خبراء: البنوك الإسلامية قد تساهم في زيادة نسبة التضخم العالمية

أشاروا إلى أن بعضها بالغ في استخدام «التورق الصوري» الموجه للأفراد

بعض الخبراء حذروا البنوك الإسلامية بعدم التركيز على تمويل الأفراد لمنتج «التورق» («الشرق الأوسط»)
TT

حذر أكاديميون وخبراء في الصيرفة الإسلامية من خطورة الوضع الراهن للسوق الائتمانية في دول الخليج العربي والسعودية، وما تتجه إليه البنوك التقليدية والإسلامية نحو ضخ مزيد من السيولة غير المدروسة.

ويرى الخبراء أن توجه المصارف الإسلامية والتقليدية التي لديها فروع في المصرفية الإسلامية، من الممكن أن يقود إلى أزمة كبيرة في ارتفاع نسبة التضخم في الدول الخليجية وغيرها، خاصة أن كثيرا من هذه البنوك تقدم السيولة بغطاء شرعي مجاز من هيئاتها الشرعية. ويبرر الخبراء هذه التحذيرات إلى انتهاج المصارف الإسلامية دور الوسيط الذي يقترض ويقرض بهدف زيادة الأرباح بدون أية اعتبارات للجانب الأخلاقي الذي يجب أن تكون عليه المصارف الإسلامية قبل التقليدية، فضلا عن أن هذا التوجه لا يخدم الاقتصاد الإسلامي الذي يضع في اعتباره تنمية المجتمعات الإسلامية.

واعتبر الخبراء ما تقوم به بعض البنوك التقليدية التي لديها فروع في المصرفية الإسلامية من توفير السيولة النقدية للأفراد مؤشرا خطيرا قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية وإقليمية، خاصة أن هذه السيولة التي توفرها بعض المصارف الإسلامية أو التقليدية (صورية) وليست حقيقية. وتأتي تحذيرات خبراء المصرفية الإسلامية مع توقعات باستمرار مستويات التضخم في دول الخليج العربي العام الجاري، فضلا عن تشكيك بعض المتخصصين في الأرقام المعلنة من جهات رسمية حول نسب التضخم الحقيقية في الدول الست.

وقال الدكتور عز الدين خوجة الأمين العام للمجلس العام للمؤسسات والبنوك الإسلامية، إن توجه البنوك الإسلامية وغيرها نحو تمويل الأفراد وبطريقة غير مدروسة من شأنه أن يقود إلى أزمة تضخم كبيرة جدا، «وهي قريبة جدا من الحدوث»، مشيرا إلى أن معظم التمويلات التي تقوم بها البنوك حاليا هي موجة للسلع الاستهلاكية.

وأضاف خوجة أن قضية التضخم اليوم باتت هي الشغل الشاغل لكثير من المواطنين والمهتمين، وأن العالم اليوم يعيش هذه الأزمة وكثيرا من المتخصصين حذروا من قضية اقتصادية كبيرة مقبلة على العالم، مبينا أن التضخم يعتمد على الديون وتراكماتها وبالتالي زيادة الأعباء وزيادة التضخم.

ويرى الدكتور خوجة أن أمام البنوك الإسلامية فرصة تاريخية لإثبات سلامة منهجها الذي تسير عليه، وتقديم نظام اقتصادي قادر على تجنيب العالم أزمات اقتصادية كبيرة، ومن الممكن أن تستفيد الحضارة الإنسانية من هذه الأزمة إذا استطاعت البنوك الإسلامية تقديم ما يثبت سلامة مقوماتها.

واعتبر خوجة النقود مسألة مهمة في الاقتصاد الإسلامي، والفقهاء أجمعوا على أهمية النقود وتبادلها، مشيرا إلى أن منهج الاقتصاد الإسلامي إذا طبقته البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية فإنها بالتالي تقدم وصفة علاجية للعالم بدلا من الإغراق في الديون كما حصل في أزمة الرهن العقاري العالمية.

