أساتذة ومتخصصون يطلعون المتعاملين في الأسواق المالية على أساليب التلاعب القانونية

خلال الندوة التي نظمتها الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل في الرياض

TT

حذرت ندوة علمية نظمت في الرياض أخيرا، من الأبعاد الاقتصادية والقانونية والشرعية للمضاربة والتلاعب في الأسواق المالية، والأوراق المالية التي يتم تداولها سواء كانت الصكوك أو غيرها. وخلال الندوة التي نظمتها الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، عرَف الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي عميد المعهد العالي للقضاء الأوراق المالية بأنها الصكوك التي تصدرها الدول أو الشركات من أسهم وسندات قابلة للتداول بالطرق التجارية، وتمثل حقاً للمساهمين أو المقرضين.

وصنف السلمي صور التغرير في أسعار الأوراق المالية في البيع الصوري والذي يقصد به العمل على خلق تعامل مظهري نشط على سهم ما لإيهام المضاربين بأن السهم عليه حركة، أو يخبئ خبراً أو محفزاً لهذا السهم ولا يعدو الأمر مجرد مضاربة بحتة، ولا توجد أخبارٌ ولا محفِّزات وله صور متعددة. ‌كما أوضح السلمي العروض الوهمية بانها الطريقة التي تتم قبل افتتاح السوق المالي للتداول بساعة أو نصف ساعة تقريباً، حيث يقوم مضارب السهم، والذي يملك أسهماً كثيرة في سهم ما يعرض عروض بيع بصفقات مختلفة ليوهم المضارب غير المحترف بأن هذه العروض من أشخاص كُثُر.

‌بالإضافة إلى ذلك فإن من صور التغرير ـ والحديث للسلمي ـ ما يقوم به بعض كبار المضاربين من عرض كمية طلب (شراء) كبيرة تحت سعر معين، وعرض كمية بيع كبيرة فوق سعر معين، لضبط التذبذب السعري للسهم الذي يريده، فضلا عن نشر الشائعات والأكاذيب والترويج للأخبار وتسريب معلومات خاطئة عن شركة من الشركات المساهمة والمتداول أسهمها في سوق المال، والقيام بعمليات تداول تصاحب هذه الأخبار والشائعات تدخل هي الأخرى ضمن صور التغرير. وخلال الندوة التي احتضنها فندق إنتر كونتننتال الرياض الأربعاء الماضي، عرف السلمي بورصة الأوراق المالية بأنها «سوق منظمة تقام في مكان ثابت، تتولى إدارتها والإشراف عليها هيئة لها نظامها الخاص، وتحكمها لوائح وقوانين، وأعراف وتقاليد، يؤمها المتعاملون في الأسهم والسندات من الراغبين في الاستثمار، والناشدون الاستفادة من تقلبات الأسعار».

وعرضت الندوة بعضا من الصور المنتشرة للتغرير منها قيام أحد أعضاء مجالس إدارة بعض الشركات المساهمة أو أحد الرؤساء أو المديرين، بالاستفادة من إعلان الشركة، وإشاعة وجود محفِّز لشركة معينة كي تتوالى النسب في الصعود، ولا يعدو الأمر مجرد تغرير وتلاعب، وما يسمى باتفاقية الاختيارpool option في البورصة، وما يحدث عند تدهور أسعار الأسهم وانهيار أسواق المال تهبط الأسعار إلى أقل من القيمة الدفترية للسهم، ويفقد أغلب المضاربين والمستثمرين ثقتهم بسوق المال، ويسارعون إلى بيع أسهمهم، ولو بأقل من القيمة الحقيقية للسهم. وأشار عميد المعهد العالي للقضاء إلى أن الشريعة تقرّ ببطلان هذه العقود، ومن باب السياسة الشرعية، فإن لم يعلم المشتري بالبيع إلا بعد بيعه وزوال ملكه له، فإنه لا يستحق الرد على بائعه ولكن له أن يرجع على بائعه بقيمة الغبن.

