الصيرفة الإسلامية منتج إسلامي ونجاح غربي

لاحم الناصر

TT

عندما أرادت الحكومة البريطانية إصدار صكوك سيادية موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية طرحت مذكرة للتشاور مع ذوي الاختصاص واستطلاع أرائهم حول هذه الخطوة المهمة. وقد لفت انتباهي في هذه المذكرة، ما ذكر حول سياسة الحكومة البريطانية بشأن التمويل الإسلامي، والتي تمثلت في السعي لتعزيز مكانة لندن التنافسية في العالم عبر تسهيل الإجراءات خصوصا فيما يخص صناعة الصيرفة الإسلامية التي تنمو بشكل سريع في العالم وذلك لسببين هما:

1 ـ ترسيخ مكانة لندن كبوابة عالمية للخدمات المالية الإسلامية.

2 ـ ضمان حصول جميع المواطنين البريطانيين على الخدمة المالية التي يفضلونها بغض النظر عن الدين.

وقد ساقت المذكرة الخطوات التي قامت الحكومة باتخاذها في هذا السبيل منذ عام 2003 وحتى تاريخ المذكرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، انه في عام 2003 تم تعديل القوانين الضريبية الخاصة بالدمغة الضريبية على الأراضي حتى لا تتعدد المدفوعات الضريبية على العين الواحدة، مما سهل على المصارف تقديم الرهن العقاري بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية. وما زالت الحكومة تقدم التغيير تلو التغيير بهدف تسهيل عمل الصيرفة الإسلامية وتحقيق البيئة التنافسية العادلة بينها وبين الصيرفة التقليدية خصوصا ما يتعلق منها بالضرائب، حتى خطت الحكومة الخطوة الأضخم في مسيرتها تجاه تحقيق هدفها بجعل لندن البوابة العالمية للصيرفة الإسلامية وهو الإفصاح عن عزم الحكومة البريطانية إصدار صكوك سيادية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية وهو ما لم تفعله الكثير من الدول الإسلامية، والحقيقة ان مثل هذه الخطوة ستحقق منافع لكلا طرفي العملية، واعني بطرفي العملية الحكومة البريطانية وصناعة الصيرفة الإسلامية، حيث ستحقق الحكومة البريطانية من وراء هذه الخطوة، إضافة إلى هدفها الرئيسي بجعل لندن بوابة عالمية للصيرفة الإسلامية عددا من المنافع، من أهمها توفير السيولة للحكومة بكلفة اقل نتيجة استقطاب الفوائض النقدية الهائلة من الدول الخليجية، والتي لا يمكنها الحصول عليها من الأسواق العالمية بالاقتراض إلا بكلفة عالية، وذلك نتيجة لما يمر به سوق الائتمان في العالم من اضطراب نتيجة أزمة الرهن العقاري في أميركا، مما أدى إلى شح السيولة في هذه الأسواق، كما ان الصيرفة الإسلامية ستحقق بفضل هذه الخطوة اعترافا عالميا بهويتها وآلياتها ومعاييرها مما يجعلها على قدم المساواة أمام المؤسسات العالمية المنظمة لصناعة الصيرفة. ان المتأمل في الخطوات التي تبذلها الحكومة البريطانية في سبيل تحقيق هدفها المعلن في ان تكون مركزا مهما لصناعة الصيرفة الإسلامية التي من المعلوم أنها صناعة تستمد أحكامها من الكتاب والسنة فهي منهج اقتصادي عقدي مما يجعل المهمة صعبة بالنسبة لها خصوصا في ظل علمانية الدولة والتنوع الديني لرعاياها، ليعجب من تخلي الكثير من الدول الإسلامية عن المنافسة في هذا المضمار الذي اجزم بأنها ستكون الفائز الأكبر فيه، حيث تتناغم الصيرفة الإسلامية مع عقيدتها ومنهج حياة مواطنيها، وبالتالي فهي لا تحتاج إلا لبذل القليل من الجهد في سبيل الفوز في هذه المنافسة، والمتمثل في صياغة قوانين تلائم هذه الصناعة وتراعي خصوصية آلياتها إضافة إلى تسهيل إجراءات الاستثمار في إنشاء مؤسسات صناعة الصيرفة الإسلامية فيها.

*مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]