المنتجات البنكية الإسلامية تبدأ «عمليا» اختراق الأسواق المصرفية العالمية

إطلاق أول بطاقة ائتمانية متوافقة مع الشريعة الإسلامية في روسيا

تعرف المصرفية الاسلامية انتشارا ملحوظا في كل أنحاء العالم («الشرق الأوسط»)
TT

باتت المصرفية الإسلامية في سباق مع الزمن لشق طريقها والوصول إلى مقدمة الأنظمة المالية العالمية، بعد أن أثبتت صلاحيتها كخيار ملائم مقابل الأزمات المالية التي تعترض النظام العالمي المالي.

ومع اشتداد الأزمة المالية الحالية التي تجتاح معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فقد غدت المصرفية الإسلامية تأخذ مكانها في طريق ريادة الأنظمة المالية العالمية، بعد انتشار المصارف الإسلامية في دول أوروبية وآسيوية، فضلا عن قيام مؤسسات مالية أخرى بطرح صناديق استثمارية متوافقة مع الشريعة الإسلامية. وربما في القريب العاجل تختفي واحدة من المشكلات المالية التي تواجه مسلمي روسيا، إذ أنه من المقرر إطلاق بطاقة خصم إسلامية جديدة في أنحاء الدولة كافة مع ضمان من الزعماء الروحيين للمسلمين بأن تكون الشروط والأحكام متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وتم بالفعل إطلاق البطاقة التي يقدمها بنك إكسبريس في إقليم داغستان ذي الأغلبية المسلمة، غير أن البنك أفاد بأن البطاقة حظيت بشعبية كبيرة جدا لدرجة أن البنك يعكف حاليا على نظام لتوفيرها في كل أنحاء البلاد.

وقال ناطق رسمي باسم البنك إن المسلمين معنيون بدرجة أكبر بمبادئ دينهم، ومن ثم تحظى هذه البطاقة بمزيد ومزيد من الشعبية، ورغم أن البطاقة ليست متوافرة في الوقت الحالي إلا في إقليم داغستان، إلا أننا نعكف الآن على طريقة تمكّن الناس من التقدم للحصول على البطاقة باستخدام شبكة الإنترنت لضمان سرعة توافرها للمسلمين في شتى أنحاء روسيا.

وتعتبر الحسابات المصرفية التقليدية حراما في الشريعة الإسلامية التي تحرم على المسلمين كلا من تقاضي الفائدة على الودائع أو دفع الفائدة على السحوبات على المكشوف وعلى القروض. ولكن نظرا لعدم وجود بنوك إسلامية الآن في روسيا، فإن المسلمين في هذا البلد لم يجدوا أمامهم إلا قليلا من البدائل.

وتعِد بطاقة الخصم الإسلامية الجديدة العملاء بأن يتم التبرع بأية فائدة يتم استيفاؤها من حساباتهم للأعمال الخيرية، مثل عنابر الولادة بالمستشفيات المحلية. أما شروط البطاقة فقد وضعها البنك بالتعاون مع المجلس الروحي لمسلمي داغستان، والذي ساعد أيضا على تصميم البطاقة بما يضمن توافق شكلها الخارجي مع الشريعة الإسلامية، وذلك مثل عدم تصوير ما فيه روح.

وأضاف الناطق الرسمي لا توجد بنوك أخرى في روسيا تقدم هذا النوع من الخدمة ومن ثم لم يكن لدينا نموذج معين نحذو حذوه، مما تعين معه أن نقوم بكل شيء بأنفسنا، حيث كنا نستشير الزعماء المسلمين عند كل خطوة اتخذناها. ولكن نجاح هذه البطاقة يظهر أن هناك طلبا على هذا النوع من الخدمة، ونحن نفكر في التوسع في إدخال أنواع أخرى من الخدمات المالية الإسلامية.

