دراسة تطرح عدة بدائل شرعية لسندات القرض الربوي.. من أبرزها صكوك الإجارة

سوق الصكوك يزداد نمواً رغم الأزمة التي مر بها

تعرف المصرفية الإسلامية إقبالا كبيرا في كل أنحاء العالم («الشرق الأوسط»)
TT

ازداد بروز أهمية الأوراق المالية على الساحة المالية والاقتصادية وخاصة السندات على كافة المستويات حيث تحتاج الحكومات إلى استعمالها كأداة للتحكم في سياستها النقدية، وتنظيم كمية السيولة وسدِّ الحاجات التمويلية عند نضوب السيولة الكافية لبناء المشاريع المختلفة. وطرحت دراسة حديثة قدمها حامد ميره، المتخصص في الاقتصاد الإسلامي، عن منتج «الصكوك الإسلامية» تحت عنوان «صكوك الإجارة، دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية»، عدة بدائل شرعية لسندات القرض الربوية، ومن أبرزها «صكوك الإجارة».

واستعرض الباحث صكوك الإجارة من خلال أحكام صيانة العين المستأجرة والتأمين عليها، إضافة إلى تفصيل صور التأجير المنتهي بالتمليك وحكم كل صورة، إضافة إلى دراسة مسألة حكم ربط الأجرة بمؤشر منضبط، باعتبارها ورقة مالية شرعية، بالإضافة لاحتوائها عقد الإجارة، وتميزها بالمرونة من جهة مصدرها وتعدد صورها، فضلا عن الوساطة المالية التي تتضمنها مع خضوعها لعوامل السوق.

وأبان أن أنواع صكوك الإجارة ثلاثة، أولها صكوك ملكية الأصول المؤجرة، وهي وثائق متساوية القيمة عند إصدارها، ولا تقبل التجزئة، ويمكن تداولها بالطرق التجارية، وتمثل حصصاً شائعة في ملكية أعيان مؤجرة، أو موعود باستئجارها؛ مما يخول ملاكها حقوق هذه الوثيقة، ويرتب عليهم مسؤولياتها، مبيّنا أنها تتخذ صوراً متعددة لتلبية أغراض الجهة طارحة الصكوك (طالبة التمويل)، ولتوائم مصالح حملة الصكوك (الممولين). والنوع الثاني، صكوك ملكية المنافع، وهي وثائق متساوية القيمة عند إصدارها، ولا تقبل التجزئة، تمثل حصصاً شائعة في ملكية منافع أعيان معينة، أو موصوفة في الذمة؛ مما يخول ملاكها حقوق هذه الوثائق، ويترتب عليهم مسؤولياتها، فيما يقوم النوع الثالث (صكوك ملكية الخدمات)، بتحويل خدمة أو عمل من جهة معينة أو موصوفة في الذمة إلى صكوك متساوية القيمة لها خصائص الأوراق المالية وسماتها.

وطرح الباحث صورتين تطبيقيتين مقترحتين للتمويل عبر الصكوك، أولاهما ملخص هيكلة مقترحة يمكن أن تصدر الشركات على غرارها صكوكاً لتوفير السلع المعمرة متوسطة الأجل كالطائرات، والمعدات الثقيلة، وآلات المصانع، وأجهزة الحاسوب الضخمة ونحوها، وثانيتهما تمويل بناء فندق عبر طرح صكوك منافع. واعتبر أن إصدارات حكومة البحرين العشرة من صكوك الإجارة، مفيدة للحكومات الخليجية خصوصاً، والإسلامية عموماً في طرح إصدارات مماثلة من صكوك الإجارة، ومن ثم توجه القطاع الخاص للتمويل والاستثمار عن طريق صكوك الإجارة في إصدارات مقاربة لإصدارات حكومة البحرين، مطالبا البنوك المركزية بالبلاد الإسلامية بزيادة التوجه إلى استخدامها لتفعيل التمويل المتوافق مع الشرع والتحكم بالسيولة النقدية، بحيث تكون الهيكلة التي تُبنى عليها (structure) مبنية على عقود شرعية لا تقود إلى محظور شرعي.

كما طالب الجهات التنظيمية والتشريعية في البلاد الإسلامية بتوفير البيئة التشريعية والتنظيمية الملائمة لإصدار الصكوك، كإصدار أنظمة ولوائح طرح الصكوك الإسلامية وتداولها، وإنشاء الجهة التنظيمية المشرفة على سوق المال في كل بلد لهيئةً شرعيةً موحدةً لها المرجعية الكاملة لإصدارات الصكوك التي يُراد طرحها، أو إدراجها في سوق المال؛ لتضييق هوة الخلاف الفقهي، واستقرار السوق وزيادة الثقة فيه مع الاستفادة من خصوصيتها في التداول، داعيا إلى تكوين مؤشر للصكوك الإسلامية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

وقد أشاد الدكتور محمد البلتاجي مدير برامج المصارف المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بالعهد المصرفي السعودي بمثل هذه الدراسات كون أن أرصدة صكوك الاستثمار الإسلامية فاقت 100 مليار دولار تبلغ حصة ماليزيا منها 60 في المائة، مشيرا إلى زيارة وزير الاستثمار المصري لماليزيا للتعرف علي تطبيقات الصكوك من قبل الحكومة الماليزية، والاهتمام الدولي من خلال إعلان الحكومة البريطانية عن نيتها في إصدار صكوك استثمار إسلامية، مضيفا أن ماليزيا والبحرين والإمارات والسودان من أوائل الدول التي قامت باستخدام الصكوك لتمويل مشروعاتها بديلا للسندات بفائدة، حيث حققت النتائج المرجوة منها.

