محللون: البنوك الإسلامية بحاجة إلى مزيد من القوانين المصرفية لتسهيل انتشارها

دول غربية تسهل الإجراءات لجذب المزيد منها

العديد من المؤسسات المالية الإسلامية تنظم لقاءاتٍ لتقريب وجهات النظر وتوضيح عمل البنوك الإسلامية («الشرق الأوسط»)
TT

عزا عدد من الخبراء المصرفيين إقدام المصارف الإسلامية على افتتاح عدد كبير من الفروع لمصارفها لها خارج موطنها الأم، وبوتيرة متسارعة ومنافسة لافتة للبنوك التقليدية، لتميزها ببعض المزايا والخصائص المهمة. وأوضحوا في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» أن التمويل الإسلامي نمط جديد في العمل المصرفي المعاصر، على الرغم من أن المصارف الإسلامية ما تزال تواجه تحديات صعبة، وتحاول التغلب عليها من خلال المساهمة في المشاريع التنموية، مما جعلها تكسب ثقة واهتماما كبيرا في دول الغرب والشرق والتطلع للاستفادة من تجربة التمويل الإسلامي. غير أن بعض الخبراء يرون أن المصرفية الإسلامية لا تزال تواجه تحديات في دولها بسبب أوضاعها القانونية التي تم ترتيبها للمصرفية التقليدية، مما ولد بدوره نوعاً من الازدواج الضريبي لا يتناسب مع التمويل الإسلامي، مما يعني ضرورة تعديل قوانين المصارف وقوانين الضرائب قبل أن يدخل التمويل الإسلامي دولة معينة. ويدعم هذه الآراء أن بعض البنوك الإسلامية العاملة في الخارج قد لا تنتقي أعضاء الهيئات الشرعية من بين المتخصصين في الشريعة، مما ينتج عنه تشوهات في شكل التمويل الإسلامي، ويهدد الصناعة المالية الإسلامية بانتشار المنتجات سيئة السمعة مثل التورق وتلك المبنية على بيع الديون والعينة وغيرها. ومن بين التحديات الاخرى قدرة المصارف الإسلامية على إدارة شركاتها التابعة (أي فروعها في الخارج) إدارة رشيدة، مع بعد المسافة، واختلاف الثقافات، وانتشار الفساد والرشوة في بعض البلدان، الشيء الذي يتطلب وعياً واستعداداً لتوظيف كوادر إدارية متخصصة، مسلحة بتقنيات المعلومات والاتصال المتطورة، مع نظم دقيقة للرقابة والمتابعة. وفي هذا السياق، عزا الدكتور معبد الجارحي، رئيس جمعية الاقتصاديين العالمية الإسلامية ورئيس التدريب والخبير المصرفي مصرف الإمارات الإسلامي، انتشار المصارف الإسلامية الأم في غير مواطنها الأصلية من خلال افتتاح العديد من الفروع في بلاد أخرى إلى توافر بعض المزايا والخصائص المهمة للتمويل الإسلامي التي تلعب دورا في توسع المصارف الإسلامية في الخارج، واهتمامها البالغ بالأسواق الجديدة.

وأوضح الجارحي أن التمويل الإسلامي نمط جديد في العمل المصرفي المعاصر، وإن كان المسلمون مارسوه قبل انتشار البنوك التقليدية في بلادهم، فلم يسبق لهم أن مارسوه في إطار مؤسسي يشبه النظم المصرفية المعاصرة. كما أن التمويل الإسلامي نشأ في العالم العربي أولا، وازدهر بصفة خاصة في الخليج. ولذلك، فقد اكتسب العاملون في هذه المنطقة خبرة ومعرفة يصعب أن يوجد لها مثيل في غيرها من المناطق. وبالتالي، فإن المصارف الإسلامية في الخليج تحوز ميزة نسبية تضمن تفوقها على غيرها في البلاد الأخرى. وأضاف الجارحي أن المصارف الإسلامية، وإن كانت ما تزال تواجه تحديات صعبة، أثبتت عن جدارة أنها الأكثر نجاحاً في تمويل التنمية وتكوين الموجودات المنتجة، وتعبئة الموارد وتحقيق الأرباح. والنجاح دائما يجذب اهتمام الخواص والعوام، ولذلك فهناك اهتمام كبير في دول الغرب والشرق وتطلع أكبر للاستفادة من التمويل الإسلامي. ويظهر هذا الاهتمام بصفة خاصة في أوروبا وشبه القارة الهندية والصين ووسط آسيا.

