40 خبيرا يناقشون اليوم في اجتماع طارئ الخلاف الفقهي حول الصكوك

هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية لـ «الشرق الأوسط» : تصريحات عثماني رأي شخصي

جلسة في أحد مؤتمرات المصرفية الإسلامية («الشرق الأوسط»)
TT

كشفت لـ«الشرق الأوسط» مصادر في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، أن الهيئة ستعقد اليوم الثلاثاء اجتماعاً بحضور 40 عضواً ومتخصصا بمقرها في البحرين، لمناقشة ما أثير أخيراً بشأن تصريحات صدرت من قبل الشيخ محمد تقي عثماني رئيس المجلس الشرعي بالهيئة ذكر فيه أن حوالي 85% من الصكوك غير شرعية. وأثارت هذه التصريحات جدلاً كبيراً في الأوساط الإسلامية والمتعاملين مع المؤسسات والبنوك الإسلامية، حيث وصف الدكتور محمد نضال الشعار الأمين العام لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية تصريحات الشيخ عثماني بأنها رأي شخصي ولا يعبر عن رأي الهيئة وليست صادرة عن نتائج لدراسات مسبقة، مفيدا بأن الهيئة ستعقد اجتماعها اليوم مع أعضاء المجلس الشرعي، ومنهم الشيخ عثماني وعدد كبير من القائمين على المؤسسات المالية الإسلامية بهدف الخروج بصورة واضحة عن موضوع الصكوك.

وفرضت الصكوك الإسلامية نفسها بقوة في سوق الأدوات المالية الإسلامية، بعد أن وجدت فيها المؤسسات المالية الإسلامية ضالتها، وأصبحت بديلا عن السندات المالية العادية، التي يتم تداولها في البنوك التقليدية، إلا أن هذا المنتج عانى من تضارب الفتاوى حياله، إذ ذهبت الفتاوى إلى التشكيك في جزء كبير من الصكوك، لا سيما بعد تصريحات للشيخ عثماني دعمت بتصريحات أخرى من علماء بارزين في منطقة الخليج شككوا في الصكوك الإسلامية. وباتت الصكوك خلال السنوات الماضية تحظى برواج كبير بين المصارف الإقليمية والعالمية، حيث بلغت إصدارات العام الماضي 2007 (30.8 مليار دولار) وفقا لوكالة بلومبيرغ. في ذات السياق، نفى الشعار أن تكون هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية على علم بتصريح عثماني، وقال ان الهيئة ليست مختصة بالاحتفاظ بأي إحصائيات يتم تداولها في السوق وأن المسؤول عن ذلك هو المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية. لكنه مع ذلك أشار إلى احتمالية أن تكون هناك نسبة غير شرعية من الصكوك، موضحا أنه لا توجد دراسة أو إحصائيات دقيقة لهذه النسبة.

من جانبه، قال ناصر الزيادات مدير السياسات والتخطيط الاستراتيجي في المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، إن الإشكالية في شرعية الصكوك الإسلامية تتعلق بإعادة شراء الصكوك بالقيمة الاسمية التي تصدر بها، وطبقاً للشريعة الإسلامية يجب أن يكون التعهد بإعادة الشراء وفق القيمة السوقية وقت الشراء.

وقال علينا دائماً أن نتساءل ما هي الجهة الشرعية العليا المسؤولة عن التنسيق بين الفتاوى المتعارضة وهل يجوز أن نجد منتجا محللا في مؤسسة ومحرما في أخرى؟ مؤكداً أن مثل هذه التصاريح وتعارض الفتاوى ووجود مخاطر شرعية من شأنه أن يؤثر سلبا على تداول تلك الصكوك، وبالتالي يؤثر على الصناعة المالية الإسلامية. وطالب الزيادات بضرورة أن يكون هناك تأهيل إعلامي للقائمين على العمل الاقتصادي الإسلامي في وسائل الإعلام للتعامل مع مثل هذه القضايا لعدم تفاقمها والتعامل معها بشكل نهائي وطبقاً للدراسات والإحصائيات.

وحول دول المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية يقول إن المجلس بصدد إنشاء هيئة عليا للرقابة والتصنيف الشرعي تقوم بالرقابة والتصنيف وإصدار الفتاوى الخاصة بالمنتجات المالية الإسلامية، خلال الأسابيع المقبلة .

أمام ذلك، تستعد مجموعة سما وتوب اكسبو لتنظيم المعارض والمؤتمرات لإقامة أول مؤتمر دولي للصكوك الإسلامية، بالتعاون مع شركة دار الاستثمار تحت مسمى «المؤتمر العالمي الأول للصكوك الإسلامية»، الذي تستضيفه البحرين رائدة المصرفية الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط، تحت رعاية محافظ مصرف البحرين المركزي. ومن المتوقع أن يناقش المؤتمر، الذي تبدأ فعالياته في التاسع عشر من مارس (آذار) المقبل ويشارك به خبراء ومهتمون من شركات ومؤسسات مالية خليجية وعربية وعالمية، عددا من المحاور المهمة، منها هيكلة سوق الصكوك، ومعدلات الصكوك، وديناميكية الصكوك، والتحديات في سوق الصكوك، والصكوك كأداة تغيير في تمويل الشركات.

