التأكيد على أهمية تقويم المنتجات وعدم التحايل بالمسميات.. للبعد عن «الربا»

خلال فعاليات ندوة «تقويم المنتجات المالية الإسلامية ومنهج عمل هيئة التنصيف»

المشاركون في جلسة ندوة «تقويم المنتجات المالية الإسلامية ومنهج عمل الهيئة الشرعية للتصنيف« (الشرق الأوسط«)
TT

برز موضوع المنتجات المالية خلال جلسات ندوة «تقويم المنتجات المالية الإسلامية ومنهج عمل الهيئة الشرعية للتصنيف والرقابة» الذي نظمه المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية.

وشهدت الندوة كثيرا من التعليقات والتلميحات بوجود أخطاء كبيرة في بعض المنتجات المالية التي تقدمها بعض البنوك الإسلامية، لا سيما بعدها عن مقاصد الشريعة الإسلامية، فالبنوك حاليا لا تبحث إلا عن الربح ولا غيره بغض النظر إن كان العمل يخدم الاقتصاد الإسلامي أم لا.

وشهدت الجلسة الثانية للندوة والتي خصصت لتقويم المنتجات المالية الإسلامية، مشاركة من الدكتور سامي السويلم والدكتور عبد الرحمن الأطرم وموسى شحاده والدكتور محمد البلتاجي.

وخلال الجلسة استعرض سامي السويلم أهم خصائص التمويل الإسلامي، وهي سلامته من الربا، وأن هذه هي القيمة التي تميز التمويل الإسلامي عن التمويل التقليدي الذي استشرى فيه الربا والرهان بما أضر بالاقتصاد العالمي بشكل يراه المراقبون ويلمسه الناس اليوم أكثر مما مضى. وتابع السويلم أن الاضطرابات المالية أصبحت تتكرر بدرجة متزايدة وأكثر حدة من قبل، وأنه لا تزال الدعوات من المختصين في الغرب تتوالى بإعادة هيكلة النظام المالي والبحث عن حلول جذرية لمشكلاته، والمأمول أن يكون الاقتصاد الإسلامي هو الحل، لكن هذا لا يتحقق إلا إذا كانت صيغ التمويل الإسلامي تتميز حقيقة عن التمويل التقليدي.

وقدم السويلم عددا من المعايير والمؤشرات التي تحدد بموضوعية ما إذا كان المنتج المالي يتضمن الربا من حيث الحقيقة والجوهر أم لا، وأن هذه المعايير ترجع إلى نصوص الكتاب والسنة والقواعد المتفق عليها بين المذاهب.

واستعرض الدكتور السويلم، الذي يعمل في البنك الإسلامي للتنمية، أول هذه المعايير، وهي هرم المديونية، مبينا أن القرآن الكريم أبرز أول آية في تحريم الربا وهي التي تركز على تحريم تضاعف المديونية «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (آل عمران:130). والنتيجة الطبيعية للربا هي أن تصبح الديون أضعاف حجم الثروة في الاقتصاد، وتصبح من ثم خدمة هذه الديون نزيفاً مستمراً في النشاط الاقتصادي مما يؤدي لا محالة إلى كوارث اقتصادية: إما الانهيار وإما الإفلاس، مع ما يترتب على ذلك من استيلاء الدائنين على ثروة المدينين دون مقابل، فيكون من أبشع صور أكل المال بالباطل.

أما في الاقتصاد الإسلامي ـ والحديث للسويلم ـ فإن التمويل الربحي مقيد دائماً بالنشاط المولد للثروة (البيوع بصورها المختلفة)، لما سيأتي من اشتراط تبعية التمويل للتبادل. ولذلك فإن نسبة الديون إلى الثروة الحقيقية في الاقتصاد الإسلامي محدودة ولا يمكن للديون أن تصبح أضعاف الثروة، بل تكون غالباً أقل منها وعلى أسوأ الأحوال لا تتجاوز الثروة بأكثر من هامش الأجل. أما في الاقتصاد الربوي فإن النسبة غير منضبطة بأي قيد، وهذا ما يؤدي إلى نشوء ما يسمى بالهرم المقلوب. وذلك أن الثروة هي قاعدة المديونية، وفي الوضع الطبيعي فإن القاعدة يجب أن تكون أكبر حجماً من القمة فتكون الثروة أكبر من الديون. أما في الاقتصاد الربوي فإن قاعدة الهرم أقل من الديون المبنية عليها، فتأخذ شكل الهرم المقلوب. وهذا يعني أن أي منتج يسمح بنمو الديون دون ارتباط مباشر بنمو الثروة فسيؤدي بالضرورة إلى انفراط نسبة المديونية إلى قيمة السلع أو الأصول الحقيقية التي تشكل ثروة المجتمع.

