مصر: دعوات إلى استخدام الصكوك في تمويل المشاريع طويلة المدى

وسط اختلاف حول اللجوء إليها لسد عجز الموازنة

TT

دعا خبراء مصرفيون واقتصاديون المؤسسات الحكومية والخاصة الى ضرورة التفكير في استخدام الصكوك الإسلامية، كإحدى أدوات التمويل التي يتزايد اللجوء اليها في الآونة الأخيرة، وأشاروا الى أن تلك الأداة ستساعد على تنويع سوق التمويل طويل الأجل في مصر والمطلوب لمشاريع البنية الأساسية والتحتية، بل وربما سد عجز الموازنة، وقد دفعت التطورات العالمية لقطاع المجتمع المالي وأهل الفقه بمصر لمناقشة تلك الأداة وما الذي يحتاجه السوق لتفعيلها خاصة بعد إعلان وزير الخزانة البريطاني اليستير دارلنغ عزم حكومة رئيس الوزراء البريطاني إصدار صكوك إسلامية لتمويل عجز موازنة الدولة هناك، وعزا الخبراء تأخر السوق المصري عن الخليجي والأجنبي في إصدار الصكوك الإسلامية الى أن السياسة المصرفية مازالت لا تشجع العمل بمثل تلك الاصدرات، بالإضافة الى أن سوق التمويل طويل الأجل لا يزال في مرحلة «تخمر» ولم ينضج بعد، ويحتاج الى مزيد من الدراسات لاختبار مدى نجاح وفعالية هذه الصكوك، كما أن إصدارها يتطلب مزيدا من الشفافية حتى يمكن إدخالها الى السوق الثانوي لضمان كفاءة اليات تسعيرها. وقد أشار المسؤول عن هيئة الرقابة الشرعية على المعاملات الإسلامية في بنك مصر، الشيخ جمال قطب، الى أن الصكوك من الناحية العامة تقبل التوريق والقيد في السوق الثانوية، لكن لتطبيق ذلك في مصر يلزم المزيد من الشفافية والأمانة في الطرح، بالإضافة الى ضرورة استخدامها في الأولويات بدلا من الكماليات، حيث لا يليق بأموال إسلامية أن تتوجه الى الأخيرة فيما لو كانت البلاد تعاني نقصا في الأساسيات، وفي هذه الحالة فان الأولويات تكمن في سد فجوة الغذاء والمسكن والدواء، موضحا انه على البنوك الإسلامية مثل بنك فيصل، والتمويل السعودي، اخذ زمام المبادرة فيما عزا تأخر العمل بهذه الصكوك الى إصرار القائمين على النظام المصرفي المصري على عدم التفاعل مع هذه النوعية من الاصدارات، مضيفا إنهم مازالوا غير مرتاحين الى رواج العمل من خلال البنوك الإسلامية، وقال إن للصكوك فوائد كبيرة، منها أن لها ميزة أكثر من اقتصادية حيث إنها توجه الى ما ينفع الناس وبعيدا عما يضرهم، بالإضافة الى أن ربحيتها مرتفعة مقابل الفوائد البنكية ـ بغض النظر عن الموقف الشرعي منها ـ وعن غيرها من العوائد.

واتفق المدير التنفيذي والمحافظ المناوب في البنك الإسلامي سابقا، الدكتور احمد سالم مع قطب في أن سياسات الحكومات هي سبب تأخر العمل بالصكوك في السوق المصري، لأنها مازالت غير مقتنعة للعمل بها، موضحا أن الموضوع ليس مسميات بين التقليدي والإسلامي، ولكن المفهوم العلمي للقطاع المصرفي، يقول انه وسيط مالي رشيد، اي يدرس جدوى وأهمية كل الخيارات التمويلية لانتقاء الأفضل من بينها مع المتابعة الدائمة للتغيرات، مضيفا أن استخدام السندات الإسلامية (الصكوك) لابد أن يكون تنمويا لتحسين الناتج القومي وتعظيم منافع الناس مع تفادي الأثر التضخمي، لأنها تمويل من مدخرات حقيقية لمشاريع حقيقية، وأوضح أن القاعدة الشرعية للمعاملات المصرفية تشترط أن تفوق الأرباح تكلفة التمويل، وان تتم المحافظة على القوى الشرائية للصكوك، مع مراعاة التغير فيها بين وقت السداد والاقتراض.

