إجازتها مرحليا غير مقبول شرعا كما ان هذا المنهج غير مقبول في الصناعة المالية التي تتطلب الاستقرار والمعيارية خصوصا في أدوات سوق رأس المال لما لها من طابع عالمي. إن هذه التصريحات أتت لتثبت وجهة نظر المؤسسات الدولية التي تضع معايير صناعة الصيرفة في العالم مثل بنك التسويات الدولي واللجان المنبثقة عنه كالجنة بازل II بعدم مراعاة خصوصية صناعة الصيرفة الإسلامية عند صياغة اتفاقيتها والتبرير هو عدم وجود معايير متفق عليها لصناعة الصيرفة الإسلامية.

ان ما صدر من تصريحات حول شرعية الصكوك الإسلامية المتداولة لن يقف ضرره عندما صدرت بشأنه هذه التصريحات بل سينعكس سلبا على مجمل صناعة الصيرفة الإسلامية محليا ودوليا. حيث سيُضعف الثقة في الهيئات الشرعية وقراراتها خصوصا إذا علمنا ان الصكوك المعنية بالتصريحات مهرت بختم معتمد من قبل الهيئة الشرعية، إضافة إلى عزوف الكثير من المؤسسات المالية والأسواق الغربية عن التوسع في صناعة الصيرفة الإسلامية وذلك لعدم وجود معايير واضحة لهذه الصناعة وخضوعها لاجتهاد مجموعة من العلماء ذوي الآراء الفقهية غير المستقرة.

ولعل السبب في اضطراب الفتوى الحاصل في الصيرفة الإسلامية ناتج عن آلية اختيار أعضاء الهيئات الشرعية والمنهجية المتبعة من قبل هذه الهيئات في الفتيا. حيث ان عضوية الهيئات الشرعية أصبحت حكرا على بعض الأسماء المعروفة في هذه الصناعة حتى ان احدهم عضو في سبعين مؤسسة مالية حول العالم فمن أين له الوقت للدراسة والتدقيق فيما يعرض عليه من منتجات، إضافة إلى ان تكرار هذه الأسماء يؤدي إلى عدم تمثيل جميع المدارس الفقهية في هذه الهيئات الشرعية. كما ان المنهجية العلمية للإفتاء القائمة على الدراسة والبحث قبل إطلاق الحكم الشرعي منقوصة في الكثير من الهيئات الشرعية وذلك لعدم وجود الوقت الكافي لدى أعضاء هذه الهيئات الشرعية للدراسة والبحث مما يجعل القرار الصادر عن هذه الهيئة أو تلك غير مبني على الأصول العلمية المعتبرة للفتوى، إذا أضيف إلى ذلك مخالفة قرارات المجامع الفقهية فالنتيجة بلا شك هي تعرض القرار أو الفتوى للنقد أو النقض والتغيير.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]