البنك الأهلي والمصرفية الإسلامية

TT

في عام 1990 دخل سوقَ الصيرفة الإسلامية لاعبٌ جديد ومثل دخوله نقلة نوعية وكمية لصناعة الصيرفة الإسلامية، وأصبح هذا التاريخ علامة فارقة في تاريخ الصيرفة الإسلامية، يؤرخ لبداية هذه الصناعة في التوسع والنمو والتنويع والابتكار، حيث دشن البنك الأهلي التجاري أول فرع للخدمات المصرفية الإسلامية بمدينة جدة. وهنا يجب ان أسجل للتاريخ ان الدكتور محمد القري كان أحد أبرز مهندسي هذا الدخول، وفي عام 1992 قام البنك بتأسيس إدارة مستقلة داخل البنك تحت مسمى إدارة الخدمات المصرفية الإسلامية تتولى مسؤولية النشاط المصرفي الإسلامي، وقام على ادارتها الدكتور سعيد المرطان. كان الغرض من تأسيسها بحسب ما ذكره الدكتور في بحثه المعنون بـ «تقويم المؤسسات التطبيقية للاقتصاد الإسلامي: النوافذ الإسلامية للمصارف التقليدية» هو أسلمة مجمل البنك وفق خطة تدريجية تحت إشراف هيئة شرعية مكونة من جمع من العلماء والاقتصاديين. وقد كان هذا القرار يمثل قمة الجرأة وبعد الرؤية من قبل مجلس إدارة البنك والإدارة التنفيذية في ذلك الوقت. كما مثل تحديا أمام إدارة الخدمات المصرفية الإسلامية والهيئة الشرعية لإثبات صحة هذا القرار وجدواه للبنك، لا سيما أنهم استشعروا ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فبذلوا المستحيل من أجل نجاح هذه التجربة لأنهم كانوا يعلمون ان نجاحها أو فشلها لهما ما بعدهما، فإما ان تنجح التجربة فتكون مثالا يحتذى من بقية المصارف أو تفشل لا قدر الله فتكون بداية النهاية لهذه التجربة. إلا ان الأرقام اليوم تتحدث وتصف نجاح هذه التجربة حيث تعمل جميع فروع البنك البالغة 266 فرعا وفق أحكام الشريعة الإسلامية. كما ان 96% من استثمارات البنك إسلامية و99% من تمويله الشخصي إسلامي و62% من تمويله التجاري إسلامي. إضافة إلى ذلك فقد أصبح البنك رائدا في مجال تطوير المنتجات الإسلامية بحيث أصبحت الكثير من المصارف عالة عليه في مجال المنتجات الإسلامية (مع تحفظنا على بعض هذه المنتجات من وجهة نظر شرعية). وهذا النجاح في مجال الصيرفة الإسلامية أعطى الكثير انطباعا بأن البنك الأهلي غدا مصرفا إسلاميا يخضع في جميع تعاملاته لأحكام الشريعة الإسلامية. إلا ان الحقيقة خلاف ذلك، حيث ان البنك ما زال يقدم بعض الخدمات المصرفية التقليدية التي لا تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية خصوصا في مجال تمويل الشركات والخزينة (وأود ان ألفت نظر القراء الكرام إلى ان البنك يملك خزينة إسلامية بالكامل في البحرين). وبهذا تخلى البنك عن الريادة في مجال تحول المصارف التقليدية لمصارف إسلامية التي بدأها هو بعد ان كان قاب قوسين أو أدنى منها، حيث سبقته الكثير من المصارف التي هي أحدث منه تجربة في هذا المجال سواء داخل المملكة أو خارجها.

إن التخلي عن هذه الريادة يشعر المراقب بأن البنك بدأ يفقد الزخم اللازم لإتمام عملية التحول لمصرف إسلامي التي هي في متناول يده اليوم أكثر مما مضى. ولا يمكن تفسير هذا التباطؤ في عملية التحول إلا بفقدان البنك للقوى الدافعة نحوه، وذلك بتحويله إلى مصرف يعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية والتي لا يمكن له الاستمرار في نجاحه وريادته في مجال الصيرفة الإسلامية إلا بتحقيقها. كما أنها ستسجل أسماء كل من شارك فيها من مجلس إدارة وإدارة تنفيذية في سجل التاريخ الذي لا ينسى في الأرض وعند الله في الملأ الأعلى ذخرا لهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، وما أعظمه من قرار لو تحقق في هذا الشهر الكريم الذي تضاعف فيه الحسنات وتغفر فيه الخطايا والسيئات.

أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يمنَّ علينا بهذا التحول في هذا الشهر الكريم.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]