كما تناول إبراهيم بن محمد الناصري المستشار القانوني العام في هيئة السوق المالية البعد القانوني للمضاربة والتلاعب في الأسواق المالية، موضحا أن المفهوم العام للاستثمار في سوق الأوراق المالية يعد مشاركة بطريق المُضاربة، بينما يعني المفهوم الخاص للمضاربة تمويل مشاريع المخاطرة العالية.

وأرجع الناصري مكافحة الدول التلاعب في سوق الأوراق المالية إلى احتوائه على أكل لأموال الناس بالباطل من غش وكذب وتحايل...إلخ، بالإضافة إلى أنه يضرب الائتمان ويدمر الثقة في معاملات السوق بعدم اطمئنان المتعامل إلى أن سعر السهم حقيقي، وكذلك يهدم سيادة القانون ويُضعف هيبة الدولة، ويقتل روح العمل ويُعزز الانطباع بأن الغش والتظليل وسيلة مُجدية للكسب بدلاً من الجهد والتعب ويُشوه الاقتصاد، مع إعادة توزيع الثروة وتكديسها نحو الأعلى.

وبحسب الناصري فإنه من أساليب كشف التلاعب مراقبة سلوك سعر الورقة المالية من خلال الظواهر المُريبة كالحركة غير الطبيعية عند الافتتاح أو الإغلاق (افتتاح أو إغلاق مرتفع أو منخفض)، أو وجود حركة تداول غير مُعتادة، وأحيانا وجود عروض بيع أو طلبات شراء غير مُعتادة، مع تحرك السعر صعوداً أو نزولاً بصورة لافتة للانتباه بالإضافة إلى ثبات السعر رغم زيادة كمية التداول. أما مُراقبة سلوك المتداول ـ والحديث للناصري ـ تكون من خلال مراعاة حجم التداول نسبة إلى سيولة الورقة المالية، وكشف تِكرار القيام بعمل مُريب ( مثل تكثيف الشراء أو البيع عند الافتتاح أو الإغلاق)، أو تِكرار شراء أو بيع نفس الورقة من نفس الأشخاص.

أما الدكتور محمد بن ابراهيم السيحباني أستاذ الاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فقال إن من أشهر حالات التلاعب التي أدت إلى سن نظم ومؤسسات قائمة حتى اليوم هي تواطؤ مجموعات من المتداولين (بنوك استثمارية وصانعي أسواق وكبار مسؤولي الشركات) على رفع اسعار الأسهم في سوق نيويورك فيما أصبح يعرف بتواطؤ الأسهم.

وأبان السحيباني أن حداثة السوق المالية السعودية وخصائصها تساعد في التلاعب بشكل أكبر مقارنة بحال الأسواق المالية في الدول المتقدمة، حيث إنها تعاني من قلة عدد الشركات المدرجة في السوق وصغر حجم رؤوس أموال العديد منها، وتراخي إجراءات التحقيق في حالات التلاعب وكون العقوبات غير رادعة للمخالفين لأنظمة السوق، والقدرة المالية العالية لعدد من كبار المتداولين، الذي تتجاوز تداولات بعضهم في السوق رؤوس أموال عدد من الشركات المساهمة.

وبحسب السحيباني فإنه لا يوجد أحد محصن ضد التلاعب، وأن جميع أطراف صناعة تداول الأوراق المالية قد يمارسونه في ظل غياب الرقابة الداخلية والخارجية على أنشطتهم، مؤكدا أن التلاعب يتركز عادة في الشركات الصغيرة، ما يعني أهمية إيجاد قسم خاص في السوق المالية لتداول هذه الشركات اعتمادا على قواعد تداول إلكتروني مختلفة.

ويرى السحيباني أن يصاحب هذه الإجراءات التي تتخذ لكبح المضاربة المتطفلة وخاصة المغررة، اتخاذ إجراءات موازية لتشجيع المضاربة النافعة التي يقوم بها المطلعون، متوقعا أن يكون للتوجهات الاستراتيجية لهيئة السوق المالية والخطوات التي اتخذتها حتى الآن أثر إيجابي في تغيير ميزان القوى في السوق مع مرور الوقت لصالح المتداولين المطلعين.