وبحسب البلتاجي فإن الدراسة تناولت الصكوك بكافة الجوانب الشرعية والتطبيقية، مؤكدة على أنها البديل الشرعي عمليا للسندات بفائدة، مع قدرتها على تلبية احتياجات الحكومات والشركات بتوفيرها السيولة النقدية لمشروعات التنمية وشراء الأصول الاستثمارية.

غير أن البلتاجي لاحظ أن الباحث ركز علي صكوك الإجارة، دون الإشارة إلى صكوك المشاركة والمرابحة والسلم والمضاربة، في الوقت الذي أوضح فيه أن الإجارة المنتهية بالتمليك هي إحدى الصور الجائزة على الرغم من صدور قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة بتحريمها عام 2000 نظرا لكونها عقدين في عقد واحد، وأعقب ذلك صدور قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة والذي عقد بالرياض في سبتمبر وأصدر قرار رقم 110 في سبتمبر 2000 م بأن يكون التأجير مع الوعد بالتمليك بفصل عقد التأجير عن عقد البيع مع وجود وعد بالبيع.

كما يرى البلتاجي أن تجربة إصدار صكوك الإجارة بالبحرين التي قيّمها الباحث، عليها تحفظات من قبل العديد من العلماء، ذلك لأن هذا التمويل على عقد الوفاة من العقود التي يوجد عليها خلاف كبير، يلتزم بموجبة البائع للمشتري بشراء السلعة من أخرى.

واتفق البلتاجي مع الباحث في الحاجة لإيجاد بيئة تشريعية للمساعدة على انتشار التمويل من خلال منتج الصكوك المالية الإسلامية، كونه جعل ماليزيا تصدر وحدها 60 في المائة من إجمالي إصداراتها على مستوى العالم، مؤكدا أن النجاح الذي حققته صكوك الاستثمار يحتاج إلى دعم من قبل الحكومات من خلال إصدار التشريعات المنظمة لتداول الصكوك لتكون أحد البدائل أمام رؤوس الأموال لجذب تلك الأموال لأسواق المال العربية.

من جهته أكد ياسر المرشدي، خبير في المصرفية الإسلامية، أن الصكوك هي الوسيلة القادمة لإدارة السيولة والتحكم في السياسة النقدية، سواء كانت صكوك إجارة أو صكوك مشاركة أو صكوك سلم أو غيرها من الصكوك التي تتنوع بحسب ارتباطها بالأصول أو عدمه وبحسب إمكانية تداولها أو عدمه وبحسب عائدها المتغير أو الثابت وبحسب عائدها المضمون أو غير المضمون، موضحا أنها تتيح تحكما أكثر قدرة في السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية الراعية للبنوك، وتفسح مجالاً واسعا للمصارف الإسلامية في استغلال أمثل لمواردها النقدية وكفاءة عالية في إدارة سيولتها، وتطرح منتجات استثمارية مبتكرة أمام المستثمرين من الشركات والأفراد، وتبني مدخرات مناسبة لذوي الدخل المتوسط والمحدود من الأفراد الذين كادت أن تطبق عليهم رحى التضخم، مبينا أن السعودية قادرة على قيادة السوق المالية في هذا المجال، حيث لديها سوق مالي واعد ومشروعات تنموية ضخمة، كما أن لوزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية والمؤسسات العامة السعودية ذات الصلة فرصاً هائلة لدعم الاقتصاد الوطني بشتى أنواع الصكوك في المدن الصناعية والمشاريع الكبرى كالسكك الحديدية والمصانع المختلفة والخدمات كالكهرباء والمياه والهاتف والمستشفيات وفقا للرؤية الملكية الآخذة بهذه الأداة المالية المبتكرة، مشيرا إلى التحديات التي تواجهها، ومنها غياب الهيئات التنظيمية المستقلة التي تضمن سلامة الصك من الناحية المالية والشرعية، بالإضافة إلى طغيان مفهوم السندات الربوية عليها، فلا تكاد تجد صكاً إسلامياً إلا وقد اشترط فيه مصدروه شروطاً وقيوداً تنفي الاختلافات الرئيسة بينه وبين السند الربوي، داعيا للبناء على المعيار الصكي كالذي أصدرته هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين AAOIFI للوصول إلى صكوك إسلامية متفق عليها تضمن توحيد معايير إصدارها وتداولها وانتظام التعامل بها من الناحية الشرعية، مشيرا إلى أنه تبقى الناحية المالية بحاجة إلى من يتبنى تنظيمها.

وعلى صعيد ذي صلة اعتبر المحلل المالي الدكتور محمد بدوي أن الدراسة تكمن أهميتها في استحداثها أدوات مالية في سوق الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية، كما أن أهمية صكوك الإجارة خاصة في دول الخليج حيث تتوافق فوائضها المالية التي تبحث عن استثمارات إسلامية، موضحا أن أغلب صكوك الإجارة المتعامل بها في الدول المختلفة تصدرها البنوك والحكومات وبعض الشركات، معتقدا أن الدراسة لو تطرقت إلى سوق التورق الإسلامية كأحد أدوات المستحدثة للاستثمار في الأسواق المالية لخدمة صغار المستثمرين لأضافت أداة متعمقة الصلة بصكوك الإجارة، وأثرت الواقع التطبيقي، لأن هذه الأدوات الاستثمارية لها انعكاساتها الإيجابية على تنمية سوق المال بصفة خاصة والاقتصاد بصفة عامة.