استياء في أوساط المصارف مع تحذيرات «ماكنزي» من أزمة عقارية تهدد المصارف الإسلامية في الخليج

السعودية الأقل تعرضا للمخاطر بـ5% * مصرفيون إسلاميون ينتقدون توقيت التقرير ويحيلونه إلى واقع المنتجات

TT

شن خبراء ومتخصصون في المصرفية الإسلامية، هجوما على تقرير أصدرته ماكنزي للتنافسية 2008 ـ 2009، بعد أن حذر التقرير المصارف الإسلامية من أنها ليست بمأمن من الأزمة المالية العالمية.

وجاء منطلق الاستياء لتعارضه مع ما يفتخر به المصرفيون الإسلاميون خلال الشهور الثلاثة الماضية، من نجاة البنوك الإسلامية ومنتجاتها من أزمة الرهن العقاري المتفشية، مسوقين في الوقت ذاته نموذج المصرفية الإسلامية كحل ناجح أمام خيار النظام الرأسمالي المضطرب.

وقال لـ«الشرق الأوسط» عدنان يوسف رئيس مجموعة البركة المصرفية، إن تقرير ماكنزي يعبّر عن وجهات نظر لا أكثر، مشيرا إلى أن الأزمة المالية العالمية وتداعياتها، باتت حديث الشارع وليس مبررا نشر التقرير في هذا التوقيت.

وأضاف يوسف الذي يرأس كذلك اتحاد المصارف العربية، أن المصارف الإسلامية باتت محط أنظار العديد من صناع القرار في الدول الأوربية والعالمية، بعد النتائج الإيجابية الجيدة التي حققتها وجعلتها بعيدة عن الأزمات المالية، موضحا أن القائمين على التقرير كان بإمكانهم اختيار الوقت الملائم لنشر التقرير.

وأوضح يوسف أن البنوك الإسلامية ابتعدت كل البعد عن الأزمة، كونها ممنوعة من شراء الدين أو الدخول في عملية المشتقات، وذلك ما جنبها الطامة الكبرى، التي حدثت للبنوك الكبيرة، لأن هذه الأشياء محرمة شرعا. كما أضاف رئيس مجموعة البركة، أن المصارف الإسلامية لديها هيئات شرعية تجعل من كامل تعاملاتها خاضعة لإجازة الهيئات الشرعية التي ينتمي إليها كثير من المشايخ والعلماء، مبينا في الوقت نفسه أن هذا الانتقاد جاء نتيجة لتوقيت النشر في وقت يتحدث كثير من المتخصصين عن أن الأزمة المالية العالمية لا تزال في أولها.

وتوافق مع رأي عدنان يوسف، مسؤول رفيع في أحد البنوك الإسلامية ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ قائلا إن البنوك الإسلامية لديها ملاءة مالية تمكنها من الابتعاد عن أي أزمة مرتبطة بالأزمات المالية العالمية، كونها بعيدة عما يسمى البيع على المكشوف، وأنها تتوخى الحذر فيما يتعلق باستثماراتها العقارية.

وأشار المسؤول إلى أن البنوك الإسلامية تحاول تنويع استثماراتها بما يحقق تنمية مجتمعاتها، الذي يهدف في النهاية إلى تحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي ككل.

وكان تقرير ماكنزي قد أحدث ردة فعل في أوساط الصناعة المالية الإسلامية، بعد تحذيرات أطلقها التقرير للمصارف الإسلامية بالحذر من الوقوع في أزمة جديدة، خاصة أن كثيرا من استثمارات البنوك الإسلامية تصب في القطاع العقاري. ويكتسب التقرير الذي أصدرته شركة ماكنزي آند كومباني أهمية كبيرة، حيث يأتي في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية ومتزامنا مع انعقاد أهم مؤتمر للمصارف الإسلامية.

وأشار التقرير إلى أن أكبر نسبة استثمار في العقار حدثت في منطقة الخليج في نهاية عام 2007، حيث شكلت قطر أكبر نسبة في ذلك بعد أن قامت المصارف الإسلامية فيها بشراء ما نسبتها 33 في المائة من أصول عقارية، وكذلك الإمارات التي وصل معدل تملك المصارف الإسلامية خلال الفترة المذكورة ما نسبته 26 في المائة، في حين بلغت نسبة تملك المصارف الإسلامية في الكويت 16 في المائة، تلتها البحرين التي بلغت النسبة فيها 14 في المائة، ولكن الفارق الكبير حققته السعودية، حين لم تتجاوز نسبة الاستثمار في القطاع العقاري بالنسبة للبنوك الإسلامية فيها، أكثر من 5 في المائة.

ووفقا للتقرير، فإن نسبة التضرّر للمؤسسات المالية الإسلامية في كل دولة، يعود إلى نسبة استثمارها في العقار، لذلك نصح التقرير بالابتعاد عن الاستثمار العقاري لأنه في مرحلة تصحيح الأوضاع ومن المتوقع أن يستمر الانخفاض في هذا القطاع خلال السنوات المقبلة.

من جهته قال لـ«الشرق الأوسط» طلال مالك مدير العلاقات الخارجية في شركة ماكنزي في منطقة الشرق الأوسط، إن الصيرفة الإسلامية تأثرت من الأزمة المالية العالمية، وأن من يقول غير ذلك فهو مخطئ، موضحا أن مقياس المقارنة بين البنوك التقليدية والإسلامية يبين معدل التأثير بين النوعين وحجمه هو الفارق.

