منتدى الصيرفة الإسلامية يوصي بالاهتمام بالصكوك كمنتج بديل لامتصاص السيولة

رئيس اتحاد المصارف العربية يحذر حكومات الدول العربية من نسب التضخم العالية بسبب ارتباطها بالدولار

جانب من فعاليات منتدى الصيرفة الإسلامية الذي نظم في بيروت.. ويبدو عدنان يوسف (الثاني من اليسار) («الشرق الأوسط»)
TT

حذر خبير مصرفي رفيع المستوى من خطورة التضخم في الدول العربية ودول الخليج العربية، والتي باتت تسجل معدلات تضخم كبيرة خلال العامين الأخيرين. وقال عدنان أحمد يوسف رئيس اتحاد المصارف العربية ورئيس مجموعة البركة المصرفية لـ«الشرق الأوسط»، إن التضخم بات يهدد دول متقدمة كبيرة وأصبح الشغل الشاغل لدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها بالرغم من كونها دول مصدرة للسلع.

واستعرض عدنان يوسف واقع مؤشرات التضخم في الولايات المتحدة والذي وصل إلى 5 في المائة بعد أن كان 2.1 في المائة عام 2007، ومنطقة اليورو التي سجلت نسبة تضخم مرتفعة جدا زادت على 3.5 في المائة في الوقت الذي يجب ألا تتجاوز معدل 2 في المائة، وروسيا التي تواجه معدلات تضخم تزيد على 10 في المائة، وفرنسا التي تتراوح النسب لديها بين 2 و3 في المائة وهي معدلات لم تشهدها منذ 15 عاما.

وشدد يوسف الذي ألقى كلمة خلال افتتاح منتدى الصيرفة الإسلامية في بيروت الأسبوع الماضي، على ضرورة أن تعي دول منطقة الخليج العربي والدول العربية بشكل عام أهمية موضوع ارتفاع معدلات التضخم، والتي باتت تنذر بأزمة اقتصادية خطيرة ما لم يتدارك المسؤولون في تلك الدول لأهمية التضخم وتأثيراته المستمرة.

وتطرق عدنان يوسف خلال كلمته إلى هذا الموضوع، مبينا مبدأ خطورة التضخم كون غالبية الدول العربية مرتبطة بالدولار الأميركي والذي يسجل انخفاضا كبيرا منذ أعوام، فضلا عن كون هذه الدول مستوردة.

وأشار يوسف إلى أنه لا بد من تناول ظاهرة ارتفاع الأسعار التي تؤدي فعلا إلى انخفاض الاستهلاك الحقيقي وبالأخص لدى ذوي الدخل المحدود، مؤكدا أن مؤشر التضخم العام ينذر بعواقب وتعقيدات كبيرة وخطيرة ويجب أن تعرف القيادات الاقتصادية إلى أين نحن ذاهبون؟

وأكد رئيس اتحاد المصارف العربية أن احتواء التضخم يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه دول المنطقة على المدى القصير، وأن معالجة مسألة التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي التي تشهد معدلات مرتفعة للأسعار يصطدم بعائق الإجراء النقدي الطبيعي الذي يمكن أن تقوم به سلطات هذه الدول كرفع معدلات الفائدة المصرفية لاحتواء ارتفاع الأسعار. واوضح أن الصكوك الإسلامية من أفضل المنتجات البنكية الحديثة، وهي إحدى الوسائل التي تساهم في امتصاص السيولة المتوافرة حاليا في دول انتاج النفط، وأن ما يميز الصكوك الإسلامية أن مدة استحقاقها يتراوح بين ثلاثة أعوام إلى خمسة، مبينا أنهم طالبوا خلال المنتدى بضرورة إصدار صكوك حكومية أو غير حكومية قصيرة الأجل تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى سنة.

وتوقع يوسف أن يكون هناك طلب جيد للاستثمار في هذه الصكوك التي تختلف عن سندات الخزينة التقليدية، بأنها لا تعمل بالفائدة، ولكن عن طريق التداول بالسلع كمرابحة بفارق السعر بين الشراء والبيع، والمصارف الإسلامية عندما تشتري هذه الصكوك فإنها تعتبر جزءاً من سيولتها ومجوداتها. وكان منتدى الصيرفة الإسلامية الذي احتضنته العاصمة اللبنانية بيروت على مدى يومين تحت عنوان «التوسع في الأسواق العالمية» قد دعا المصارف الإسلامية إلى تقوية امكاناتها التنافسية في الأسواق المحلية والإقليمية والدولية، وتعزيز وتفعيل التوجه لبناء وتطوير مجالات تعاون جديدة في ما بين المصارف الإسلامية.

وأكدت توصيات المنتدى الذي نظمه اتحاد المصارف العربية، على أهمية تعبئة الموارد المالية والبشرية وابتكار الهندسات المالية والإبداع التقني لاستثماراتها، ووضع استراتيجية توسع في الأسواق الداخلية والخارجية، إضافة إلى أهمية دور القطاع المصرفي الإسلامي المنظم والناجح في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

كما أكدت التوصيات إلى ضرورة اعتماد الضوابط القانونية والشرعية الكفيلة بجعل المصارف الراغبة بتقديم خدمات التمويل الإسلامي ضمن موجوداتها دون وجود مصادر أموال إسلامية مقابلها، واعتماد التدقيق الشرعي الخارجي، وتقنين التدقيق الشرعي الداخلي، وتقلص دور هيئات الرقابة الشرعية للمؤسسة الواحدة، وتوسع دور هيئات الرقابة الشرعية الموحدة على مستوى الدولة أو القطاع، وضرورة استمرار الحكومات في تشجيع الاعتماد على الصكوك الإسلامية في مجال استقطاب وتوظيف الموارد.