وأشار سالم إلى أن هذه الاصدارات لابد أن توجه الى البنية الأساسية والتحتية من طرق ومواصلات وصرف صحي وتعليم، بالإضافة الى المشاريع الإنتاجية المدروسة وطويلة المنافع كاستصلاح الاراضي وزراعتها والصناعات الأساسية المضمونة الطلب على منتجاتها وتحتاج وقتا لبنائها وتشغيلها، بل ويمكن من خلال الصكوك تمويل التحول الى تكنولوجيات أفضل وانسب للبيئة ولاستخدامات الطاقة المتاحة.

وقال الدكتور سالم ـ وهو من أهم خبراء وزارة المالية المصرية على مدار ثلاثين عاما ـ انه يرفض أن يتم استخدام الصكوك الإسلامية في سد عجز الموازنة الجاري، نظرا لما سيترتب عليه ذلك من زيادة في التضخم والدين، مما يوقع في الإفلاس والفقر، واختلف مع الآراء السابقة أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة والخبير المصرفي رشاد عبده، موضحا أن الاتجاه العالمي الى التعامل بالإصدارات الإسلامية من صكوك وسندات طويلة الأجل، وزيادة الطلب عليها في ظل نظام عالمي جديد محكوم بقوى العرض والطلب، كما انه مدعوم بخروج أموال عربية وخليجية الى الاستثمار في البنية التحتية في السوق الأجنبي نظرا لعاملين، الأول، الفورة النفطية، والثاني، انهيار اكبر مؤسسات مالية في السوق الاميركي بعد أزمة الائتمان العقارية، وأوضح عبده أن مصر تأخرت عن ركب السوق العالمي في هذا المجال الذي يحشد مزيدا من الاستثمار يوما بعد يوم.

وقال الدكتور عبده «إن تأخرنا لا يعني أن نندفع الى التعامل بالصكوك بدون الدراسة الكافية لمعرفة الأهمية النسبية للأداة وعنصر الأمان وهامش الربح ومدى قابلية المستثمرين الأجانب للاستثمار في تلك الصكوك»، داعيا الى «أن نختبر هذه الالية، وذلك بطرح كميات قليلة منها ومعرفة مدى الاستجابة للطرح، ولا مانع ساعتها من استخدامها في سداد عجز الموازنة، شريطة أن يكون اللجوء اليها مرحليا وعلى أمل أن الناتج سيزيد مستقبلا وستزداد موارد الدولة السيادية بما يقلل العجز».

واشار عبده انه ليس هناك ما يمنع بالطبع القطاع الخاص بعد اخذ الموافقات الحكومية والضمانات الواجبة اللجوء الى الصكوك. ويري العضو المنتدب لشركة النعيم القابضة هاني توفيق، أن إصدار الصكوك الإسلامية في السوق المصري، لا يزال بعيدا عن التحقق، حيث أن الاتجاه السائد هو اللجوء أولا الى الاستثمارات التقليدية، وبعد تشبع الأسواق بها يتم الاتجاه الى الاستثمارات الإسلامية، موضحا أن «النعيم» لا تفكر في المرحلة الحالية في إصدار صكوك وسندات إسلامية، بالرغم من أن ذلك هو الأقرب الى توجهاتها الإقليمية والعربية كشركة سعودية في الأساس، مضيفا أن السوق المصري حاليا يستوعب صناديق الاستثمار الاسلامية، ويتفاعل معها وربما في وقت لاحق ينشغل بإصدار صكوك وسندات إسلامية.

يذكر أن حجم سوق التمويل الإسلامي يصل الى أكثر من ربع تريليون دولار (300 مليار دولار تقريبا) ويتوقع وصوله الى 15 تريليون دولار خلال عام 2015، لكن إصدار الصكوك الإسلامية اقتصر على الشركات في الدول الغربية، وستكون الحكومة البريطانية أول حكومة غربية تصدر صكوكا، ربما تليها اليابان وتايلاند هذا العام.