ماذا يعني كونك مصرفا إسلاميا؟

لاحم الناصر

TT

كثيرا ما تحدثت في هذه الزاوية عن الصيرفة الإسلامية كصناعة وليست كمؤسسات مالية، وذلك إيمانا مني بأن هذه الصناعة ليست حكرا على مؤسسة بعينها كما أنني لا أستسيغ ان تتخذها المؤسسات المالية سمة لها لما قد تتلبس به من تصرفات قد تناقض مبادئ الإسلام العامة وأحكامه، مما قد يحمل البعض من المتعاملين مع هذه المؤسسات على نسبة هذه التصرفات إلى الشريعة الإسلامية وهي براء منها. إلا ان بعض هذه المؤسسات أبى إلا ان يتخذ من الإسلام شعارا ودثارا يروج به بضاعته ويعلي به درجته في سوق الصيرفة. فهل يا ترى عملت هذه المؤسسات والقائمون عليها بمبادئ هذا الدين وفضائله وحكمه ومقاصده؟!! حيث جاء رحمة للعالمين. قال تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (الأنبياء 107)، وهو الدين الذي أمر بإنظار المعسر، فقال تعالى «وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وان تصّدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون» (البقرة 280). وروى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، قالوا: عملت من الخير شيئا؟ قال: كنت آمر فتياني ان ينظروا الموسر وان يتجاوزوا عن المعسر. قال الله عز وجل: تجاوزوا عنه». وفي صحيح مسلم: «من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه». وفي الحديث الآخر الذي رواه الترمذي «ومن أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه»، وهو الدين الذي أتى بكل ما يزيد من ترابط المجتمع وتآلفه، فقال صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» متفق عليه. وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة»، كما نفى كمال الإيمان عمن يبيت شبعان وجاره جائع، فقال صلى الله عليه وسلم «ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعان وجاره جائع إلى جنبه‏».

إننا وبإطلالة سريعة على واقع بعض هذه المصارف نجدها بعيده كل البعد عن هذه الفضائل التي جاءت بها الأحاديث التي تقدم ذكرها، فليس إنظار المعسر في قاموسها ولا هو من مبادئها فضلا عن التصدق عليه، بل كل من تأخر في الدفع فهو مماطل مستحق للعقوبة بغرامة التأخير. وأما العقود فلا اقل من ان توصف بأنها عقود إذعان، حيث تراعي حقوق المصرف دون النظر في حقوق العميل؛ وهذا لعمري هو عين الظلم، وإنما شرعت العقود لضمان مصلحة طرفي العقد بما يحقق الرضا الحقيقي الذي هو مناط حل أموال العباد. وفي سبيل تعظيم الأرباح وتقليص المصاريف فإن بعض هذه المؤسسات لا تتوانى في الفصل التعسفي لبعض موظفيها، حيث تجد في أنظمة العمل والعمال ما يبيح لها ذلك، ولكن أينها من الأحاديث السابقة والتي تحض على التآزر بين المسلمين وتفريج كربهم، وأين ملاكها والقائمون عليها من الأحاديث التي حرمت الظلم. فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِه عز وجل أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظلموا» (رواه مسلم)، فإذا كان الله حرم الظلم على نفسه فقد حرمه على عباده لما له من الآثار المدمرة على من وقع عليه وعلى المجتمع ككل. ولا شك ان فصل الموظف لا لذنب اقترفه بل لتقليص المصاريف وتعظيم الأرباح لهو من الظلم البين، حيث تهدم البيوت وتفقد الكثير من العائلات مصدر عيشها الذي يكفل لها الحياة الكريمة، كل ذلك في سبيل زيادة ثروة قلة من المجتمع. لقد آن الأوان لمؤسسات الدولة الرقابية القيام بواجبها في حماية المجتمع من وحش الرأسمالية بفرض تشريعات أكثر تشددا في هذا الجانب تعطي المؤسسات الرقابية الحق بالتأكد من الضرر الذي تدعيه هذه المؤسسات بوجود هؤلاء الموظفين قبل فصلهم، مع إلزام هذه المؤسسات في حال التأكد من وقوع الضرر تقديم تعويضات عادلة لا تقل عن راتب سنة أساسي بحيث تضمن لهؤلاء المفصولين حياة كريمة إلى حين إيجادهم وظائف بديلة، خصوصا إذا علمنا ان ضحايا الفصل التعسفي في الغالب هم صغار الموظفين.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]