ويخالف يوسف مال الله نائب أول الرئيس التنفيذي في شركة دار الاستثمار تقديرات بلومبيرغ حول حجم الصكوك التي تمت العام الماضي، ليشير إلى أن حجم الصكوك ارتفع على مستوى العالم إلى أكثر من 40 مليار دولار حتى الربع الثالث من العام الماضي 2007، متوقعا أن يشهد سوق الصكوك الإسلامية في دول الخليج رواجا كبيرا خلال السنوات القليلة المقبلة، خاصة مع توجهات دول المنطقة لإصدار تشريعات تسمح للمؤسسات المالية الإسلامية بإصدار صكوك.

ويؤكد أن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية فرضت واقعا جديدا تشعبت منه أدوات استثمارية جديدة منها الصكوك الإسلامية، مبينا أن مشاركة الشركة يأتي بعد تعزيز خبرتها ومكانتها في سوق الصكوك المزدهر.

ولفت مال الله إلى أن رواج الصكوك الإسلامية لم يقتصر على البلاد الإسلامية فقط، بل شهدت الصكوك إقبالا عليها في الدول الأوروبية، وأن المؤتمر سيساهم في فتح آفاق جديدة وأكثر تنوعا لاستثمار الأموال من خلال الأدوات والمنتجات المالية والاستثمارية الإسلامية المتاحة، والاضطلاع بعملية تأسيس وإصدار الصكوك.

وأبان أن هذا الأمر يتيح الاستفادة من أفضل الفرص الاستثمارية الواعدة واقتناصها، من خلال الاستفادة من خبرة ودراية دار الاستثمار في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية، إلى جانب علاقاتها المصرفية المتشعبة. وأفاد مال الله بأنه ينظر إلى الصكوك على أنها من أفضل وسائل اجتذاب المدخرات وتجميع الأموال لتمويل مشروعات التنمية، خاصة مشروعات البنية التحتية ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية. والمعروف أن الصكوك الإسلامية هي بمثابة أدوات دين في الأسواق الإسلامية كوسيلة لتمويل المشاريع، كما يمكن الاتجار بها وبيعها بسهولة ولا يقتصر الإقبال على شرائها على المستثمرين المسلمين فقط، بل يشمل كافة المستثمرين. وباتت الصكوك من الأدوات المالية الإسلامية الأكثر جذبا للمؤسسات المالية العربية والإسلامية منها والأجنبية، وذلك في ضوء الطلب المتزايد عليها في الأسواق العالمية، خصوصا أن الصكوك ظهرت كواحدة من الأدوات الإسلامية المبتكرة خلال السنوات القليلة الماضية. ويرى خبير ومستشار في المصرفية الإسلامية أن إجازة الصكوك الإسلامية كان لها ما يبررها في البداية، وربما أنها كانت بهدف دفع هذه الأدوات المالية إلى الإمام وزيادة الإقبال عليها. وأضاف الخبير أن إجازة الصكوك كان مرحليا، وأن البعض من العلماء يرى أن الوقت قد حان لمراجعة الفتوى الخاصة بإجازة الصكوك الإسلامية، مؤكدا أن مثل هذه الآراء قد تؤدي إلى زعزعة الثقة في المصرفية الإسلامية وأدواتها المالية. ويستند الخبير، الذي فضل عدم نشر اسمه، الى أن الكثير من المؤسسات المالية العالمية، ترى أن المصرفية الإسلامية باتت بحاجة إلى وضع معايير واضحة وصريحة يمكن الرجوع إليها، وأن مثل هذا التوجه يؤدي بالتالي إلى الاستقرار في هذه الصناعة.

وكانت دراسة حديثة صادرة عن صندوق النقد الدولي حول التمويل الإسلامي، أكدت أن سوق الأدوات المالية الإسلامية شهد رواجا واسعا في الفترة الأخيرة بفضل الطفرة النفطية والوفرة في السيولة، وتوظيف فوائض النفط في استثمارات تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية. ونظرا لفيض السيولة، تسعى هذه المؤسسات سعيا متزايدا إلى العثور على فرص لتوظيف رأسمالها الفائض في استثمارات تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية. وينتظر أن يصل بحجم السوق إلى أكثر من 150 مليار دولار.