ومثل الدكتور سامي السوليم بذلك بالعينة بصورها المختلفة والتي يمكن أن تولد السلعة الواحدة ما لا يحصى من الديون، سواء على الشخص نفسه أو على مستوى الاقتصاد. فالسلعة الواحدة يمكن استخدامها مئات الآلاف من المرات، بحيث يتولد من الديون خلال فترة وجيزة أضعاف أضعاف قيمتها. وهذا يستلزم اختلال نسبة المديونية إلى الثروة ومن ثم بروز الهرم المقلوب الذي يعد علامة فارقة للاقتصاد الربوي.

وعليه فإن هذا المعيار يقتضي أن يكون صافي حجم المديونية التي يمكن أن تولدها السلعة الواحدة لا يزيد من الأحوال عن قيمة السلعة زائداً هامش الأجل. فإذا كان المنتج يسمح بتوليد صافي مديونية أكثر من ذلك خلال المدة نفسها فهو يؤدي إلى بناء هرم مقلوب لحجم المديونية مقابل الثروة.

كما استعرض الدكتور سامي المعايير الأخرى، منها علاقة التمويل بالتبادل، وأن وظيفة التمويل أو الائتمان هي تيسير التبادل الذي هو الهدف لأنه يحقق منافع التبادل التي يدرسها الاقتصاديون، أما التمويل، أياً كان شكله وصيغته، فهو وسيلة لتحقيق التبادل ومن ثم المنافع التي تنتج عنه. وعائد التمويل، سواء كان الفائدة الربوية أو هامش الأجل في البيع المؤجل، لا يمكن سداده إلا من خلال التبادل الحقيقي للسلع والخدمات. فالتمويل إذن متوقف على تحقق التبادل، ولذلك فهو تابع له. وبناء عليه فأي منتج يهدف إلى أن يكون التبادل وسيلة للتمويل فهو يعكس العلاقة الطبيعية بين التمويل والتبادل، كما يناقض مقصد التشريع في جعل التمويل تابعاً للتبادل وليس العكس. وهذا هو الحاصل في بيوع العينة بكل صورها، حيث يتم تبادل سلع غير مقصودة بهدف الوصول للنقد الحاضر مقابل أكثر منه في الذمة، أي الوصول لنفس نتيجة القرض بزيادة. فالتبادل أصبح وسيلة والتمويل أصبح هو الغاية. ومن ضمن المعايير، يضيف السويلم، المصالح الشرعية وهو تحديد مدى مشروعية البيع بمدى المصلحة التي يلبيها، وإن كانت المصلحة تافهة ولا تعادل القيمة الاقتصادية للمال الذي بذل ثمناً لها، كما هو الحال في الإسراف، فهو محرم. ويعتقد السويلم انه إذا طبقنا هذا المعيار على بيوع العينة المختلفة نجد أن السلعة محل التعاقد لا تحقق أي مصلحة للمدين، فلا هي ضرورية ولا هي حاجية ولا هي تحسينية، لأنها غير مقصودة أصلاً ومن ثم لا تحقق أي مصلحة للمشتري. فهي لذلك أسوأ حالاً من الإسراف، فتكون منهياً عنها من باب أولى. فهذا المعيار يقتضي تحقق المصلحة المعتبرة شرعاً من السلعة محل التبادل.

وكذلك هناك القيمة المضافة كواحد من ضمن المعايير، حيث يلاحظ أنه إذا أخذنا في الاعتبار سلسلة الدائنين والمدينين في بيوع العينة، فإن حصيلة القيمة المضافة هي الصفر على أحسن الأحوال، وسالبة في كثير من الأحوال. لأن الدائن يبيع بربح الأجل، والمدين يبيع بخسارة تعادل فرق الأجل على أحسن الأحوال، فالمجموع صفر. لكن إذا باع بأقل من الثمن الحاضر، كما هو شائع، فسيكون المجموع سالباً. وعليه فحاصل القيمة المضافة في البيوع المشروعة موجب، بينما هو في بيوع العينة صفر على أحسن الأحوال، وسالب في أكثر الحالات. وعليه فهذا المعيار يقتضي أن يكون حاصل القيمة المضافة للتداول موجباً.

غير أن السويلم عرج على معيار يعتبره كثير من الخبراء من أهم المعايير التي ينبغي أن تراعيها البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، وهو معيار الشفافية والذي هو مقصد شرعي نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «فإن صَدَقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كَذَبا وكَتَما مُحِقت بركةُ بيعهما».