ومن ضمن التوصيات: عقد مجمع فقهي تنبثق عنه هيئة شرعية تصدر نشرة تتضمن الفتاوى الخاصة بالمصارف الإسلامية، وبذل الجهود من جانب المهتمين لتقريب وجهات النظر الشرعية في أمر التصكيك الشرعي، وضرورة استمرار الحكومات في تشجيع الاعتماد على الصكوك الإسلامية في مجال استقطاب وتوظيف الموارد، والسعي لتصنيف الصكوك المصدرة من قبل مؤسسات تصنيف دولية معترف بها، ودراسة إمكانية استخدام صكوك القرض وصكوك التبرع وصكوك الوقف في التمويل الاجتماعي للتنمية في البلدان الإسلامية.

كما تضمنت التوصيات مراعاة المخاطر المختلفة للصكوك الإسلامية عند إصدارها بما يسهم في توفير منتج مالي إسلامي منخفض المخاطر، ومحاولة الاستفادة من الاعتراف الدولي للصكوك الإسلامية في تطويرها بنفس وتيرة تطور المصرفية الإسلامية.

ورأى المشاركون في المنتدى أهمية أن تستند الصكوك الإسلامية وهياكل إصدارها على ارث شرعي متين وقابل للتطور، معتبرين أن تنوع وتعدد هياكل إصدار الصكوك الإسلامية من شأنه أن يوفر حلولا متنوعة للشركات والحكومات الراغبة في الاستفادة من ثقافة التصكيك الإسلامي.

وأكدوا أن تنوع تجارب إصدارات الصكوك الإسلامية يبين أن هذه الصكوك صارت ذات قيمة مضافة أعلى وان استخدامها يعتبر أفضل نسبيا من استخدام الأدوات التقليدية، خاصة أن التجارب العملية لإصدارات الصكوك برهنت انها وسيلة مفيدة لتمويل مشروعات البنية التحتية والمشاريع التنموية الكبرى. وتتماشى توصيات المنتدى في مجال الصكوك مع ما طرأ على هذا المنتج من أزمة عالمية تسببت بعد تصريحات من قبل أحد فقهاء الصيرفة الإسلامية في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية التي تتخذ من البحرين مقرا لها، والذي أكد فيها أن 85 في المائة من إصدارات الصكوك في العالم غير شرعية.

وتلت تلك التصريحات موجة فعل كبيرة وردود أفعال بعضها مؤيد والبعض الآخر يراها لا تعدوا كونها رأي شخصي للفقيه الشيخ تقي عثماني بالرغم من كونه يترأس الهيئة الشرعية في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.

كما أوصى منتدى بيروت بضرورة عقد هذا المنتدى بشكل سنوي وذلك لما يمكن أن يقدمه من إضافة نوعية في مجال الصيرفة الإسلامية على أن يكون المنتدى المصرفي الإسلامي الثاني في الأسبوع الأول من أغسطس (آب) 2009. والمنتدى هو الأول من نوعه الذي تحتضنه بيروت بعد أن ظلت البحرين وماليزيا صاحبتا الريادة في احتضان المؤتمرات والمنتديات المتعلقة في المصرفية الإسلامية، ودخلت بالتالي دول أخرى كلبنان والإمارات وقطر والكويت ولندن في استضافة واحتضان صناعة الصيرفة الإسلامية.

وكان منتدى الصيرفة الإسلامية قد أنهى أعماله بعد جلسات عمل بحضور أكثر من 350 شخصية رسمية مصرفية ومالية وقيادات وخبراء رقابة شرعية.

وتمحورت جلسة العمل الأولى حول دور السلطات الرقابية وإدارة السياسة النقدية، وتوسع المصارف الإسلامية في الساحة العالمية والتحديات التي تواجهها، والمقاربة بين العمل المصرفي الإسلامي والعمل المصرفي التقليدي، وآليات ومتطلبات التحول من مصرف تقليدي إلى إسلامي، ومبدأ تحقيق الإرباح لرب المال، والعلاقة بين المصارف الإسلامية وغير الإسلامية. وخلال فعاليات المنتدى ركز بعض المشاركين على أهمية أن يعرف المتعاملين مع المصارف الإسلامية أنها ليست مؤسسات خيرية، وإنما هي تسجل في السجل التجاري وان كانت تتوخى إحكام الشريعة الإسلامية في التعامل التجاري كحظر التعامل بالفائدة والاستعاضة عن ذلك بمشاركة العميل في عمليات استثمارية مربحة، معتبرين ذلك مبعث طمأنينة للمتعاملين مع هذه المصارف الذين يمكن أن يكونوا مسلمين أو غير مسلمين، حيث إن المصارف الإسلامية لديها ضوابط شرعية قد يعتبرها البعض أكثر تشددا من المصرف التجاري غير الإسلامي.

وأشارت بعض أوراق العمل إلى أن العلاقة بين المصارف الإسلامية والمصارف غير الإسلامية يجب أن ينظر اليها كعلاقة تكاملية لا كعلاقة تنافسية أو إحلالية، إذ أن ثمة أعمالا وأنشطة لا يمكن للمصارف التجارية غير الإسلامية ممارستها في حين يمكن للمصارف الإسلامية تقديمها. ورأوا أنه إلى جانب جهاز الرقابة الداخلي والخارجي والجهات الرقابية من البنك المركزي، ثمة جهازان داخليان رئيسيان في نفس المصرف الإسلامي هما «وحدة الإدارة الرشيدة»، و«وحدة التدقيق الشرعي» اللتين تشرفان على أعمال المصرف بصورة منتظمة وتقومان بالموافقة على إصدار كل ما يتعلق بالمنتجات الجديدة.