وحول مساهمة البنوك الإسلامية في تخفيض نسب التضخم، أوضح الدكتور عز الدين خوجة أن للبنوك الإسلامية دورا مهما وإيجابيا تستطيع أن تلعبه في معالجة مثل هذه الأزمات الاقتصادية، مبينا أنها مطالبة شرعا بتفادي الأسباب التي تؤدي إلى التضخم.

ومن بين هذه الأسباب التي قد تلجأ لها بعض البنوك الإسلامية وبالتالي زيادة التضخم ـ والحديث لخوجة ـ الإسهاب في توفير السيولة من خلال التمويل الموجه للأفراد بدون أي اعتبار لأسباب طلب التمويل من الأفراد أنفسهم، محذرا في الوقت نفسه من لجوء البنوك الإسلامية إلى هذا النوع من الاستثمار وبالتالي حصر دورها في الوسيط المالي بدون الاستثماري.

وطالب الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بأن تقوم البنوك الإسلامية بدورها الذي يضبط العامل الأخلاقي والشرعي، وأن تكون بنوك استثمارية تعتمد على الاستثمار وتنمية المجتمعات وليس التسبب في الانتكاسات الاقتصادية الخطيرة كالتضخم مثلا.

وخلص الدكتور خوجة إلى أسلوبين يفترض من البنوك الإسلامية أن تقوم بهما وهما: توظيف الأموال بهدف تبادل الثروات وتنميتها من طرف إلى آخر، كعمليات البيوع والبيع الآجل وبيوع المرابحة والسلم والاستصناع، والأسلوب الآخر خلق الثروات للمجتمعات من خلال صيغ المشاركات والمضاربات وآليات المساهمات وغيرها.

ويرى الدكتور عز الدين أن البنوك الإسلامية لو توجهت إلى مثل هذه العمليات التي تخلق الثروة في المجتمع فإنها ستقوم بدور حقيقي للوساطة كمستثمر وليس كوسيط مالي وبالتالي ستقلل من حجم المديونية، مشيرا إلى أن ما يوجد حاليا من تمويل موجه للأفراد فقط هو خطأ كبير لأنه من أسباب التضخم، لأنه يوفر السيولة وبكميات هائلة من الأموال والنقود من أجل توظيفها في مجالات استهلاكية، الأمر الذي يشكل معه أزمة خطيرة جدا على الاقتصاديات والمجتمع.

وطالب الدكتور خوجة البنوك الإسلامية ألا تقدم مثل هذا النوع من التمويلات، وأن عليها ألا توجه عملياتها المصرفية نحو التمويل النقدي الذي يتوجه إلى السلع الكمالية والاستهلاكية والذي يؤدي إلى التبذير في الإنفاق وهو ما يؤدي إلى التضخم، مقترحا أن تبدل البنوك تمويلاتها النقدية بشراء السلع وتمويلها وأن تكون بعد دراسات مستفيضة.

وفيما يتعلق بالبدائل المتاحة للاستفادة من الفوائض المالية لدى البنوك الإسلامية، أوضح الدكتور خوجة أن البنوك يمكنها الاستثمار في مجال الصكوك الإسلامية، وتنمية ثقافة الاستثمار الحقيقية، وبالتالي قيام أسواق واعدة للصكوك حتى يمكن للمجتمعات الاستفادة من الاستثمار في البنوك الإسلامية.

من جهته يرى الدكتور مقبل الذكير أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، أن البنوك المركزية مطالبة قبل غيرها بإيجاد بيئة مصرفية ملائمة، وأنها هي المعنية بتنظيم عمليات الإسهاب في عمليات التمويل الموجه للأفراد سواء كان ذلك للبنوك الإسلامية أو التقليدية.

