دعوى قضائية أميركية ضد أكبر شركة تأمين في العالم لتقديمها منتج «تكافل إسلامي»

فتحت باب الاطلاع على صناعة التكافل الإسلامي وسط توقع نمو سنوي مغر لها بنسبة تصل إلى 20%

المقر المركزي لشركة التأمين الأميركية (أيه آي جي) في نيويورك (رويترز)
TT

فتحت دعوى قضائية رفعت الاثنين الماضي في الولايات المتحدة باب البحث والاطلاع من شركات التأمين الغربية على صناعة التكافل الإسلامي بعد أن سجلت ارتفاعا مهولا في نموها السنوي بلغ بين 15 و 20 في المائة.

وتواجه شركة المجموعة الأميركية للتأمين «أيه آي جي»، والتي توصف بأنها أكبر شركة تأمين في العالم من حيث القيمة السوقية، صعوبات جمةّ، حيث اعترض أحد مواطني ولاية كاليفورنيا على خطة الحكومة الأميركية لإنقاذها، زاعما أن هذه الخطوة غير قانونية، لأن شركة التأمين تقدم منتجات تأمينية تشجع الإسلام وتعادي المسيحية.

وقام برفع هذه الدعوى، الأسبوع الماضي أمام إحدى المحاكم الفدرالية في ديترويت مركز توماس مور القانوني في آن أربور، الذي يرفع دعاوى قضائية لخدمة القضايا المسيحية، حيث قال المركز إن الحكومة تنتهك التعديل الأول للدستور من خلال تقديم مليارات الدولارات بغرض مساعدة (آيه آي جي) وتمنع هذه المادة الدستورية الحكومة الأميركية من دعم ديانة بعينها.

وتقول عريضة الدعوى إن أيه آي جي تقدم خدمات مالية متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ولاسيما أن تأمين التكافل يحظر وفقا التمويل الإسلامي أو المتوافق مع الشريعة، الاستثمارات التي تنطوي على دفع الفائدة أو تدعم التعامل في الكحول أو التبغ أو لحم الخنزير أو القمار أو الأسلحة.

وتزعم الدعوى أن أعمال تأمين التكافل التي تمارسها أيه آي جي ذات صبغة طائفية، وأن أغراضها العلمانية متداخلة بشكل معقد مع رسالتها الإسلامية المستندة إلى الشريعة. وأقام المركز هذه الدعوى نيابة عن كيفين موراي المقيم في مقاطعة واشتيناو، وهو محارب قديم شارك في حرب العراق وينتمي إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، في وقت لم تدل المتحدثة باسم وزارة الخزانة جينيفر زوكاريلي بأي تعليق في هذا الشأن. ويتوقع أستاذ للقانون بجامعة لويسفيل أن يتم رفض الدعوى سريعا.

وقال سام ماركوسون، الذي سبق وكتب عن هذه المادة الدستورية التي تمنع دعم الديانات في الدستور: «فكرة ان خطة إنقاذ أيه آي جي تشجع ديانة بعينها منافية للعقل». ويعدّ برامج التكافل التأمينية في الوقت الحالي أداة تأمينية في القطاع الخاص، تزايد أهميته وسط النمو السكاني والاقتصادي ونمو الأصول الإسلامية والتي تدل على وجود تحوّل في النمط الفكري. «الشرق الأوسط» تتوسع في شرح برنامج التكافل لارتباطه الوثيق بالمالية الإسلامية. ففي عام 2000، دخل سوق التكافل 18 صندوق نمو إسلامي جديد والتي ما لبثت بحلول عام 2007 ان ارتفعت إلى 152 صندوقا حيث حدثت أكبر قفزات بين عامي 2002 و2003 بزيادة 150 في المائة، بينما شهدت بين العامين 2005 و2007 زيادة بنسبة 100 في المائة. ويتوسع التمويل الإسلامي بشكل دراماتيكي حيث تضاعف في عام 2006 إلى 28.5 مليار دولار، وفي عام 2007 تضاعف الرقم من جديد مرتين وأكثر ليصل إلى ذروته عند 60.5 مليار دولار في مشروعات تمويلية من خلال مؤسسات مالية إسلامية.

