صناديق المرابحة أداة لفك خناق تقلص الائتمان

لاحم الناصر

TT

في مقال سابق لي بعنوان «هل أسهمت صناديق الاستثمار الإسلامية في التنمية»، أوضحت فيه كيف ان صناديق الاستثمار الإسلامية لم تسهم في تقديم أي مساعدة في سبيل تنمية البلدان التي تعمل فيها، نظرا لطبيعة الاستثمارات التي تمارسها. حيث تتراوح بين الاستثمار في سوق الأسهم كصناديق مضاربية شجعت على حمى الارتفاع المتتالي في أسواق الأسهم خصوصا في منطقة الخليج، مما شكل ما يسمى اليوم بفقاعة سوق الأسهم والتي خسر فيها الكثيرون مدخراتهم بل ودخولهم المستقبلية نتيجة الاستدانة للاستثمار في سوق الأسهم، أو كصناديق مرابحات قليلة المخاطر. إذ تقوم هذه الصناديق بشراء سلعه من السوق الدولية بثمن غال ثم بيعها على طرف ثالث يتميز بملاءة مالية عالية بثمن مؤجل. وتتراوح الآجال في هذه الصناديق ما بين شهر وثلاثة اشهر وستة اشهر ولا تتجاوز السنة ويرتبط أداء صناديق المرابحة في الغالب بمؤشر سعر الفائدة، وتختلف مسميات هذه الصناديق من جهة لأخرى حيث تسمى في بعض المؤسسات المالية بصناديق المتاجرة وفي البعض الآخر بصناديق المرابحة والبعض يسميها صناديق أسواق النقد. ويعتبر صندوق الأهلي للمتاجرة بالريال السعودي بأصوله البالغة 15.4 مليار ريال (4.1 مليار دولار) اكبر صندوق مرابحة في العالم. وبنظرة بسيطة على الأطراف ذات العلاقة بهذا الصندوق نجد أنها جميعها من المصارف سواء كانت محلية أو خليجية وليس من بينها أي شركة سواء كانت محلية أو خليجية؛ وذلك لتقليل المخاطر الناتجة عن هذا النوع من الاستثمار. ان هذا السلوك يحرم الشركات من رافد من أهم الروافد الائتمانية التي تتميز بالمرونة في منح الائتمان، حيث تعتبر هذه الصناديق خارج المنظومة المصرفية مما يمنحها قدرة على الحركة أكبر. كما ان هذا السلوك يحرم المستثمرين من تحقيق عوائد أعلى مما تحققه الودائع المصرفية في ظل رغبة الكثير من الشركات في الاستفادة من مرونة هذه الصناديق في منح الائتمان ولو بتكلفة أعلى، خصوصا في هذا الوقت بالذات حيث تقلص الائتمان المصرفي رغبة من المصارف في الاحتفاظ بالسيولة لديها لتقوية مراكزها المالية وتحقيق أعلى قدر من الحماية لمتطلبات كفاية رأس المال لديها لحماية أموال المودعين. ولا شك ان المحافظة على ثقة العملاء في القطاع المصرفي يعتبر في هذا الوقت بالذات أهم من تحقيق الأرباح العالية، حيث ان أي هزة في هذا القطاع سوف تؤدي إلى نتائج وخيمة.

وبالتالي فإنني أرى انه قد آن الأوان لكي تتحمل صناديق المرابحات الإسلامية مسؤوليتها بالمساهمة في فك خناق هذه الأزمة الائتمانية عبر تقديم الائتمان المباشر لشركات القطاع الخاص. كما يجب على الجهات الرقابية تسهيل مهمة هذه الصناديق عبر سن القوانين واللوائح المنظمة لهذه العملية مع مراقبتها للتأكد من قدرتها على القيام بهذه العملية الائتمانية وفق الأسس المهنية السليمة حماية للأموال المستثمرة في هذه الصناديق.

ان استمرار تقلص الائتمان وارتفاع أسعاره في دول الخليج والتي تعتبر ليست في أحسن حالاتها في الوقت الراهن نتيجة لانهيار أسعار البترول المصدر الأساسي لدخلها، سيؤثر بشدة على عملية النمو التي تقودها حكومات هذه المنطقة وقدرتها على استكمال المشاريع المخطط لها. كما انه قد يؤدي إلى عجز الكثير من الشركات عن الوفاء بالتزاماتها مما قد يؤدي إلى إفلاسها وبالتالي فإن السعي لتوفير سبل تمويل إضافية لاستمرار عملية النمو والمحافظة على استقرار القطاع الخاص هي من أهم أولويات حكومات هذه المنطقة والتي يجب ان تبادر لها تفاديا لأزمة بدأت تلوح في الأفق ظهرت بوادرها في السوق الكويتي نتيجة لاستحقاق التمويل على بعض الشركات الاستثمارية والتي لم تستطع الوفاء بهذا الاستحقاق نتيجة عدم قدرتها للوصول لاتفاقية لتجديد هذا التمويل مع الجهات المانحة له. كما كانت تتوقع أو عدم قدرتها على الحصول على تمويل جديد للوفاء به مما دعا الحكومة للتدخل بقوة لمنح هذه الشركات الائتمان الكافي للوفاء بالتزاماتها. ان هذه الحالة التي مرت بها الشركات الكويتية من الممكن ان تتكرر في كل دولة من دول الخليج مع حلول موعد استحقاق أي تمويل بمبلغ ضخم إذا لم تتم المبادرة إلى إيجاد حلول لتقلص الائتمان المصرفي على غرار الحل المقترح في هذا المقال.

والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]