والحيل الربوية كلها تنافي هذا المقصد، لأنها تهدف في النهاية إلى نقد حاضر بأكثر منه في الذمة، ولو صرحت العقود بذلك لكانت باطلة عند جميع العلماء بلا استثناء، وإن اختلفت أسباب البطلان عندهم، لكنهم يتفقون على النتيجة وهي المنع. فلهذا تلجأ الحيل إلى تغييب الشفافية والإفصاح في العقود تجنباً لهذه النتيجة. فيصبح الكتمان ضرورياً لصحة العقد، وهذا يصادم النص الصريح على فضيلة الصدق والبيان.

وهذا يبين المأزق الذي تواجهه الحيل الربوية، فهي بين أمرين أحلاهما مر: إما الكتمان وإما البطلان. فالكتمان ضروري لكي يصح العقد، لكنه يمحق بركة المعاملة كما هو نص الحديث. وإذا تم التصريح بالشروط والهدف من المعاملة بطل العقد. وعليه فهذا المعيار يؤكد أهمية الشفافية التي تحدد الهدف من التعاقد والمقصود منه. فإن كان مقتضى الشفافية هو بطلان العقد دل على أنه من الحيل الممنوعة شرعاً، بخلاف البيوع الحقيقية التي لا تتأثر مشروعيتها بالشفافية بل تتأكد بها.

في المقابل قال موسى عبد العزيز شحادة، المدير العام للبنك الإسلامي الأردني وأحد المشاركين في الجلسة، إن البنوك الإسلامية حققت الكثير من النجاحات بعد الصبر والممارسة العملية والمثابرة، مبينا أنه لا يمكن لأي مهتم أن يغفل دور البنوك الإسلامية في الحياة الاقتصادية.

وأوصى شحادة في ختام ورقته التي قدمها في الجلسة، بضرورة أن تتولى الهيئات الشرعية للمؤسسات متابعة تنفيذ الفتوى التي أصدرتها للتأكد من سلامة التطبيق، وإيجاد آليات المتابعة والمراجعة الشرعية على مستوى الإدارات التنفيذية ومجالس الإدارة والهيئات الشرعية، وتعزيز الثقة والشفافية في المنتجات الإسلامية بتوفير البيانات المالية عن المنتجات المالية الإسلامية وتأكيد الهيئات الشرعية بصحة التطبيق.

كما أكد موسى شحادة في ختام توصياته على أهمية أن يتم تقويم المنتجات المالية الإسلامية القائمة أو التي ستصدر عن المؤسسات المالية من قبل الهيئات الشرعية للتصنيف التابعة للمجلس العام للبنوك والمؤسسات الإسلامية من أجل حماية المستثمرين أولا، وحماية المؤسسات المالية الإسلامية المنضبطة من منافستها بمنتجات رديئة تسئ إلى الصيرفة الإسلامية.

من جانبه أوضح الدكتور محمد البلتاجي مدير البرامج المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في المعهد المصرفي التابع لمؤسسة النقد السعودي، أن مشكلات تقويم المنتجات المالية الإسلامية وسبل التغلب عليها يتركز في ثلاثة أشياء، أولها عدم وجود هيئة مختصة بتقويم المنتجات المالية الإسلامية، والآخر عدم وجود معايير لتقويم المنتجات المالية الإسلامية، والثالث هو عدم توافر البيانات المالية عن المنتجات المالية الإسلامية. كما استعرض الدكتور البلتاجي واقع بعض المنتجات المالية الإسلامية، وأنها أصبحت مجرد محاكاة للمنتجات التقليدية، ما ترتب عليه افتقاد للمصداقية بين العاملين والمتعاملين، وقيام بعض البنوك الغربية بتقديم المنتجات الإسلامية بغرض استقطاب الموارد المالية للمتعاملين، وعدم اقتناع العديد من البنوك المركزية بأهمية وجود تشريعات خاصة بالمصارف الإسلامية.

كما ناقش الدكتور البلتاجي أهداف تقويم المنتجات المالية الإسلامية، وأنها تساعد في معرفة مدى تحقيق تلك المنتجات للمقاصد الشرعية والمآلات، وتصنيف المنتجات المالية الإسلامية، ومدى تلبية تلك المنتجات لاحتياجات العملاء، ومدى سلامة تطبيق تلك المنتجات بالسوق المصرفي، ومدى تميز تلك المنتجات عن المنتجات التقليدية.