واعتبر الذكير السياسات النقدية هي التي تحدد تفاقم أزمة التضخم أو تخفيضها، وأن البنوك بكافة أنشطتها سواء كانت إسلامية أو تقليدية تسير وفق هذه السياسات النقدية، مشيرا إلى أنه لا يمكن دعوة بنك بدون آخر بعدم الاستثمار في التمويل الموجه للأفراد طالما أن هناك غيره يسير في هذا الاتجاه.

وأوضح الذكير أن البنوك التقليدية والإسلامية تهدف إلى الموائمة بين تحقيق أرباح لمساهميها وملاكها وتحقيق أرباح بنفس الوقت للودائع الموجودة عندها.

وفيما يتعلق بالجانب الأخلاقي أكد الذكير أن البنوك الإسلامية يفترض أن تعمل في إطار أخلاقي وأن الجوانب الأخلاقية لابد أن تكون حاكمة عليها وبكافة عملياتها المصرفية، مشيرا إلى ضرورة أن توجه تمويلاتها لما يمكن أن يستفيد منه المجتمع مثل تمويل المساكن وغيرها، وأن هذا العبء يقع على من يضعون السياسات والاستراتيجيات للبنك الإسلامي.

وأكد الدكتور مقبل الذكير أن التضخم يتعلق بما هو أكبر من قدرة بنك إسلامي واحد، وإنما هو مرتبط أكثر بتوجه البنك المركزي للبلد، ولا يمكن أن يتم حث مصرف بدون آخر، وأن الدور يكون للبنك المركزي الذي لديه أدوات لكبح جماح التضخم وتقييد البنوك في تسهيل توفير السيولة. ويعتقد استاذ الاقتصاد الإسلامي أن الإقناع الأدبي من قبل البنك المركزي وسيلة من وسائل كبح جماح التضخم، وذلك من خلال حث البنوك الإسلامية وغيرها بالتخفيف من تمويل الأفراد الذي بات ينمو بشكل كبير خلال الأعوام الخمسة الماضية.

من جهته أوضح عدنان يوسف الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية أن بعض البنوك الإسلامية باتت تقرض حتى من ليس لديه حاجة للمال، أو من يرغب في صرف المال في سلع استهلاكية غير مجدية وتسبب في ارتفاع الأسعار وبالتالي ارتفاع نسبة التضخم في أي بلد كان.

وبين يوسف أنه من المفترض للبنوك الإسلامية ألا تقرض للأشياء الاستهلاكية، لأن النظرة الإسلامية في هذا المجال هي ألا تخلق سيولة ليس لها معنى، بمعنى أن تذهب هذه الأموال إلى المضاربات في الأسواق وبالتالي ارتفاع السلع عن غير سعرها الحقيقي بسبب هذه المضاربات وبما يجعل من الحصول على السلعة أمرا بالغ الصعوبة وبالتالي ارتفاع نسبة التضخم.

وعد الرئيس التنفيذي (التورق) من الأدوات التي أسهبت فيها البنوك الإسلامية أو التي لديها فروع في المصرفية الإسلامية، ما سبب ضررا كبيرا للمجتمعات التي يكثر فيه الطلب عليه، مشيرا إلى أن مجموعة البركة المصرفية لا تستخدم (التورق) في التمويل.

وشدد يوسف على ضرورة ألا تمول البنوك الإسلامية إلا للحاجة وبعد دراسة مستفيضة، لأن أية حركة غير مدروسة في الاقتصاد تعود بنتائج سلبية على البنك الذي قدم التمويل.

وفيما يتعلق بالبدائل المتاحة أكد يوسف ضرورة أن تفتح الحكومات أسواقها للصكوك الإسلامية التي باتت هي الخيار والمطلب الرئيسي لكثير من الجهات الراغبة لتمويل الحكومات والشركات الكبيرة بهدف امتصاص السيولة والفوائض لدى البنوك الإسلامية، منبها إلى ضرورة ألا تتوجه الصكوك الإسلامية نحو الشركات الصغيرة أو المتواضعة والتي ساهمت في إثارة البلبلة والشك والريبة في مدى شرعيتها أخيرا.