وهذا النمو الكبير في عمليات التمويل الإسلامي خلال سبعة أعوام، أكد أن هناك سوقا هائلة تنتظر العاملين في مجال تأمين التكافل الذين يمكنهم ملء الفراغ في السوق غير المستغلة. ولكن المبالغ المستثمرة ربما تضاعفت مرتين أو ثلاث مرات في ظل أكبر تحويل لرأس المال في تاريخ البشرية نتيجة لتذبذب السوق النفطية وارتفاعاتها الحادة إلى قرابة 150 دولارا للبرميل قبل نحو ستة أشهر. إلى ذلك، فإن دخول الشركات التأمينية من أمثال (أيه آي جي) وتقديمها لمنتجات تكافل في الولايات المتحدة، وتصدر خمسة بنوك إسلامية في لندن لعملية الاستفادة من الأسواق غير المستغلة في أوروبا الكبرى، فإن الوضع التأميني جاهز للانطلاق، أو على الأقل سيتعين حدوث تنافس بين تأمين التكافل والتأمين التقليدي.

وفي الوقت الحالي، نجد أن التغلغل في موارد التكافل وأدواته لم يكتمل. ومع نضج السوق، فإن مجال التأمين الشخصي والتأمين على الحياة يقدمان فرصة هائلة لتحقيق أرباح من المنتجات المبتكرة ذات القيمة المضافة، واعتبارا من عام 2006، لم يكن يوجد إلا 133 شركة تأمين تكافل في هذا المجال، من بينها 59 شركة مقرها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وينتظر أن تحقق سوق التكافل العالمية نموا بمعدل يقترب من 20 في المائة سنويا، بل هناك توقعات بأن السوق سترتفع من ملياري دولار إلى ما يزيد على 4 مليارات دولار في صورة مساهمات تكافلية سنوية عالميا بحلول عام 2010. وتعود معدلات النمو المضطردة في عمليات التكافل، إلى عوامل رئيسة هي الدينية والثقافية والتنظيمية والمالية والسكانية، أدت إلى الارتفاع الحاد في استثمارات التمويل الإسلامي في غضون الـ 7 سنوات المنصرمة، بالرغم من الحساسيات الشرعية أدت إلى صدور فتاوى ضد الصور التقليدية من التأمين. ويواجه الطلب العالي على منتج تكافل عقبات تتمثل في الافتقار التاريخي إلى تنظيمات لصناعة التأمين إلى جانب هذه الفتاوى المتفاوتة، نظرا لأن الجميع ليسوا على يقين مما هو حلال ومما هو غير ذلك، مما يجعل وعي العملاء بالمنتجات المجازة من هيئات التوفيق وزيادة الحوافز المالية أمرين أساسيين في استغلال أسواق التكافل وإعادة التكافل، على الرغم من عدم إصدار تشريعات تركز على زيادة مدخرات ومعاشات القطاع الخاص بالكامل، كما أن الحاجة لم تتحقق بالكامل من قبل دول مجلس التعاون الخليجي ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المحيطة.

وتعتبر الصور التقليدية للتأمين محل جدل في دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الأسواق التي تزداد اتساعا وتريد الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية في آلياتها التمويلية؛ نظرا لأنها «تستخدم» الميسر والغرر والربا، وهي الأمور المحرمة في الشريعة الإسلامية.

وتواجه صناعة التكافل العالمية تحديا يتعلق بعرض وطلب ممتلكات التكافل، إذ أن الطفرة في النمو الاقتصادي والزيادة في إجمالي الناتج المحلي للفرد، علاوة على شريحة الشباب من السكان والتي تزيد بمعدل متسارع نتيجة الثقافة التي تقبل تعدد الزوجات وغيرها من الحقائق الثقافية، أدت إلى رغبة أكبر في المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. ويبشر الوعي المتزايد بخصائص التكافل والزيادة الحادة في خيارات التمويل الإسلامي القائمة على أصول بنجاح هذه الصناعة، إلا أن سوء الحظ على جانب العرض مما جعل صناعة التكافل العالمية تواجه وضعا مفتتا يفتقر إلى رأس المال الكافي، فضلا عن وجود مشكلات تتعلق بإدارة الأصول، ومنتجات الحلول المحلية، والقيود على قنوات التوزيع، وفي النهاية طاقة إعادة التكافل.

ومع ذلك، يرى خبراء في صناعة التأمين أن التكافل جاهز لأن تكون صناعة النمو في 2009، مع تحقيق نمو قياسي في صناديق الثروة السيادية ورسوخ دعائمه في أنظمة التمويل الإسلامي، مما جعلهم يقدرون بأن المسألة مجرد وقت حتى تجد حملة إصلاح الرعاية الصحية العالمية في الأمم المتحدة شكلا جديدا من أشكال التأمين قائما على تشارك المخاطر، وتقرر مصير العالم الثالث في ظل محتسب فخري.

