الصيرفة الإسلامية وحتمية التعاون

لاحم الناصر

TT

تعاني الصيرفة الإسلامية من تشتت الجهود وعدم التعاون بين مؤسساتها وغلبة النظر بعين المصلحة الضيقة لدى بعض القائمين على مؤسسات هذه الصناعة على النظر بعين المصلحة العامة للصناعة ككل مما جعل التنافس بين هذه المؤسسات في بعض الأحيان تنافسا غير حميد اضر بهذه الصناعة حيث منع إمكانية تكاتف الجهود وتوحيد الامكانات للوصول بخدمات ومنتجات هذه الصناعة إلى مستوى عالمي يرضي طموح المتعاملين معها ويحقق لها شخصيتها المستقلة التي تعبر عن مقاصد الشرع الحنيف. ويتجلى عدم التعاون هذا في عدم وجود أي نموذج أو عقد لمنتج نمطي موحد يتم تداوله بين هذه المؤسسات المالية الإسلامية أو التي تقدم الخدمات المالية الإسلامية لأي منتج من منتجات هذه الصناعة على المستوى المحلي، فضلا عن ان يتم تداوله على مستوى إقليمي أو عالمي مع ان ذلك ممكن في المنتجات التي استقرت عليها الفتيا وأصبحت منتجات نمطية لا تخضع للتغيير في بنودها سوى بند السعر والربح والضمانات مثل منتج المرابحة للاستثمار بين المؤسسات المالية والتي يستخدمها الكثير من المؤسسات المالية اليوم في تمويل بعضها البعض. ومثل بطاقات الائتمان والتمويل الشخصي المباشر والودائع فتجد ان كل مؤسسة مالية إسلامية أو مؤسسة تقدم خدمات إسلامية لديها نموذجها الخاص من البطاقات أو منتج التمويل أو الودائع إلا ان هذه النماذج الخاصة والعقود وان اختلفت في الصورة أو الإجراءات إلا ان الخدمة التي تقدمها للعميل واحدة فليس هناك قيمة مضافة لهذا التنوع من الممكن ان تستفيد منها الصناعة أو العميل بل أصبح هذا التنوع مصدر تكاليف إضافية يتحملها العميل بحيث يؤثر على جودة وتنافسية منتجات الصيرفة الإسلامية مع المنتجات التقليدية الموجودة في السوق. كما ان هذا التنوع في صور المنتجات النمطية وعدم اتفاق مؤسسات الصيرفة الإسلامية على نماذج معينة لاستخدامها في هذه المنتجات حال بين الصيرفة الإسلامية والوصول للمعيارية المطلوبة عالميا والتي تشكل احد أهم التحديات أمام هذه الصناعة في الوقت الحاضر.

ولعل السبب في عدم توحيد هذه النماذج والعقود هو تمسك كل مؤسسة مالية برغبتها في استخدام نموذجها وعقدها الخاص كنموذج وعقد موحد بشكل يمثل قمة الأنا مما يمنع المؤسسات الأخرى من قبول ذلك أو عدم رغبة هذه المؤسسات في التعاون فيما بينها وعمل كل مؤسسة مالية وكأنها في جزيرة معزولة عن المؤسسات الأخرى مكتفية بما لديها ظنا منها ان التعاون قد يضعف منافستها. ان التعاون بين مؤسسات الصيرفة الإسلامية أصبح اليوم حتميا حيث تشهد هذه الصناعة نموا وتوسعا غير مسبوق مما يدعوها لابتكار الحلول وإيجاد الأدوات التي تظهر شخصيتها الفريدة وتحقق مقاصدها النبيلة حيث لا يمكن لمؤسسة واحدة القيام بذلك اما لارتفاع تكاليف التطوير والابتكار أو لان تعاون جميع مؤسسات الصيرفة الإسلامية يعد شرطا لحصول ذلك مثل وجود السوق المالية الإسلامية والتي لا يمكن ان تقوم بوجود مؤسسة مالية واحدة بل لا بد من تضافر جهود جميع مؤسسات الصيرفة الإسلامية والمؤسسات الرقابية لإيجادها.

ويمكن ان يتحقق هذا التعاون إذا وجدت مؤسسة رقابية دولية للصيرفة الإسلامية تنظم عمل المؤسسات التي تقدم خدمات الصيرفة الإسلامية بحيث تكون قراراتها ملزمة لهذه المؤسسات مع اطمئنان المؤسسات المالية لقراراتها لعدم وجود تضارب للمصالح.

ومع إيماني بأن ما حققته الصيرفة الإسلامية حتى الآن حقق جزءا مهما من مقاصد الشريعة والمتمثل في إخراج الناس من حمأة الربا المحرم بالإجماع إلى بركة الحلال وان اختلف فيه العلماء، وإثبات صلاحية هذه الشريعة لكل زمان ومكان، إلا ان المرجو من صناعة الصيرفة الإسلامية والآمال المعلقة بها أعظم بكثير مما حققته وما نقدنا لها إلا نقد المحب المشفق.

والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]