تأهيل العاملين.. التحدي الأبرز في صناعة المصرفية الإسلامية

بعض موظفي البنوك يجهلون بعض الالتزامات الشرعية

تأهيل العاملين في العمل المصرفي أمر مطلوب مع تنامي عدد البنوك الإسلامية («الشرق الأوسط»)
TT

أكد باحثون وخبراء في المصرفية الإسلامية أن تأهيل الكفاءات البشرية بات أمرا ضروريا، مع التوسع الكبير في الصناعة والنمو الذي تشهده.

وأوضح الباحثون أن ندرة المتخصصين في البنوك الإسلامية تعتبر أبرز تحدٍّ تواجهه المصرفية الإسلامية. وقال ناصر الزيادات، الباحث في التمويل الإسلامي في جامعة درم البريطانية، إن الصناعة المالية الإسلامية تشهد العديد من التحديات أهمها تحد تنمية الموارد البشرية والتي يجب الارتقاء بها واختيار أفضل الكفاءات عند تأسيس أي مؤسسة مالية إسلامية أو تحويل أي من المصارف التقليدية إلى مصارف تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية. وأوضح الزيادات أن الصناعة المالية الإسلامية شهدت خلال الفترة من 1995 الى 2006 نموا يفوق 23 في المائة، وأن هذا النمو يعد مرتفعا بالمقارنة مع معدل نمو 15% كمعدل سنوي متحفز، مشيرا إلى أن الصناعة المالية الإسلامية يتوقع لها أن تتجاوز1.3 تريليون دولار لعام 2015 على مستوي العالم وفق لآخر الإحصائيات.

وقال الباحث إن هذا النمو سوف يحمل معه مؤشرات ايجابية بقدر ما يرافقه من تحديات تفرض على كافة الأطراف ذات العلاقة بالعمل المالي الإسلامي، موضحا أن إجمالي عدد المؤسسات المالية الإسلامية وصل إلى 339 مؤسسة حتى نهاية عام 2006، وأن هذا التحدي سكون أكبر مع وصول عدد المؤسسات المالية الإسلامية إلى نحو 800 مؤسسة عام 2015.

وعلل الزيادات هذه الأرقام إلى دراسة يقوم بها حاليا حول كيفية تعامل الصناعة المالية الإسلامية مع ازدياد الحاجة للموظفين مع تقديرات بوصول عدد العاملين في المؤسسات المالية الإسلامية إلى نحو نصف مليون موظف في كافة المؤسسات والبنوك، وأن هذا الرقم بحاجة إلى الإعداد لتأهيله بأسرع وقت ممكن.

وكانت دراسة صادرة حديثا أجرتها دار المراجعة الشرعية وقدمت في المؤتمر الخامس للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية، تناولت واقع العاملين في القطاع المصرفي الإسلامي، من حيث الأداء ومستوى الإدراك والفهم لمتطلبات الاقتصاد الإسلامي.

واختير للدراسة موضوع «أدوات التأهيل المتكامل للعاملين في المؤسسات المالية ودور الهيئات الشرعية والمعاهد في تدريبهم شرعياً».

وتناولت الدراسة ثلاثة جوانب مهمة، الأول منها يتناول دواعي ومبررات الدعوة إلى التأهيل المتكامل للعاملين في المؤسسات المالية الإسلامية، والثاني: مفهوم ونطاق وأهداف التأهيل المتكامل للعاملين ودور الهيئات الشرعية والمعاهد في تدريبهم شرعياً، والثالث: مقومات ووسائل وأدوات التأهيل المتكامل للعاملين في المؤسسات المالية الإسلامية.

و تتمثل أهم المبررات التي تدعو إلى تأهيل العاملين في المؤسسات المالية الإسلامية وبصفة خاصة في الجوانب الشرعية حسب كثير من الباحثين والمهتمين بالعمل المصرفي الإسلامي في الجانب الأول في ضرورة تحقيق الالتزام بالشريعة الإسلامية في جميع أعمال وأنشطة هذه المؤسسات المالية الإسلامية، كون الالتزام الشرعي هو ما يميز العمل المصرفي الإسلامي عن المصارف التقليدية. وبلا شك أن تحقيق هذا الشرط منوط بتوافر الطاقات المؤهلة لحمل رسالة المؤسسات المالية الإسلامية وتحقيق أهدافها على الوجه الصحيح.

كما أن قلة الخبرة بحقيقة المعاملات الإسلامية المالية، والذي تعانيه أغلب المصارف الإسلامية، حيث أن معظم العاملين بها من أصحاب التكوين الاقتصادي والقانوني الحديث، ولا علم لهم بقواعد الاقتصاد الإسلامي التي تعمل بها المصارف الإسلامية، ولا فقه المعاملات المالية في الإسلام، فربما نظروا في كثير من معاملات المصارف الإسلامية فلم يظهر لهم فرق بينها وبين المعاملات التي تقوم بها المصارف الربوية.

وكذلك عدم وجود معايير موحدة لتعيين وتطوير العاملين بالبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، غير أن السنوات الأخيرة من العمل المصرفي الإسلامي شهدت تطويراً في مجال تحديد المعايير اللازمة للعاملين في المؤسسات المالية الإسلامية. وبالرغم من ذلك، فإن التطوير المأمول قد يكون أوسعَ مدى مما هو قائم الآن. بالإضافة إلى عدم وجود المؤسسات اللازمة لتأهيل العاملين بهذه المؤسسات، وتحديدا التي تعمل في بلاد غير إسلامية وتضطر إلى توظيف غير مسلمين. وفي الجانب الثاني من الدراسة يبرز مفهوم وأهداف التأهيل المتكامل للعاملين، وبناء على ذلك، يحتاج العاملون بالبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية إلى إعداد وتأهيل متعدد الجوانب، بخلاف العاملين بالبنوك والمؤسسات المالية التقليدية. إلى جانب أن نطاق التأهيل المتكامل للعاملين في المصارف والمؤسسات المالية يشمل جميع العاملين في هذه المؤسسات ولا سيما الهيئات الشرعية ثم العاملين الذين يعملون تحت إشرافهم ومراقبتهم.