وسلطت الدراسة الضوء على الصكوك الإسلامية كأكثر أشكال التوريق في التمويل الإسلامي شيوعا، وتعمل هذه الأدوات المالية على نحو شبيه بالأوراق المالية التقليدية المضمونة بأصول ولكنها مهيكلة بما يتلاءم مع مبادئ التمويل الإسلامي، التي تحظر أحكامها تلقي الفوائد ودفعها وتنص على وجوب أن يكون الدخل في شكل أرباح تتحقق من عمل يتم فيه اقتسام المخاطر وليس في شكل عائد مضمون. وتشترط الشريعة الإسلامية أن يكون مستثمر الصكوك مالكا للأصل الأساسي عن طريق أحد الكيانات الاستثمارية ذات الغرض الخاص، على أن يتولى هذا الكيان تمويل المدفوعات المستحقة للمستثمرين من عائد الاستثمار المباشر في نشاط اقتصادي حقيقي يجيزه الشرع. ورغم أن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية أقرت 14 نوعا من الصكوك، فإن هيكل هذه الصكوك يعتمد على شكل واحد من الأشكال الثلاثة المشروعة في التمويل الإسلامي، وهي المرابحة (سندات الدين المخلَّقة، أوامر الشراء) والمشاركة، المضاربة (ترتيبات اقتسام الأرباح) والإجارة (البيع وإعادة التأجير)، أو مزيج مما سبق. وبموجب ترتيب الإجارة، يقوم مُصْدِر الأصول ببيعها لأحد الكيانات الاستثمارية ذات الغرض الخاص، ثم يعيد استئجارها لمدة المشروع. وعندما يحل موعد استحقاق الصكوك، يعيد الملتزم شراء الأصل المعني. وقد أسهم قبول هذه الهياكل الاستثمارية الإسلامية إسهاما كبيرا في تطور أسواق رأس المال المحلية.

وتركزت إصدارات الصكوك في أجزاء من آسيا وفي دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تيسر تطوير سوق الصكوك في هذه البلدان بفضل الزيادة الكبيرة والمستمرة في الإصدارات القياسية السيادية. ومن حيث القيمة، ينشأ نحو نصف هذه الإصدارات في آسيا (لاسيما ماليزيا وكذلك بروناي) والنصف الآخر في دول الخليج العربية.

ووفق الدراسة فإن الطلب الحالي، رغم أنه قد يتضمن عنصرا دوريا ناشئا عن ارتفاع الإيرادات النفطية في دول الخليج، ولكن هذا الطلب يأتي مكملا لاتجاه صعودي طويل الأجل في الطلب على الأوراق المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية من المؤسسات الاستثمارية الإسلامية. ونظرا لعدم استخدام التوريق التقليدي في كثير من البلدان الإسلامية، فسيظل إصدار الصكوك من الخيارات المفضلة لتمويل المنتجات المهيكلة في هذه الأسواق.

وإضافة إلى ذلك، بدأت صناديق التحوط ومؤسسات الاستثمار التقليدي في حيازة الصكوك إما لأغراض زيادة العائد وإما تنويع النشاط، وكان الطلب على الصكوك محدودا خارج آسيا ومجلس التعاون الخليجي، ولكن الإقبال عليها بدأ يرتفع باطراد. وكانت ولاية ساكسوني ـ أنهالت الألمانية أول ملتزم سيادي يصدر صكا إسلاميا في بلد غير مسلم، وقد صدر العديد من صكوك الشركات في بريطانيا والولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة. وبالمثل، أصدر البنك الدولي في عام 2005 أول صكوك مقومة بعملة محلية قيمتها 200 مليون دولار.

ولا يزال المستوى الحالي لإصدار الصكوك ـ وفقا لدراسة الصندوق ـ يمثل نسبة ضئيلة من إصدار السندات التقليدية أو الأوراق المالية المضمونة بأصول في الاقتصادات الصاعدة. ولكن عددا متناميا من البلدان يفكر في دخول سوق الصكوك الإسلامية لتنويع قاعدة المستثمرين وتعميق أسواق رأس المال المحلية. وفي هذا السياق، يستقبل صندوق النقد الدولي عددا متزايدا من طلبات المشورة الفنية في إطار عمله الموسع بشأن إدارة مخاطر الالتزامات السيادية وتطوير أسواق رأس المال، وقد قدم المشورة بالفعل لعدد من البلدان الأعضاء بشأن إصدار الصكوك كبديل لأدوات التمويل الأكثر تقليدية. ومن المتوقع أن يزداد التوسع في سوق الصكوك مع ارتفاع الطلب وتوحيد معايير الأوراق المالية الإسلامية. وطبقا لآخر التقارير عن حالة الأسواق، يُتوقع أن تصدر الحكومات والشركات صكوكا إسلامية بقيمة تتجاوز 30 مليار دولار سنويا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وهو ما ينتظر أن يصل بحجم السوق إلى أكثر من 150 مليار دولار.