وتابع الجارحي أن المصارف الإسلامية بدأت دخول الأسواق الخارجية عن طريق تسويق منتجاتها لمؤسسات الأعمال والمصارف وشركات التمويل التقليدية في الخارج. ويلاحظ أن تلك المؤسسات وجدت ضالتها في منتجات تقدم العائد المتميز، مصحوبا بدرجة مناسبة من الأمان والسيولة، فأقبلت على استخدام الخبرات المتوفرة في الخليج لهيكلة تلك المنتجات وتطويرها، وبالتالي فقد حان الوقت للمصارف الإسلامية أن تضع أقدامها داخل الأسواق العالمية وتؤسس فروعاً لها للتعامل مباشرة مع الأفراد والمؤسسات، تعميما لفوائد التمويل الإسلامي بين سكان المعمورة. وأفاد الجارحي أن هذا الانتشار ليس سهلا، بل تواجهه تحديات وعقبات، مثله في ذلك مثل أي عمل منتج. والتحدي الأول هو الأوضاع القانونية في الدول التي تم وضعها منذ زمن قديم لتتناسب مع التمويل التقليدي، فمن ناحية يمنع قانون المصارف على المؤسسات المصرفية شراء وبيع أو إيجار السلع والموجودات، كما عليها المشاركة في المشاريع والشركات بصفتها مساهمة تشرك بالمال والإدارة. والمصارف الإسلامية لا غنى لها عن المشاركات وعن التجارة في السلع والأصول، لأنها لا تبيع النقد بالنقد. من ناحية أخرى، تفرض قوانين الضرائب مبالغ على شراء السلع والموجودات وتأجيرها. فإذا اشترى المصرف الإسلامي بناية بغرض بيعها بثمن آجل فيما بعد لأحد المتعاملين، يجد نفسه مضطرا لدفع ضريبة على الشراء، وعندما يبيعها، يدفع المشتري الضريبة مرة أخرى، وهذا ازدواج ضريبي يميز ضد التمويل الإسلامي، ويحابي التمويل. ولذلك، لا بد من تعديل قوانين المصارف وقوانين الضرائب قبل أن يدخل التمويل الإسلامي دولة معينة. أما أن التحدي الثاني كما ذكر الجارحي، فإن البنوك الإسلامية العاملة في الخارج قد لا تنتقي أعضاء الهيئات الشرعية من بين المتخصصين في الشريعة. أما التحدي الثالث فيكمن في قدرة المصارف الإسلامية على إدارة شركاتها التابعة (أي فروعها بالخارج) إدارة رشيدة، مع بعد المسافة، واختلاف الثقافات. وهذا يتطلب من المصارف الإسلامية وعيا واستعدادا لتوظيف كوادر إدارية متخصصة، مسلحة بتقنيات المعلومات والاتصال المتطورة، مع نظم دقيقة للرقابة والمتابعة. من جانب آخر، يرى عبد الله بن ناصر العلي، مدير فرع البنك الأهلي في الأحساء، أن افتتاح البنوك لفروع لها خارج موطنها الأصلي ذو أهمية كبيرة للبنك من حيث زيادة شريحة العملاء الخاصة به، وبالتالي زيادة ربحيته، خاصة البنوك العاملة وفق المصرفية الإسلامية.

وأضاف العلي أن الخدمات المصرفية الإسلامية تلقى رواجا على مستوى أوروبا والولايات المتحدة، وأنه في أوروبا يطلق على الاستثمارات التي تتعامل وفق أصول الشريعة الإسلامية بالاستثمارات الأخلاقية.