وفي بريطانيا، أبدت «فريندز بروفيدنت بي إل سي»، وهي شركة للتأمين على الحياة والمعاشات مدرجة في المملكة المتحدة، اهتماما شديدا باستكشاف أعمال التأمين والتكافل الإسلامي في ماليزيا، مما حدا بها للدخول فيها بقيمة 170 مليون رنجت ماليزي ثمنا لحصة تعادل 30 في المائة في وحدة آم لايف إنشورانس للتأمين على الحياة التابعة لآم بنك، كما داخلت في وقت سابق في شراكة توزيع ناجحة مع بنك الرياض في السعودية.

ووفقا لتحركات سوق التأمين على المستويين الإسلامي والعالمي، يتوقع أن تنمو سوق التكافل العالمية بمعدل يتراوح بين 15 و20 في المائة سنويا، مع تنبؤات أن تصل المساهمات إلى 7.4 مليار دولار بحلول عام 2015، مع الاعتبار أن ماليزيا لوحدها في عام 2007 كانت تمتلك 8 شركات تأمين تكافل يبلغ مجموع أصولها 2.8 مليار دولار، ولكن نسبة الاختراق في السوق لا تزيد على 7.2 في المائة. وفي هذا الصدد، استجابت بعض الدول الإسلامية لحاجة التأمين الإسلامي، حيث كانت السودان أول دولة تطبق نموذجا للتأمين الذي يتماشى مع الشريعة الإسلامية (تكافل) في عام 1979، باعتباره يعتمد على التعاون والمساعدة المتبادلة بين المشاركين في هذا النشاط.

واعتمادا على النمو الاقتصادي النشط لدول مجلس التعاون، يحقق نموذج التكافل في هذه الدول نموا مطردا في حصته من السوق، إذ يعتبر سوق التكافل في البحرين الأسرع نموا بين دول المجلس حيث حقق متوسط نمو قدره 64 في المائة خلال الفترة من 2005 و 2006، يليه الإمارات والتي حققت متوسط نمو بلغ 46.1 في المائة في نفس الفترة. كما أن النسبة المئوية لوثائق التأمين الإسلامي من إجمالي وثائق التأمين لا تزال منخفضة، إلا أنها تمضي في حالة ارتفاع، حيث يتراوح متوسط نموها بين 0.5 في المائة في البحرين و1.80 في المائة في الكويت. أما السعودية فهي الاستثناء، حيث حققت أعلى متوسط في حصة السوق بلغت حوالي 17.9 في المائة، بينما في الإمارات قدرت حصة وثائق التأمين الإسلامي من إجمالي وثائق التأمين في عام 2006 حوالي 1.5 في المائة. وتدل هذه الحصص المئوية المنخفضة لوثائق التأمين الإسلامي ومعدلات النمو المرتفعة أن هناك فرص نمو متوقعة في هذا القطاع، وذلك مع تطبيق طرق وأنظمة جديدة مبتكرة، كما تدل على أن التكافل كنسخة بديلة لنموذج التأمين التقليدي سيحدث تحولا في أداء مجال التأمين في معظم الدول الإسلامية ومجلس التعاون الخليجي. ويحقق سوق التكافل في الإمارات نموا مطردا وأصبحت له قدرة تنافسية، حيث تزايد عدد الشركات التي تقدم التأمين الإسلامي، فحتى سبتمبر (أيلول) 2008، هنالك 4 شركات إماراتية تعمل في مجال التأمين الذي يتوافق مع الشريعة الإسلامية وأسهمها مدرجة في سوق دبي المالي. وبحسب تقرير صادر عن مركز خدمات المعلومات المالية الإسلامية 2008، فإن وثائق تأمين التكافل في الإمارات بلغت حوالي 5 في المائة في عام 2007، مقابل حصة قدرها 1.5 في المائة من إجمالي وثائق التأمين في 2006. أمام ذلك، ينتظر أن تواجه شركات التكافل منافسة شرسة من شركات التأمين القائمة، ومن ثم فإن عليها عمل هيكلة مبتكرة لمنتجات جديدة ضمن الموجهات الإسلامية تكون جذابة لعملائها. ومن التحديات الأخرى التي تواجه نمو مجال التكافل نقص الوعي التأميني خاصة وسط حملة وثائق التأمين المحتملين والذين يمكن جذبهم عبر تدشين حملات تسويقية مكثفة لمنتجات التأمين الإسلامي لرفع الوعي العام بالفوائد المتوقعة التي يمكنهم جنيها من المشاركة، وسط المطالبة الدائمة بضرورة وجود جهة منظمة متخصصة للتأمين التكافلي وذلك لمتابعة المخاطر التي تواجهها شركات التأمين الإسلامي.