وأوضحت الدراسة أن الهيئات الشرعية للمؤسسات الإسلامية ينبغي لها وضع معايير محددة تضمن حسن اختيار فئة العاملين في هذا المجال من ذوي الكفاءة العلمية والمهنية التي تستوعب خطورة التكليف وسلامة التطبيق من الأخطاء غير المسموح بها في العمل المصرفي الإسلامي، وذلك نظراً لأهمية وخطورة المهام الملقاة على عاتق أعضاء الهيئات الشرعية.

وأكدت الدراسة التي كانت «الشرق الأوسط» قد تطرقت لها العام الماضي، على ضرورة أن تستمر المؤسسات المالية الإسلامية بتميزها باستقائها مبادئها من الشريعة الإسلامية، وأن تزيد من اطمئنان العملاء من خلال وجود هيئة أو لجنة للرقابة الشرعية فيها، باعتبارها شرطاً ضرورياً لحاجة الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية في هذه المؤسسات الإسلامية. أما فيما يتعلق بدور المعاهد في تأهيل العاملين في المؤسسات المالية الإسلامية، فذلك أيضاً من القضايا التي تشغل اهتمام القائمين بأمر العمل المصرفي الإسلامي، حيث جاءت التوصيات المختلفة التي تدعو إلى إيجاد كليات متخصصة للاقتصاد الإسلامي والعمل المصرفي الإسلامي أسوة بالكليات التي تعنى بالاقتصاد والبنوك بوجه عام في الوقت الذي لا تولي فيه هذه الكليات أي اهتمام فيما يتعلق بالاقتصاد الإسلامي.

وفي هذا الصدد يشير أحد الباحثين إلى أن بعض هذه المؤسسات المالية الإسلامية، قد اتخذت بعض الخطوات لتأهيل العاملين فيها، وإمداد مؤسساتهم بالكفاءات من ذوي الاختصاص الشرعي، حيث قام البنك الإسلامي للتنمية ودار المال الإسلامي بإنشاء كل منهما معهداً لتكوين العاملين في البنوك الإسلامية، كما أنشئ معهد في قبرص بمبادرة من الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، كما تقوم كثير من المصارف الإسلامية بعقد دورات تدريبية خاصة بالعاملين فيها، ولكن بمقارنة هذه الخطوات بحجم المؤسسات المصرفية الإسلامية، فلن تكفي هذه المعاهد والجهود الفردية لتلافي هذه المشكلة. كما أكدت الدراسة التأهيل بأن يشمل قواعد السلوك المهني الإسلامي، من خلال الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، والاهتمام بتطوير العمل، وتقديم الأفكار المبتكرة، والتشاور لتحقيق ما هو أفضل، وتقديم المقترحات لذوي الشأن ومتابعة ما ينتج عنها، وتلقي مقترحات الغير بروح إيجابية ودراستها بجدية مع التقدير والتشجيع لمقدمها، والتقيد بأوقات العمل في المؤسسة وبالطرق المرسومة، وبذل الجهد لاستفادة المؤسسة من جميع الفرص المتاحة لها وعدم تفويتها عليها تهاوناً أو إهمالاً، مع الحرص على تلبية احتياجات العملاء، والمبادرة إلى خدمتهم وذلك في حدود اللوائح والضوابط المطبقة.

ورصدت الدراسة الجهود المبذولة من قبل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية لتأسيس مراكز ومعاهد متخصصة في تدريب العاملين في المؤسسات المالية الإسلامية، غير أن جميع الجهود المبذولة في هذا المجال لا تكفي لسد النقص المتزايد في عدد العاملين المؤهلين للعمل في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، الأمر الذي يدعو إلى إقامة جامعات ومعاهد وكليات متخصصة في العمل المصرفي الإسلامي والاقتصاد الإسلامي، أو على أقل تقدير إنشاء معاهد خاصة بالبنوك الإسلامية، سواء كانت رسمية أو أهلية حتى تلبي الحاجة الماسة إلى نوعية متخصصة في العمل المصرفي الإسلامي الذي أصبح يستحوذ على نحو 50 في المائة من مدخرات المسلمين حول العالم.

وهنا يعود الزيادات إلى التأكيد على ضرورة أن يكون هناك تنسيق بين كافة الأطراف لتقديم حلول ايجابية لتلك المشكلة والعمل على تدريب الكفاءات الجديدة، وان يتكاتف الجميع من ذوات العلاقة بالمؤسسات المالية الإسلامية كالمعاهد المصرفية والبنوك المركزية ومؤسسات البنية التحتية ومؤسسات القطاع الخاص التعليمية والتدريبية والجامعات والمعاهد الحكومية والمؤسسات المالية الإسلامية نفسها. وأوضح الزيادات أن إعداد الخطة الاستراتيجية العشرية للصناعة المالية الإسلامية التي أعدها المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية تطرقت إلى تحدي الموارد البشرية وتم تأسيس لجنة دائمة تسمى لجنة تطوير القطاع المالي الإسلامي والتي تقوم كل عام بإعداد دراسة تتناول أحد التحديات التي تواجه الصناعة المالية الإسلامية.