وقد كانت هناك محاولات أخرى ترمي إلى تطوير صناعة للخدمات المالية الإسلامية في روسيا، وأبرزها مع بنك بدر ـ فورت وهو البنك الإسلامي الوحيد الذي تأسس في روسيا. وقد تم افتتاح هذا البنك في العاصمة موسكو في عام 1991 وقدم للعملاء بطاقة خصم مماثلة لا تغلّ فائدة، فضلا عن تقديمه تحويلات مالية ورهونات عقارية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.

بيد أن البنك المركزي الروسي سحب ترخيص هذا البنك في عام 2006 وهو القرار الذي تسبب في موجة من الجدل في ذلك الحين. وقد اشتكى اتحاد البنوك الروسية من أن معظم المبررات التي ساقها البنك المركزي لاتخاذ قراره هذا «ليست مستندة إلى الأعراف والتصرفات القانونية للبنك المركزي» وأن البنك المركزي رفض الاعتراف بحقيقة أن بدر ـ فورت طور خطة عمل للرد على المبررات القانونية التي تم سوقها.

وقال رينات بيكين، الخبير في التمويل الإسلامي والبروفسور في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية إنه كان ولا يزال هناك بعض من الناس يعملون في البنك المركزي الروسي لا يؤيدون فكرة المصرفية الإسلامية، وأن بعض الناس يظنون أنهم يدعمون الإرهاب أو الأنشطة الأخرى غير المشروعة، كما يمكن أن تكون هناك معارضة من قبل البنوك التقليدية لأنها لا تريد المنافسة.

ورحب بيكين ببطاقة الخصم الجديدة معتبرا إياها خطوة في الاتجاه الصحيح، غير أنه أضاف قائلا إن هناك حاجة إلى الخدمات المالية الأخرى، مثل التأمين والرهن العقاري أكثر إلحاحا من الحاجة إلى بطاقة الخصم هذه، ولا سيما في العاصمة.

وتابع بيكين أن البطاقات التقليدية غالبا لا تغلّ إلا مبلغا صغيرا من الفائدة ويمكن للأشخاص التبرع به إلى المؤسسات الخيرية، ولهذا فهم لا يعتبرون هذا مشكلة في واقع الأمر، ولكن هناك عددا من المنتجات المالية التي لا يمكنك تجنبها إذا كنت تعيش في مدينة كبرى. وأضاف بيكين أنه يذكر على سبيل المثال أنه قد يحتاج الشخص إلى تأمين إذا كنت ممن يمتلكون سيارة، «وفي ظني أن أغلبية المسلمين في موسكو يكتفون بالحصول على المنتجات التقليدية بدون حتى التفكير فيها، وهم في الغالب لا يدركون أنهم يخالفون بذلك مبادئ الشريعة الإسلامية».

وتتمثل إحدى العقبات الكبرى التي تقف حائلا دون تطوير خدمات مالية إسلامية متخصصة في موسكو في الافتقار إلى الوعي والمعرفة بين كثير من المسلمين بمسألة تحريم الربا. ففي حين يشهد إقليم داغستان توعية على نطاق واسع بمبادئ المصرفية الإسلامية على أيدي الشيوخ الصوفيين في المساجد المكتظة بالمصلين، نجد أن الزعماء الدينيين في موسكو يتمتعون بتأثير أقل بكثير ويستمع إليهم جمهور أقل من المصلين.

وقال توجروت كوميرت، وهو مسلم وافد من تركيا ويعمل في موسكو منذ عامين، إنه فوجئ بغياب الخدمات والوعي فيما يتعلق بالمصرفية الإسلامية. ومضى يقول: «هناك الكثير من البنوك العربية في تركيا، والناس مهتمون بالمصرفية الإسلامية، ولكني لم أسمع أبدا أناسا يتكلمون عن هذا الموضوع في روسيا، مما يجعل من التزام المسلم بأحكام شريعته أمرا صعبا جدا».

كما حظيت البطاقة باهتمام من قبل بعض الدوائر غير المتوقعة منذ إطلاقها في داغستان. ويقول الناطق الرسمي باسم بنك إكسبريس: «حظيت البطاقة بشعبية غير متوقعة بين المسيحيين واليهود في الإقليم، وفيما يبدو أن تصميمها يروق لهم فعلا».