وطالب العلي أن تكون تعمل المصرفية الإسلامية في تلك الدول على صناعة وتسويق منتجات بنكية مبتكرة وتناسب احتياجات العملاء في تلك المناطق من العالم، وذلك من خلال التركيز على الجوانب الاستثمارية وكيفية إدارة الثروات ومساعدة العملاء لتحقيق أهدافهم وتطلعاتهم الاستثمارية وإيجاد الحلول والبدائل المغرية لهم.. ومن ثم جعلها متوفرة في متناول أيديهم كل حسب أهدافه الاستثمارية التي ينشدها. والجانب الآخر من خدمات تلك الفروع بحسب العلي، يتمثل في وضع آلية لتمويل الشركات ومؤسسات القطاع الخاص، من ناحية العمل على التوفيق بين سياسات البنوك الإسلامية في موطنها الأم وبين فروعها الخارجية، مؤكد أن البنوك لن تواجه أي صعوبات تواجهها في عملية التوفيق بين سياسات ومتطلبات موطنها الأصلي وبين فروعها العاملة خارجه.

وعلى صعيد آخر يرى أحمد نبهي، وهو محلل مالي واقتصادي من الجزائر أن أهمية افتتاح البنوك فروعا لها خارج موطنها الأصلي يؤهلها لدخول السوق المحلية واستغلال فرص الاستثمار الموجودة بها، بالإضافة إلى معرفة السوق المحلية عن قرب وإمكانية دراستها وتقديم خدمات مالية خاصة بالسوق، مع فرصة استثمار الفائض المالي الكبير لدى الدول البترولية، بما في ذلك دول الخليج.

وقال نبهي إن من أهم الخدمات التي يمكن أن تقدمها فروع البنوك تنويع الخدمات المالية والبنكية والمساهمة في التجارة الالكترونية من خلال القروض الاستهلاكية وبأحجام مختلفة، وإصدار بطاقات تمويل محلية خاصة بالبنك وقابلة للاستعمال عن طريق الإنترنت، بالإضافة إلى تمويل المشتريات الاستهلاكية عن طريق بطاقات الدفع العالمية. وأفاد نبهي أن التحديات القانونية التي تواجه اتجاه البنوك نحو افتتاح المزيد من فروع لها تتمثل في البيروقراطية في بعض الدول التي تفرض إجراءات معقدة للحصول على الرخصة والاعتماد، في الوقت الذي تكون فيه التشريعات في بعض الدول لا تتماشى مع الإستراتيجية التي يتبعها البنك مثل حرية تنقل رؤوس الأموال وغيرها، مع عدم وضوح التشريعات في بعض الدول و صعوبة التأقلم معها. وبيَّن أنه من المهم إجراء دراسة شاملة للسوق المحلية وتكييف عمل البنك مع محيط العمل، والاعتماد على الكفاءات المحلية التي لها خبرة في الميدان، مع تكييف عمل البنوك مع القوانين المحلية والاستعانة بخبراء قانونيين لتفادي الاصطدام بالقوانين، بالإضافة إلى اعتماد اللامركزية في التسيير واستقلالية الفروع ووضع خطة عمل خاصة بالفرع بعد دراستها من البنك الأم، ومن ثم تحديد إستراتجية عمل خاصة بالفرع التي قد تختلف عن الاستراتيجية الخاصة بالبنك الأم مثل التخصص في التمويل الاستهلاكي.

وبحسب إسماعيل السلوم، المحلل المالي في إحدى البنوك السعودية، فإن المصارف الإسلامية هدفت من الاتجاه نحو افتتاح المزيد من الفروع في بلاد غير موطنها لإشباع رغبات المجتمعات التي تتكالب على جهاز مصرفي قائم ومطبق لأحكام الشريعة الإسلامية ويقوم حفظ الأموال واستثمار الأموال المحفوظة بالإضافة إلى توفير سبل تمويل الإسلامي. ولعل من أكثر التحديات التي تواجهه المصرفية الإسلامية في رأي السلوم هو اختلاف وجهات نظر المدارس الدينية من حيث فقه التعاملات المصرفية، وبالتالي اختلاف آلية تطبيق وتنفيذ المنتجات الإسلامية من دولة لدولة، ومن مصرف لمصرف آخر مما يسبب إرباك للمتعاملين.