موقف أميركا من الصيرفة الإسلامية

TT

تسعى واشنطن منذ ثماني سنوات وهو تاريخ إطلاق أول مؤتمر سنوي للصيرفة الإسلامية وهو ما عرف بـIslamic Finance 101 Conference الذي تنظمه كلية الحقوق بجامعة هارفارد والذي يحظى برعاية رسمية من الجهات التنظيمية وعلى وجه الخصوص الخزانة الأميركية بهدف فهم صناعة الصيرفة الإسلامية للاستفادة منها. إلا ان هذا الحرص لم يترجم إلى أفعال إلا في عام 2004 عندما أعلن السيد جون تايلر وكيل وزارة الخزانة للشؤون الخارجية في كلمته التي ألقاها في Islamic Finance 101 Conference عن إنشاء الخزانة لبرنامج لدراسة المالية الإسلامية وتم تعيين الدكتور محمود الجمل الأستاذ بجامعة ريس باحثا مقيما في هذا البرنامج. إلا ان البرنامج الغي بنهاية عام 2004 وبقيت الخزانة الأميركية تراوح مكانها حول الصيرفة الإسلامية إلى ان صرح السيد روبرت كيميت نائب وزير الخزانة الأميركية في زيارته للمملكة قبل أيام عندما سئل عن مدى إمكانية الاستفادة من تجربة الصيرفة الإسلامية للخروج من الأزمة المالية العالمية بأن الخزانة الأميركية ستدرس خصائص هذه الصناعة بعمق في محاولة الاستفادة منها. ولا شك ان هذا التصريح مهم حيث تسعى الحكومة الأميركية في هذا الوقت بالذات لإغراء الأموال الخليجية في المساهمة في إنقاذ الاقتصاد الأميركي والمؤسسات الأميركية التي تعاني من شح السيولة الناشئة عن أزمة الرهن العقاري والتي عصفت باقتصاديات الدول الصناعية الكبرى. إلا ان هذا التصريح لم يمر مرور الكرام من قبل الكثير من المؤسسات البحثية والمفكرين الأميركيين اليمينيين حيث سارع السيد فرانك جافني رئيس مركز السياسة والأمن بشن حملة ضد هذا التصريح مدعيا انه يقوض سياسة الحكومة الأميركية في حربها ضد الإرهاب حيث أنها أي الصيرفة الإسلامية تدعم الإرهاب الإسلامي وتشجع على الدكتاتورية وتقمع الحرية. ودعا السيد جافني إلى إرسال رسائل للخزانة الأميركية تستنكر إمكانية النظر في إدخال منظومة الصيرفة الإسلامية ضمن المنظومة المالية الأميركية. وقد كان السيد فرانك قبل تأسيسه لهذا المركز نائبا لمساعد وزير الدفاع الأميركي ريتشارد بيرل في عهد الرئيس ريغن كما انه احد الذين ساهموا في الضغط باتجاه شن الحرب على العراق. ويصنف السيد جافني على انه يميني ليكودي معادي لكل ما ينتسب إلى الإسلام ولعل موقف السيد جافني ومنهم على شاكلته من جماعات الضغط اليمينية يفسر لنا عدم قدرة الحكومات الأميركية المتعاقبة منذ 2002 وحتى الآن على إدخال الصيرفة الاسلامية ضمن المنظومة المالية الأميركية أو الاستفادة منها مع شعورها بالحاجة إليها. كما ان هذا يفسر لنا عدم قدرة الصيرفة الإسلامية على النمو في أميركا حيث لا تتجاوز المؤسسات المالية الإسلامية الكبرى أربع مؤسسات أسس أولها وهو بنك لاربا عام 1986 وتخدم هذه المؤسسات حوالي 10 ملايين مسلم تقدر نسبة من حصلوا على تعليم جامعي من البالغين منهم حوالي 47% في حين لا تتجاوز هذه النسبة 26% من جميع الأميركان. لقد حد عدم وجود المؤسسات المالية التي تقدم الخدمات المالية الإسلامية وعلى وجه الخصوص برامج التمويل العقاري الإسلامي من قدرة المسلمين على تملك المنازل حيث لا يتجاوز عدد الأسر المسلمة التي تملك منازل 420 ألف أسرة أي ما نسبته 4.2% من إجمالي عدد المسلمين. في حين ان المعدل الوطني لتملك المنازل في أميركا حوالي 65% كما لم تتجاوز مبالغ الرهن العقاري الإسلامي التي قامت مؤسسة فريدي ماك بشرائها 250 مليون دولار وهي نسبة بسيطة قياسا بمبلغ 1.77 تريليون دولار من الرهون العقارية التقليدية التي اشترتها فريدي ماك. إنني في الحقيقة غير متفائل بمستقبل الصيرفة الإسلامية في أميركا نظرا لغلبة الآيديولوجيا في القرار الأميركي حيث أغلبية الشعب الأميركي وفق استطلاع للرأي أجرتهCNN متدين. كما ان اليمين المتطرف يتحكم في صناعة القرار في واشنطن عبر مراكزه البحثية وجماعات الضغط المنظمة والتي تعادي كل ما يمت للإسلام بصلة على غرار فرانك جافني وبالتالي فإن فرص استفادة أميركا من نمو وتوسع صناعة الصيرفة الإسلامية ستبقى محدودة ما بقيت الآيديولوجيا هي المسير للقرار الأميركي مع حاجتها الماسة لأموال هذه الصناعة لمساعدتها في الخروج من ازمتها.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]