وأضاف مالك أن الانتقادات التي طالت التقرير، لم تكن ترغب في النصيحة والمشورة، مبينا أنهم يسعون لتقديم الاستشارة والنصح للمؤسسات المالية الإسلامية، خاصة أن كثيرا من استثمارات البنوك في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي في القطاع العقاري، وهو القطاع الذي بات يتعرض لتقلبات في الفترة الأخيرة.

وتابع مالك أن البنوك الإسلامية تجنبت التأثيرات الكبيرة الناتجة عن الأزمة العالمية، لكنها في موقع الخطر بسبب ثلاثة أخطار محدقة، الأولى هي وفرة السيولة لديها والتي يجب أن يتم إدارتها في فترة قصيرة الأمد، حتى يتم التغلب على أية مخاطرة بها، والثانية هي الحرص على تنويع مصادر الدخل عبر الاستثمار في مشروعات بعيدة كل البعد عن القطاع العقاري.

أما الخطر الثالث والتي تحتاج إلى سنوات للعمل عليها كخطة متوسطة الأمد ـ والحديث لطلال مالك ـ هي تحقيق الصيرفة الإسلامية مكانة بارزة في الاقتصاد العالمي، الذي بدأ يستجيب لها كركن أساسي في الاقتصاد الدولي، وأن هذا الأمر يجب أن تعمل المصارف الإسلامية على ترسيخه خلال السنوات القادمة، وأن الفرصة سانحة الآن لذلك. وبحسب مالك فإن الصيرفة الإسلامية اليوم ورغم عرقلة العقار فإنها تعيش تحديا وتحقيق الذات عبر الفرص المواتية لها، مؤكدا أهمية أن تتجاوز البنوك الإسلامية أزمة انخفاض العقارات، والتي سيؤثر على أرباحها وفوائدها، وهو أمر وارد جدا، وبالتالي قد يؤثر ذلك على أصولها المتنامية في حال استمر انخفاض العقار.

كما أوضح مالك أن هناك بعض التحديات المحتملة التي تواجه المصارف الإسلامية في المدى القصير أهمها نقص وفرة السيولة، وارتفاع مخاطر أصول العقارات والبناء.

ووفق تقرير ماكنزي، فإن البنوك الإسلامية تأثرت إلى حد ما في الأزمة المالية العالمية، بسبب المخاطر المتأصلة في قطاع المالية الإسلامية مثل: ارتفاع نسبة عدم تواؤم الاستحقاق في البنوك الإسلامية عنها في البنوك التقليدية، وكذلك تعامل العديد من المؤسسات المالية الإسلامية الرئيسية مع قطاع العقارات.

وأوضح التقرير أنه يتعين على البنوك الإسلامية التحرك في ثلاث جبهات: الإدارة الحكيمة للمخاطر، وإعادة النظر في موضعها وعروض القيمة لديها، وإدارة أكثر صرامة لنمو صافي الدخل وصافي المبيعات.

كما أشار التقرير إلى أن عددا من المصارف الإسلامية معرض للهبوط، وأن ذلك يعتمد على مدى استثمارها في قطاع العقار، وعليه فإنها تحتاج إلى دراسة الوضع عبر سيناريو يلزمها، لاسيما في إطار موجة تصحيح السوق التي تحدث بعد الارتفاع الكبير الذي تعرض له سوق العقار.

ولفت التقرير إلى أن نشاط المصرفية الإسلامية بدا واضحا في البورصات التي تعمل في بلدانها، وارتفاع مؤشر الحركة، مقارنة بمؤشرات عالمية ما يدلل على الثقة الكبيرة التي تحظى بها مثل هذه المصارف.

كما أن البورصات الخليجية التي تميزت بارتفاعها وأدائها أثر انتعاش المصارف الإسلامية، تراجعت بسبب الأزمة العالمية بمعدل 6 في المائة، وتراجع أداء البنوك الاستثمارية الإسلامية إلى 6.4 في المائة.

كما أظهرت نتائج تقرير التنافسية أن بنوك التجزئة في دول مجلس التعاون الخليجي هي بين مرحلتين من مراحل التطور، هما مرحلة النشوء ومرحلة تعزيز الوجود، ويتوقع أن تنمو وتساهم بمقدار 50 في المائة من دخل البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2011.

وأكد التقرير أن إصدار الصكوك تزايد بشكل كبير جداً في كافة الأسواق، رغم أن هذا توقف مؤخراً في العديد من الدول، والسبب الرئيسي في ذلك هو الأزمة المالية الحالية. ووفقا التقرير، فإن النقلة النوعية في منتج الصكوك الإسلامية، كان في العام 2007 حين ارتفعت نسبة التداول عليه كاستثمار إسلامي إلى 73 في المائة، حيث وصل حجم الاستثمار فيه إلى 46.7 مليار دولار في السوق العالمية، إلا أن الأزمة العالمية أثرت على هذه السوق وانخفضت إلى 67 في المائة، ولم يحقق غير 15.2 مليار دولار في حجم استثماراته في السوق العالمية.

أما بالنسبة لإدارة الثروة الإسلامية، فقد أشار التقرير إلى أن هوامش الدخل في الثروات الخاصة، وإدارة الأصول هي أعلى في دول مجلس التعاون الخليجي مقارنة مع المناطق الأخرى.

وأشار إلى أن أقساط تأمين التكافل في العالم لا تزال صغيرة نسبياً، حيث لم تتعد مبلغ 7.2 مليار دولار في عام 2007، ويعود ذلك في معظمه إلى عدم الانتشار في الأسواق المالية الإسلامية الرئيسية في مجال البوليصة والمطالبات وكذلك التأمين على الحياة.